والتنويه بِشَأْنِهِ فِي الاجتماعات الْعَظِيمَة، وَأَن يوطنوا أنفسهم على زِيّ وهيئة أَمر بهَا الْخَلِيفَة، كالاصطلاح على الدَّنَانِير المنقوشة باسم الْخَلِيفَة فِي زَمَاننَا وَالله أعلم.
اعْلَم أَن الارتفاقات لَا تخلوا عَنْهَا مَدِينَة من الأقاليم المعمورة، وَلَا أمة من الْأُمَم أهل الأمزجة المعتدلة والأخلاق الفاضلة من لدن آدم عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، وأصولها مسلمة عِنْد الْكل قرنا بعد قرن وطبقة بعد طبقَة لم يزَالُوا يُنكرُونَ على من عصاها أَشد نَكِير، ويرونها أُمُور بديهية من شدَّة شهرتها، وَلَا يصدنك عَمَّا ذكرنَا اخْتلَافهمْ فِي صور الارتفاقات وفروعها، فاتفقوا مثلا على إِزَالَة نَتن الْمَوْتَى وَستر سوآتهم، ثمَّ اخْتلفُوا فِي الصُّور، فَاخْتَارَ بَعضهم الدّفن فِي الأَرْض، وَبَعْضهمْ الحرق بالنَّار،
وَاتَّفَقُوا على تشهير أَمر النِّكَاح وتمييزه عَن السفاح على رُءُوس الأشهاد، ثمَّ اخْتلفُوا فِي الصُّور، فَاخْتَارَ بَعضهم الشُّهُود والإيجاب وَالْقَبُول والوليمة، وَبَعْضهمْ الدُّف والغناء وَلبس ثِيَاب فاخرة لَا تلبس إِلَّا فِي الولائم الْكَبِيرَة، وَاتَّفَقُوا على زجر الزِّنَا والسراق ثمَّ اخْتلفُوا، فَاخْتَارَ بَعضهم الرَّجْم وَقطع الْيَد، وَبَعْضهمْ الضَّرْب والأليم وَالْحَبْس الوجيع والغرامات المنهكة، وَلَا يصدنك أَيْضا مُخَالفَة طائفتين، أَحدهمَا البلة الملتحقون بالبهائم مِمَّن لَا يشك الْجُمْهُور أَن أمزجتهم نَاقِصَة وعقولهم مخدجة، وصاروا يستدلون على بلاهتهم بِمَا يرَوْنَ من عدم تقييدهم أنفسهم بِتِلْكَ الْقُيُود، وَالثَّانيَِة الْفجار الَّذين لَو نقح مَا فِي قُلُوبهم ظهر أَنهم يَعْتَقِدُونَ الارتفاقات لَكِن تغلب عَلَيْهِم الشَّهَوَات، فيعصونها شَاهِدين على أنفسهم بِالْفُجُورِ، ويزنون ببنات النَّاس وأخواتهم، وَلَو زني ببناتهم وأخواتهم كَادُوا يتميزون من الغيظ، ويعلمون قطعا أَن النَّاس يصيبهم مَا أصَاب أولاء، وَإِن إِصَابَة هَذِه الْأُمُور مخلة بانتظام الْمَدِينَة لَكِن يعميهم الْهوى، وَكَذَلِكَ الْكَلَام فِي السّرقَة وَالْغَصْب وَغَيرهمَا، وَلَا يَنْبَغِي أَن يظنّ أَنهم اتَّفقُوا على ذَلِك من غير شَيْء بِمَنْزِلَة الِاتِّفَاق على أَن يتغذى بِطَعَام وَاحِد أهل الْمَشَارِق والمغارب كلهم وَهل سفسطه أَشد من ذَلِك؟ بل الْفطْرَة السليمة حاكمة بِأَن النَّاس لم يتفقوا عَلَيْهَا مَعَ اخْتِلَاف أمزجتهم وتباعد بلدانهم وتشتت مذاهبهم وأديانهم إِلَّا لمناسبة فطرية متشعبة من الصُّورَة النوعية، وَمن حاجات كَثِيرَة الْوُقُوع يتوارد عَلَيْهَا أَفْرَاد النَّوْع، وَمن أَخْلَاق توجبها الصِّحَّة النوعية فِي أمزجة الْأَفْرَاد، وَلَو أَن إنْسَانا