فالخير في الاتباع والشر في مخالفة النصوص وضرب بعضها ببعض.
أما ما ذكر عن الإمام مالك رحمه الله تعالى أنه لم يقل بالحديث فقد ذكر الباجي عن ابن القاسم قال: "قلت لمالك أتأخذ بحديث المصراة قال: نعم ثم قال: وقد روى أن مالكا قال لما سئل عن ذلك: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} "1.
وقال: "قال ابن المواز ولم يأخذ به أشهب وقال جاء ما يضعفه أن الغلة بالضمان"2 فكأن نسبة عدم الأخذ به إلى مالك غير صحيحة لأن المعروف عن مالك رحمه الله العمل به ولعل الذي نسبه إلى مالك ظن أن قول أشهب عن مالك فأخطأ والله تعالى أعلم.
ولعل من حكمة رد الصاع مع المصراة أنه قد يكون من بعض ضعاف النفوس الطمع في لبن المصراة حتى يحلبها ثم يردها بدعوى أنها مصراة فجعل الشارع الحكيم ردعا لمن تسول له نفسه ذلك حتى لا يتلاعب أهل الأهواء بأهل السلع ويفوتون عليهم ألبان المواشي فإذا كان صادقا دفع بدل اللبن صاع تمر ولا يتقدم إلا وهو صادق في دعواه مع أنني لم أجد من قال بهذه العلة. والله تعالى أعلم.
هل حكم التصرية يتعدى إلى غير الإبل والغنم
قال ابن قدامة:جمهور أهل العلم على أنه لا فرق في التصرية بين الشاة والناقة والبقرة وشذ داود فقال: لا يثبت الخيار بتصرية البقرة لأن الحديث: "لا تصروا الإبل والغنم" فدل على إنما عداهما بخلافهما ولأن الحكم ثبت فيهما بالنص والقياس لا تثبت به الأحكام.
ثم قال ولنا عموم قوله: "من اشترى مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام" وفي حديث ابن عمر: "من ابتاع محفلة"3 ولم يفصل ولأنه تصرية بلبن من بهيمة الأنعام أشبه الإبل والغنم والخبر فيه تنبيه على تصرية البقر لأن لبنها أغزر وأكثر نفعا وقولهم أن الأحكام لا تثبت بالقياس ممنوع ثم هو هاهنا ثبت بالتنبيه وهو حجة عند الجميع4 أما حكم غير بهيمة الأنعام من الآدميات وغيرها فقد اختلفوا في ذلك فقال الخطابي: "أنه يدخل في حكم المصراة من الإبل والغنم والبقر والآدميات فلو اشترى رجل جارية ذات لبن لترضع ولده فوجدها مصراة كان هذا حكمها سواء لا فرق بينها وبين غيرها من الحيوانات في هذا المعنى"5