فكأن الخطابي رحمه الله اقتصر على هذا القول ولم يذكر ما قال غيره من علماء الشافعية علما بأن النووي قد ذكر في ذلك ثلاثة أوجه فقال: "لو اشترى أتانا فوجدها مصراة فأوجه الصحيح أنه يردها ولا يرد للبن شيئا لأنه نجس.
والثاني: يردها ويرد بدله، قاله الاصطخري لذهابه إلى أنه طاهر مشروب.
والثالث: لا يردها لحقارة لبنها.
ولو اشترى جارية فوجدها مصراة فأوجه أصحها يردها ولا يرد بدل اللبن لأنه لا يعتاظ عنه غالبا، والثاني يرد ويرد بدله. والثالث لا يرد بل يأخذ الأرش"1.
وعند الحنابلة وجهان: أحدهما: يثبت الخيار اختاره ابن عقيل لعموم قوله: "من اشترى مصراة ومن أشترى محفلة" ولأنه تصرية بما يختلف الثمن به فأثبت الخيار كخيار تصرية بهيمة الأنعام وذلك أن لبن الآدمية يراد للرضاع ويرغب فيها ظئرا ويحسن ثديها ولذلك لو اشترط كثرة لبنها فبان بخلافه ملك الفسخ ولو لم يكن مقصودا لما ثبت باشتراطه وملك الفسخ بعدمه ولأن الأتان والفرس يرادان لولدهما.
الوجه الثاني: لا يثبت به الخيار لأن لبنها لا يعتاض عنه في العادة ولا يقصد قصد لبن بهيمة الأنعام والخبر ورد في بهيمة الأنعام ولا يصح القياس عليه لأن قصد لبن بهيمة الأنعام أكثر واللفظ العام أريد به الخاص، بدليل أنه أحمر في ردها بصاع من تمر ولا يجب في لبن غيرها ولأنه ورد عاما وخاصا في قضية واحدة فيحمل العام على الخاص ويكون المراد بالعام في أحد الحديثين الخاص في الحديث الآخر وعلى الوجه الأول: إذا ردها لم يلزم بدل لبنها ولا يرد معها شيئا لأن هذا اللبن لا يباح عادة ولا يعاوض
عنه2.
هذه الخلافات التي ذكروا فيها ولا شك والله تعالى أعلم أن البقر يلحق بالإبل والغنم لأنه يراد منها ما يراد من الإبل والغنم في اللبن ولذلك قال ابن السبكي: "واتفقوا على إثبات الحكم في البقر إما بالنص وإما بالقياس فإن القياس فيها ظاهر جلي وهي في معنى الإِبل والغنم فلذلك اتفقوا على ثبوت الحكم فيها أما ما عدى ذلك من الحيوانات كالجارية3 والأتان فلا يظهر فيهما أنهما في معنى الأصل المنصوص عليه ... " ثم قال: "والذي تجري أحكام المصراة عليهما فطريقه: إما القياس وإن كان ليس في الجلاء والظهور كالأول- يعني البقر- وإما إدراجها في عموم قول: "من اشترى مصراة" والذي لا تجري عليهما أحكام المصراة