عَظِيمَة وخصومات مستطيرة، وَإِذا جرى الرَّسْم باستنماء المَال بِهَذَا الْوَجْه أفْضى إِلَى ترك الزراعات والصناعات الَّتِي هِيَ أصُول المكاسب، وَلَا شَيْء فِي الْعُقُود أَشد تدقيقا واعتناء بِالْقَلِيلِ وخصومة من الرِّبَا، وَهَذَانِ الكسبان بِمَنْزِلَة السكر مناقضان لأصل مَا شرع الله لِعِبَادِهِ من المكاسب، وَفِيهِمَا قبح ومناقشة، وَالْأَمر فِي مثل ذَلِك إِلَى الشَّارِع، إِمَّا أَن يضْرب لَهُ حدا يرخص فِيمَا دونه ويغلظ النَّهْي عَمَّا فَوْقه أَو يصد عَنهُ رَأْسا.
وَكَانَ الميسر والربا شائعين فِي الْعَرَب، وَكَانَ قد حدث بسببهما مناقشات
عَظِيمَة لَا انْتِهَاء لَهَا ومحاربات، وَكَانَ قليلهما يدعوا إِلَى كثيرهما، فَلم يكن أصوب وَلَا أَحَق من أَن يُرَاعى حكم الْقبْح وَالْفساد موفرا، فينهى عَنْهُمَا بِالْكُلِّيَّةِ.
وَاعْلَم أَن الرِّبَا على الْوَجْهَيْنِ: حَقِيقِيّ. ومحمول عَلَيْهِ.
أما الْحَقِيقِيّ فَهُوَ فِي الدُّيُون، وَقد ذكرنَا أَن فِيهِ قلبا لموضوع الْمُعَامَلَات، وَأَن النَّاس كَانُوا منهمكين فِيهِ فِي الْجَاهِلِيَّة اشد انهماك، وَكَانَ حدث لأَجله محاربات مستطيرة، وَكَانَ قَلِيله يدعوا إِلَى كَثِيره، فَوَجَبَ أَن يسد بَابه بِالْكُلِّيَّةِ، وَلذَلِك نزل فِي الْقُرْآن فِي شَأْنه مَا نزل.
وَالثَّانِي رَبًّا الْفضل، وَالْأَصْل فِيهِ الحَدِيث المستفيض " الذَّهَب بِالذَّهَب. وَالْفِضَّة بِالْفِضَّةِ. وَالْبر بِالْبرِّ. وَالشعِير بِالشَّعِيرِ. وَالتَّمْر بالنمر. وَالْملح بالملح، مثلا بِمثل، وَسَوَاء بِسَوَاء يدا بيد، فَإِذا اخْتلفت هَذِه الْأَصْنَاف، فبيعوا كَيفَ شِئْتُم إِذا كَانَ يدا بيد " وَهُوَ مُسَمّى بربا تَغْلِيظًا وتشبيها لَهُ بالربا الْحَقِيقِيّ على حد قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام:
" المنجم كَاهِن " وَبِه يفهم معنى قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" لَا رَبًّا إِلَّا فِي النَّسِيئَة " ثمَّ كثر فِي الشَّرْع اسْتِعْمَال الرِّبَا فِي هَذَا الْمَعْنى حَتَّى صَار حَقِيقَة شَرْعِيَّة فِيهِ أَيْضا وَالله أعلم.
وسر التَّحْرِيم أَن الله تَعَالَى يكره الرَّفَاهِيَة الْبَالِغَة كالحرير والارتفاقات المحوجة إِلَى الإمعان فِي طلب الدُّنْيَا كآنية الذَّهَب الْفضة، وحلي غير مقطع من الذَّهَب وكالسوار والخلخال والطوق والتدقيق فِي الْمَعيشَة والتعمق فِيهَا لِأَن ذَلِك مُرَاد لَهُم فِي أَسْفَل السافلين صَارف لأفكارهم إِلَى ألوان مظْلمَة،
وَحَقِيقَة الرَّفَاهِيَة طلب الْجيد من كل ارتفاق، والاعراض عَن رديئه، والرفاهية الْبَالِغَة اعْتِبَار الْجَوْدَة والرداءة فِي الْجِنْس الْوَاحِد.