الصلاة مما يطول بنا فلان فما رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في موعظة أشد غضبا من يومئذ فقال:" أيها النّاس إنّكم منفّرون فمن صلى بالنّاس فليخفّف فإن فيهم المريض والضعيف وذا الحاجة " (?).

وأحياناً تجد أحدنا ينفر من أحب الناس إليه، ومن أحب المجالس إليه بسبب ما يطرأ عليه من آلام المرض، فكيف بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يتوجع أشد مما يتوجع به رجلان؟ كما جاء في حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -:"إني أوعك كما يوعك رجلان منكم قلت ذلك أن لك أجرين قال أجل ذلك" (?).

وهذا من باب ما يعرض للأنبياء من عوارض المرض بوصفهم بشراً وليس بوصف النبوة، وهذا أمر طبعي فالنبي - صلى الله عليه وسلم - جاع وعطش ومرض وجرح وكسرت رباعيته الشريفة، وسحر، وطرأت عليه ما يطرأ على غيره من البشر، وهذا من كمال نبوته فهو أسوة للناس - صلى الله عليه وسلم - يجوع كما يجوعون ويمرض كما يمرضون ولكنه مع هذا فهو لا يقول إلا حقاً ولا ينطق إلا صدقاً، وهذا كله في غير التبليغ فهو معصوم فيه: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} النجم3 - 4.

قال النووي:" أعلم أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - معصوم من الكذب ومن تغيير شيء من الأحكام الشرعية في حال صحته وحال مرضه، ومعصوم من ترك بيان ما أمر ببيانه وتبليغ ما أوجب الله عليه تبليغه، وليس معصوماً من الأمراض والأسقام العارضة للأجسام ونحوها، مما لا نقص فيه لمنزلته ولا فساد لما تمهد من شريعته وقد سحر - صلى الله عليه وسلم - حتى صار يخيل إليه أنه فعل الشيء ولم يكن فعله ولم يصدر منه - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحال كلام في الأحكام مخالف لما سبق من الأحكام التي قررها فإذا علمت ما ذكرناه فقد " (?).

وقال أيضاً:"معناه دعوني من النزاع واللغط الذي شرعتم فيه، فالذي أنا فيه من مراقبة الله تعالى والتأهب للقائه والفكر في ذلك ونحوه أفضل مما أنتم فيه" (?).

قال ابن الجوزي:"يحتمل أن يكون المعنى دعوني فالذي أعاينه من كرامة الله التي أعدها لي بعد فراق الدنيا خير مما أنا فيه في الحياة أو أن الذي أنا فيه من المراقبة والتأهب للقاء الله، والتفكر في ذلك ونحوه، أفضل من الذي تسألونني فيه من المباحثة عن المصلحة في الكتابة أو عدمها ويحتمل أن يكون المعنى فإن امتناعي من أن أكتب لكم خير مما تدعونني إليه من الكتابة" (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015