وَكَانَ دَائِم النّظر إِلَى الملكوت مستهترا بِذكر الله يحس ذَلِك من فلتات لِسَانه وَجَمِيع حالاته مؤيدا من الْغَيْب مُبَارَكًا يُسْتَجَاب دعاؤه وتفتح عَلَيْهِ الْعُلُوم من حَظِيرَة الْقُدس وَيظْهر مِنْهُ المعجزات من وُجُوه استجابة الدَّعْوَات وانكشاف خبر الْمُسْتَقْبل وَظُهُور الْبركَة فِيمَا يبرك عَلَيْهِ.
وَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاء صلوَات الله عَلَيْهِم يجبلون على هَذِه الصِّفَات ويندفعون إِلَيْهَا فطْرَة فطرهم الله عَلَيْهَا.
ذكره إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فِي دُعَائِهِ وَبشر بفخامة أمره، وَبشر بِهِ مُوسَى وَعِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَام وَسَائِر الْأَنْبِيَاء صلوَات الله عَلَيْهِم.
وَرَأَتْ أمه كَأَن نورا خرج مِنْهَا فأضاء الأَرْض فعبرت بِوُجُود ولد مبارك يظْهر دينه شرقا وغربا وهتفت الْجِنّ وأخبرت الْكُهَّان والمنجمون بِوُجُودِهِ وعلو أمره ودلت الْوَاقِعَات الجوية كانكسار شرفات كسْرَى على شرفه وأحاطت بِهِ دَلَائِل النُّبُوَّة كَمَا أخبر هِرقل قَيْصر الرّوم وَرَأَوا آثَار الْبركَة عِنْد مولده وإرضاعه وَظَهَرت الْمَلَائِكَة فشقت عَن قلبه فملأنه إِيمَانًا وَحِكْمَة، وَذَلِكَ بَين عَالم الْمِثَال وَالشَّهَادَة فَلذَلِك لم يكن الشق عَن الْقلب إهلاكا وَقد بَقِي مِنْهُ أثر الْمخيط وَكَذَلِكَ كل مَا اخْتَلَط فِيهِ عَالم الْمِثَال وَالشَّهَادَة.
وَلما خرج بِهِ أَبُو طَالب إِلَى الشَّام فَرَآهُ الراهب شهد بنبوته لآيَات رَآهَا فِيهِ، وَلما شب ظَهرت مُنَاسبَة الْمَلَائِكَة بالهتف بِهِ والتمثل لَهُ.
وسد الله خلته برغبة خَدِيجَة رَضِي الله عَنْهَا فِيهِ ومواساتها بِهِ وَكَانَت من مياسير نسَاء قُرَيْش، وَكَذَلِكَ من أحبه الله يدبر لَهُ فِي عباده.
وَلما بنى الْكَعْبَة فِيمَن بنى ألْقى إزَاره على عَاتِقه كعادة الْعَرَب فَانْكَشَفَتْ عَوْرَته فأسقط مغشيا عَلَيْهِ، وَنهى عَن كشف عَوْرَته فِي غَشيته وَذَلِكَ شُعْبَة من النُّبُوَّة وَنَوع من الْمُؤَاخَذَة فِي النَّفس.
ثمَّ حبب إِلَيْهِ الْخَلَاء فَكَانَ يَخْلُو بحراء اللَّيَالِي ذَوَات الْعدَد، ثمَّ يَأْتِي أَهله ويتزود لمثلهَا لعزوفه عَن الدُّنْيَا وتجرده إِلَى الْفطْرَة الَّتِي فطره الله عَلَيْهَا.
وَكَانَ أول مَا بُدِئَ بِهِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَة فَكَانَ لَا يرى رُؤْيا إِلَّا جَاءَت مثل فلق الصُّبْح وَهَذِه شُعْبَة من شعب النُّبُوَّة.