نَشأ ببادية نائية عَن الْبلدَانِ، وَلم يتَعَلَّم من أحد رسما كَانَ لَهُ لَا جرم حاجات من الْجُوع والعطش والغلمة، واشتاق لَا محَالة إِلَى امْرَأَة، وَلَا بُد عِنْد صِحَة مزاجهما أَن يتَوَلَّد بَينهمَا أَوْلَاد، وَيضم أهل أَبْيَات، وينشأ فيهم معاملات، فينتظم الارتفاق الأول عَن آخِره، ثمَّ إِذا كَثُرُوا لَا بُد
أَن يكون فيهم أهل أَخْلَاق فاضلة تقع فيهم وقائع توجب سَائِر الارتفاقات وَالله أعلم.
اعْلَم أَن الرسوم من الارتفاقات هِيَ بِمَنْزِلَة الْقلب من جَسَد الْإِنْسَان، وَإِيَّاهَا قصدت الشَّرَائِع أَولا وبالذات، وعنها الْبَحْث فِي النواميس الإلهية، وإليها الإشارات، وَلها أَسبَاب تنشأ مِنْهَا كاستنباط الْحُكَمَاء، وكالهام الْحق فِي قُلُوب المؤيدين بِالنورِ الملكي، وَأَسْبَاب تَنْتَشِر بهَا فِي النَّاس، مثل كَونهَا سنة ملك كَبِير دَانَتْ لَهُ الرّقاب، أَو كَونهَا تَفْصِيلًا لما يجده النَّاس فِي صُدُورهمْ، فيتلقونها بِشَهَادَة قُلُوبهم، وَأَسْبَاب يعضون عَلَيْهَا بالنواجذ لأ أجلهَا من تجربة مجازاة غيبية على إهمالها، أَو وُقُوع فَسَاد فِي إغفالها، وكإقامة أهل الآراء الراشدة اللائمة على تَركهَا، وَنَحْو ذَلِك، والمستبصر رُبمَا يوفق لتصديق ذَلِك من إحْيَاء سنَن وإماتتها فِي كثير من الْبلدَانِ بنظائر مَا ذكرنَا.
وَالسّنَن السائرة وَإِن كَانَت من حق فِي أصل أمرهَا لكَونهَا حافظة على الارتفاقات الصَّالِحَة، ومفضية بأفراد الْإِنْسَان إِلَى كمالها النظري والعملي، ولولاها لالتحق أَكثر النَّاس بالبهائم، فكم من رجل يُبَاشر النِّكَاح والمعاملات على الْوَجْه الْمَطْلُوب، وَإِذا سُئِلَ عَن سَبَب تقيده بِتِلْكَ الْقُيُود لم يجد جَوَابا إِلَّا مُوَافقَة الْقَوْم، وَغَايَة جهده علم إجمالي لَا يعرب عَنهُ لِسَانه فظلا عَن تمهيد ارتفاقه، فَهَذَا لَو لم يلْتَزم سنة كَاد يلْتَحق بالبهائم، لَكِنَّهَا قد يَنْضَم مَعهَا بَاطِل، فيلبس على النَّاس سنتهمْ، وَذَلِكَ بِأَن يترأس قوم يغلب عَلَيْهِم الآراء الْجُزْئِيَّة دون الْمصَالح الْكُلية، فَيخْرجُونَ إِلَى أَعمال سبعية كَقطع الطَّرِيق أَو غضب أَو شهوية كاللواطة وتأنث الرِّجَال أَو أكساب ضارة
كالربا وتطفيف الْكَيْل وَالْوَزْن أَو عادات فِي الزي والولائم تميل إِلَى الْإِسْرَاف، وتحتاج إِلَى تعمق بليغ فِي الاكساب، أَو