الْإِكْثَار من المسليات بِحَيْثُ يُفْضِي إِلَى إهمال أَمر المعاش والمعاد كالمزامير وَالشطْرَنْج وصيد واقتناء الْحمام وَنَحْوهَا، أَو جبايات منهكة لأبناء السَّبِيل وخراج مستأصل للرعية، أَو التشاحح والتشاحن فِيمَا بَينهم، فيستحسنون أَن يفعلوها مَعَ النَّاس، وَلَا يستحسنون أَن يفعل ذَلِك مَعَهم، فَلَا يُنكر عَلَيْهِم أحد لجاههم وصولتهم فَيَجِيء فجرة الْقَوْم، فيقتدون بهم، وينصرونهم، ويبذلون السَّعْي فِي إِشَاعَة ذَلِك، وَيَجِيء قوم لم يخلق فِي قُلُوبهم ميل قوى إِلَى الْأَعْمَال الصَّالِحَة، وَلَا إِلَى أضدادها، فيحملهم مَا يرَوْنَ من الرؤساء على التَّمَسُّك بذلك، وَرُبمَا أعيت بهم الْمذَاهب الصَّالِحَة، وَيبقى قوم فطرتهم سوية فِي أخريات الْقَوْم لَا يخالطونهم، ويسكتون على غيظ فتنعقد سنة سَيِّئَة وتتأكد.
وَيجب بذل الْجهد على أهل الآراء الْكُلية فِي إِشَاعَة الْحق وتمشيته وإخمال الْبَاطِل، وصده، فَرُبمَا لم يُمكن ذَلِك إِلَّا بمخاصمات أَو مقاتلات، فيعد كل ذَلِك من أفضل أَعمال الْبر، وَإِذا انْعَقَدت سنة راشدة، فسلمها الْقَوْم عصرا بعد عصر، وَعَلَيْهَا كَانَ محياهم ومماتهم، ويبست عَلَيْهَا نُفُوسهم وعلومهم، فظنوها متلازمة لِلْأُصُولِ وجودا وعدما لم تكن إِرَادَة الْخُرُوج عَنْهَا وعصيانها إِلَّا مِمَّن سمجت نَفسه، وطاش عقله، وقويت شَهْوَته، واقتعد غاربه الْهوى، فَإِذا بَاشر الْخُرُوج أضمر فِي قلبه شَهَادَة على فجوره، وسدل حجاب بَينه وَبَين الْمصلحَة الْكُلية، فَإِذا كمل فعله صَار ذَلِك شرحا لمرضه النفساني، وَكَانَ ثلمة فِي دينه، فَإِذا تقرر ذَلِك تقررا بَينا ارْتَفَعت أدعية الْمَلأ الْأَعْلَى وتضرعت مِنْهُم لمن وَافق تِلْكَ السّنة وعَلى من خالفها، وانعقد فِي حَظِيرَة الْقُدس رضَا وَسخط عَمَّن بَاشَرَهَا، أَو عَلَيْهِ، وَإِذا كَانَت السّنَن كَذَلِك عدت من الْفطْرَة الَّتِي فطر الله النَّاس عَلَيْهَا وَالله أعلم.
اعْلَم أَن للْإنْسَان كمالا تَقْتَضِيه الصُّورَة النوعية، وكمالا يَقْتَضِيهِ مَوْضُوع النَّوْع من الْجِنْس الْقَرِيب والبعيد، وسعادته الَّتِي يضرّهُ فقدها، ويقصدها أهل الْعُقُول المستقيمة قصدا مؤكدا هُوَ الأول، وَذَلِكَ أَنه قد يمدح فِي الْعَادة