والمطاعم وغيد النِّسَاء وَنَحْو ذَلِك زِيَادَة على مَا تعطيه الارتفاقات الضرورية الَّتِي لَا بُد للنَّاس مِنْهَا، وَاجْتمعَ عَلَيْهَا عرب النَّاس وعجمهم، فيكتسب النَّاس بِالتَّصَرُّفِ فِي الْأُمُور الطبيعية، لتتأتى مِنْهَا شهواتهم، فينتصب قوم إِلَى تَعْلِيم الْجَوَارِي للغناء والرقص والحركات المتناسبة اللذيذة، وَآخَرُونَ إِلَى الألوان المضطربة فِي الثِّيَاب وتصوير صور الْحَيَوَانَات وَالْأَشْجَار العجيبة والتخاطيط الغريبة فِيهَا وَآخَرُونَ إِلَى الصناعات البديعة فِي الذَّهَب والجواهر الرفيعة، وَآخَرُونَ إِلَى الْأَبْنِيَة الشامخة وتخطيطها وتصويرها فَإِذا أقبل جم غفير مِنْهُم إِلَى هَذِه الأكساب أهملوا مثلهَا من فِي الزراعات والتجارات، وَإِذا انفق عُظَمَاء الْمَدِينَة فِيهَا الْأَمْوَال أهملوا مثلهَا من مصَالح الْمَدِينَة، وجر ذَلِك إِلَى على التَّضْيِيق على القائمين بالاكساب الضرورية والزراع والتجار والصناع وتضاعف الضرائب عَلَيْهِم، وَذَلِكَ ضَرَر بِهَذِهِ الْمَدِينَة يتَعَدَّى من عضوا مِنْهَا إِلَى عُضْو حَتَّى يعم الْكل، ويتجارى فِيهَا كَمَا يتجارى الْكَلْب فِي بدن المكلوب، وَهَذَا شرح تضررهم فِي الدُّنْيَا، وَأما تضررهم بِحَسب الْخُرُوج إِلَى الْكَمَال الأخروى. ففنى عَن الْبَيَان، وَكَانَ هَذَا الْمَرَض قد استولى على مدن الْعَجم، فنفث الله فِي قلب نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن يداوي هَذَا الْمَرَض بِقطع مادته، فَنظر رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مظان غالبية لهَذِهِ الْأَشْيَاء كالقينات وَالْحَرِير والقسي وَبيع الذَّهَب بِالذَّهَب مُتَفَاضلا لأجل الصياغات أَو طَبَقَات أصنافه وَنَحْو ذَلِك، فَنهى عَنْهَا
اعْلَم أَن الميسر سحت بَاطِل؛ لِأَنَّهُ اختطاف لأموال النَّاس عَنْهُم. مُعْتَمد على اتِّبَاع جهل وحرص وأمنية بَاطِلَة وركوب غرر تبعثه هَذِه على الشَّرْط، وَلَيْسَ لَهُ دخل فِي التمدن والتعاون، فان سكت المغبون سكت على غيظ وخيبة، وَإِن خَاصم خَاصم فِيمَا الْتَزمهُ بِنَفسِهِ، واقتحم فِيهِ بِقَصْدِهِ، والغابن يستلذه، ويدعوه قَلِيله إِلَى كَثِيره، وَلَا يَدعه حرصه أَن يقْلع عَنهُ، وَعَما قَلِيل تكون الترة عَلَيْهِ، وَفِي الاعتياد بذلك إِفْسَاد للأموال ومناقشات طَوِيلَة وإهمال للارتفاقات الْمَطْلُوبَة وإعراض عَن التعاون الْمَبْنِيّ عَلَيْهِ التمدن، والمعاينة تغنيك عَن الْخَبَر، هَل رَأَيْت من أهل الْقمَار إِلَّا مَا ذَكرْنَاهُ.
وَكَذَلِكَ الرِّبَا، وَهُوَ الْقَرْض على أَن يُؤَدِّي إِلَيْهِ أَكثر أَو أفضل مِمَّا أَخذ سحت بَاطِل فَإِن عَامَّة المقترضين بِهَذَا النَّوْع هم المفاليس المضطرون، وَكَثِيرًا مَا لَا يَجدونَ الْوَفَاء عِنْد الْأَجَل، فَيصير أضعافا مضاعفة لَا يُمكن التَّخَلُّص مِنْهُ أبدا، وَهُوَ مَظَنَّة لمناقشات