فَهَذَا مَا سنّ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تمرين النَّفس بالاتعاظ.
وروح الذّكر الْحُضُور والاستغراق فِي الِالْتِفَات إِلَى الجبروت، وتمرينه أَن يَقُول: لَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر، ثمَّ يسمع من الله أَنه قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا أَنا وَأَنا أكبر، ثمَّ بقول: لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، ثمَّ يسمع من الله لَا إِلَه إِلَّا أَنا وحدى لَا شريك لي، وَهَكَذَا حَتَّى يرْتَفع الْحجاب، ويتحقق الِاسْتِغْرَاق، وَقد أَشَارَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى ذَلِك.
وروح الدُّعَاء أَن يرى كل حول وَقُوَّة من الله، وَيصير كالميت فِي يَد الغسال، وكالتمثال فِي يَد محرك التماثيل، ويجد لَذَّة الْمُنَاجَاة.
وَقد سنّ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن يَدْعُو بعد صَلَاة التَّهَجُّد فِي أثْنَاء أشفاعه دُعَاء طَويلا يقنع فِيهَا يَدَيْهِ يَقُول: يَا رب يَا رب، يسْأَل الله خير الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، ويتعوذ بِهِ من البلايا، ويتضرع، ويلح، وَيشْتَرط فِي ذَلِك أَن يكون بقلب فارغ غير لاه، وَلَا يكون حاقنا وَلَا حاقبا وَلَا جائعا وَلَا غَضْبَان.
فَإِذا عرف الْإِنْسَان حَالَة المحاضرة ثمَّ فقدها فليفحص عَن سَبَب الْفَقْد، فَإِن كَانَ غزارة الطبيعة فَعَلَيهِ بِالصَّوْمِ فَإِن لَهُ وَجَاء وَأكْثر مَا يكون فِي الصَّوْم أَن يَصُوم شَهْرَيْن مُتَتَابعين، وَإِن احْتَاجَ إِلَى استفراغ الْمَنِيّ والتفرغ من إصْلَاح الْمطعم وَالْمشْرَب، أَو كَانَ ذهب نشاطه، وَأَرَادَ إِعَادَته يملك فرجا يدْفع بِهِ سوء منيه من غير انهماك فِي المفاكهة والاختلاط، وليجعله كالدواء يحصل نَفعه، ويتحرز من فَسَاده.
وَإِن كَانَ الِاشْتِغَال بالارتفاقات وصحبة النَّاس فليعالج بِضَم الْعِبَادَات مَعهَا.
وَإِن كَانَ امتلاء أوعية الْفِكر بخيالات مشوشة وأفكار جربزة فليعتزل النَّاس، ويلتزم الْبَيْت أَو الْمَسْجِد، وليمنع لِسَانه إِلَّا من ذكر الله وَقَلبه إِلَّا من الْفِكر فِيمَا يهمه، ويتعاهد نَفسه عِنْدَمَا يَسْتَيْقِظ، ليَكُون أول مَا يدْخل فِي قلبه ذكر الله وعندما يُرِيد أَن ينَام، ليتخلى قلبه عَن تِلْكَ الأشغال.
وَالثَّالِث سماحة النَّفس وَهِي أَلا تنقاد الملكية لدواعي البهيمية: من طلب اللَّذَّة وَحب الانتقام وَالْغَضَب وَالْبخل والحرص على المَال والجاه، فَإِن هَذِه الْأُمُور إِذا