جاء ليصحح اعتقادات المشركين والوثنيين سواء، ودعاهم إلى الإسلام جميعًا لأن هذا هو الدين الذي لا يقبل الله غيره من الناس جميعًا، والمسلم مكلف أن يدعو أهل الكتاب إلى الإسلام، كما يدعو الملحدين والوثنيين سواء، وهو غير مأذون في أن يكره أحد من هؤلاء ولا هؤلاء على الإسلام، لأن العقائد لا تنشأ في الضمائر بالإكراه، فالإكراه في الدين فوق أنه منهي عنه، هو كذلك لا ثمرة له» اهـ (?).
بل وكما استقر عند المسلمين بداهة أن أهم القضايا التي يجادلون فيها أهل الكتاب هي قضية التوحيد المطلق لله تعالى في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، ونبذ مظاهر الشرك وعبودية ما سوى الله تعالى، أي قضية (العودة إلى الأصل)؛ فكما أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن رب العزة - جل جلاله -: «وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرَّمَت عليهم ما أحللتُ لهم، وأمَرَتْهُم أن يشركوا بي ما لم أنْزِل به سلطانًا» (?). والعمدة في هذا الجدل الشرعي الصحيح قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (?). ولكن - كما يقول الدكتور القاضي (?) - «دعاة الحوار الحديث يريدون تنحية هذه القضية الأساسية وتحاشيها، لأن الحوار فيها يفسد الحوار، وهكذا يصبح الحوار غاية لا وسيلة. وفضلًا عن ذلك هو غاية غير واضحة يخبط المتحاورون فيه في التيه، بحرية ومغامرة لا يدرون إلى أين ينتهون» اهـ.