بَاشر الْإِنْسَان أَعمالهَا الْمُنَاسبَة لَهَا تتشبح ألوانها فِي جَوْهَر النَّفس سَاعَة مَا، فَإِن كَانَت النَّفس سمحه يسهل عَلَيْهَا رفض الهيآت الخسيسة، فَصَارَت كَأَنَّهُ لم يُمكن فِيهَا شَيْء من ذَلِك الْبَاب قطّ، وخلصت إِلَى رَحْمَة الله، واستغرقت فِي لجه الْأَنْوَار الَّتِي تقتضيها جبلة النُّفُوس لَوْلَا الْمَوَانِع، وَإِن لم تكن سَمْحَة تشبح ألوانها فِي النَّفس كَمَا يتشيح نقوش الْخَاتم فِي الشمعة ولصق بهَا وحز الْحَيَاة الدُّنْيَا، وَلم يسهل عَلَيْهَا رفضها فَإِذا فَارَقت جَسدهَا أحاطت بهَا الخطيئات من بَين يَديهَا وَمن خلفهَا وَعَن يَمِينهَا وَعَن شمالها، وسدل بَينهَا وَبَين الْأَنْوَار الَّتِي تقتضيها جبلة النُّفُوس حجب كَثِيرَة غَلِيظَة، فَكَانَ ذَلِك سَبَب تأذيها وتألمها.
والسماحة إِذا اعْتبرت بداعية الشهوتين: شَهْوَة الْبَطن. وشهوة الْفرج سميت عفة، أوبداعية الدعة والرفاهية سميت اجْتِهَادًا، أَو بداعية الضجر والجزع سميت صبرا، أَو بداعية حب الانتقام سميت عفوا، أَو بداعية حب المَال سميت سخاوة وقناعة، أَو بداعية مُخَالفَة الشَّرْع سميت تقوى، ويجمعها كلهَا شَيْء وَاحِد، وَهُوَ أَن أَصْلهَا عدم انقياد النَّفس للهواجس البهيمية، والصوفية يسمونها بِقطع التعلقات الدُّنْيَوِيَّة أَو بالفناء عَن الخسائس البشرية، أَو بالحربة، فيعبرون عَن تِلْكَ الْخصْلَة بأسماء مُخْتَلفَة، والعمدة فِي تَحْصِيلهَا قلَّة الْوُقُوع فِي مظان هَذِه الْأَشْيَاء، وإيثار الْقلب ذكر الله تَعَالَى وميل النَّفس إِلَى عَالم التجرد، وَهُوَ قَول زيد بن حَارِثَة اسْتَوَى عِنْدِي حجرها ومدرها إِلَى أَن أخبر عَن المكاشفة.
وَالرَّابِع الْعَدَالَة، وَهِي ملكة يصدر مِنْهَا إِقَامَة النظام الْعَادِل المصلح
فِي تَدْبِير الْمنزل وسياسة الْمَدِينَة وَنَحْو ذَلِك بسهولة، وَأَصلهَا جبلة نفسانية تنبعث مِنْهَا الأفكار الْكُلية والسياسيات الْمُنَاسبَة بِمَا عِنْد الله وَعند مَلَائكَته، وَذَلِكَ أَن الله تَعَالَى أَرَادَ فِي الْعَالم انْتِظَار أَمرهم، وَأَن يعاون بَعضهم بَعْضًا، وَألا يظلم بَعضهم بَعْضًا، وَأَن يتألف بَعضهم بِبَعْض، ويصيروا كجسد رجل وَاحِد، وَإِذا تألم عُضْو مِنْهُ تداعى لَهُ سَائِر الْأَعْضَاء بالحمى والسهر، وَأَن يكثر نسلهم، وَأَن يزْجر فاسقهم، وينوه بعادلهم، ويخمل فيهم الرسوم الْفَاسِدَة، وَيشْهد فيهم الْخَيْر والنواميس الحقة، فَللَّه سُبْحَانَهُ فِي خلقه قَضَاء إجمالي كل ذَلِك شرح لَهُ وتفصيل، وَمَلَائِكَته المقربون تلقوا ذَلِك، وصاروا يدعونَ لمن سعى فِي إصْلَاح النَّاس، ويلعنون على من سعى فِي فسادهم، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: