ليل.
وأصول الْأَخْلَاق المبحوث عَنْهَا فِي هَذَا الْفَنّ أَرْبَعَة: - كَمَا نبهنا على ذَلِك فِيمَا سبق - الطَّهَارَة الكاسبة للتشبه بالملكوت، والإخبات الجالب للتطلع إِلَى الجبروت، وَشرع للْأولِ الْوضُوء وَالْغسْل، وَللثَّانِي الصَّلَاة والأذكار والتلاوة، وَإِذا اجتمعتا سميناه سكينَة ووسيلة، وَهُوَ قَول حُذَيْفَة فِي عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنْهُمَا: لقد علم المحفوظون من أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنه أقربهم إِلَى الله وَسِيلَة، وَقد سَمَّاهَا الشَّارِع إِيمَانًا فِي قَوْله " الطّهُور شطر الْإِيمَان " وَقد بَين النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَال الأول حَيْثُ قَالَ " إِن الله نظيف يحب النَّظَافَة " وَأَشَارَ إِلَى الثَّانِي حَيْثُ قَالَ " الاحسان أَن تعبد الله كَأَنَّك ترَاهُ فَإِن لم تكن ترَاهُ فَإِنَّهُ يراك " والعمدة فِي تَحْصِيلهَا التَّلَبُّس بالنواميس المأثورة عَن الْأَنْبِيَاء، مَعَ مُلَاحظَة وأرواحها أنوارها والإكثار مِنْهَا، مَعَ رِعَايَة هيئاتها وأذكارها.
فَروح الطَّهَارَة هِيَ نور الْبَاطِن وَحَالَة الْأنس والانشراح وخمود الأفكار الجربزة وركود التشويشات والقلق وتشتت الْفِكر والضجر والجزع.
وروح الصَّلَاة هِيَ الْحُضُور مَعَ الله والاستشراف للجبروت وتذكر جلال الله مَعَ تَعْظِيم ممزوج بمحبة وطمأنينة، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَة فِي قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " الاحسان أَن تعبد الله كَأَنَّك ترَاهُ فَإِن لم تكن ترَاهُ فَإِنَّهُ يراك ".
وَأَشَارَ إِلَى كَيْفيَّة تمرين النَّفس عَلَيْهَا بقوله " قَالَ الله تَعَالَى: قسمت
الصَّلَاة بيني وَبَين عَبدِي نِصْفَيْنِ ولعبدي مَا سَأَلَ، فَإِذا قَالَ العَبْد: (الْحَمد لله رب الْعَالمين) ، قَالَ الله: حمدني عَبدِي، وَإِذا قَالَ: (الرَّحْمَن الرَّحِيم) قَالَ الله أثنى عَليّ عَبدِي، وَإِذا قَالَ: (مَالك يَوْم الدّين) قَالَ: مجدني عَبدِي، وَإِذا قَالَ: (إياك نعْبد وَإِيَّاك نستعين) ، قَالَ هَذَا بيني وَبَين عَبدِي ولعبدي مَا سَأَلَ، وَإِذا قَالَ: (أهدنا الصِّرَاط الْمُسْتَقيم صِرَاط الَّذين أَنْعَمت عَلَيْهِم غير المغضوب عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين) ، قَالَ هَذَا لعبدي ولعبدي مَا سَأَلَ ".
فَذَلِك إِشَارَة إِلَى الْأَمر بملاحظة الْجَواب فِي كل كلمة. فَإِنَّهُ يُنَبه للحضور تَنْبِيها بليغا، وبأدعية سنّهَا النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاة وَهِي مَذْكُورَة فِي حَدِيث على رَضِي الله عَنهُ وَغَيره.
وروح تِلَاوَة قِرَاءَة الْقُرْآن أَن يتَوَجَّه إِلَى الله بشوق وتعظيم، ويتدبر فِي مواعظه، ويستشعر الانقياد فِي أَحْكَامه، وَيعْتَبر بأمثاله وقصصه، وَلَا يمر بِآيَة صِفَات الله وآياته إِلَّا قَالَ: سُبْحَانَ الله، وَلَا بِآيَة الْجنَّة وَالرَّحْمَة إِلَّا سَأَلَ الله من فَضله، وَلَا بِآيَة النَّار وَالْغَضَب إِلَّا تعوذ بِاللَّه.