الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} [الممتحنة: 1] .
وكان هذا هو عامل الانهيار الأول: الانهيار داخل النفس.
وأعقبه انهيار آخر، انهيار داخل الصف.
بما أصاب المسلمين في الأندلس من خلاف وشقاق، كان سببه الاقتتال على الجاه والمنصب، وبدأ أوّل ما بدأ في صفوف الأمراء والحاكمين، وامتدَّ عصبية مقيتة كريهة بين صفوف الفاتحين من قحطانيين وعدنانيين, ومن عرب وبربر، تفجَّرت القوميات والعصبيات كريهة, تقسم الصف وتفتته, وتطمع عدو الله وعدوه.
وعرفت الأندلس الثورات، وعرفت الحروب الداخلية, ومن أسف أن يستعان فيها بالنصارى ضد المسلمين، فيضعف الأخيرون ويتقوَّى الأولون, يقفون متربصين انهيار الدولة الإسلامية هناك وراء الجبال في الشمال.
ويأتي العامل الثالث والأخير ليجهز على ما بقي:
تأتي حشود النصارى القابعة وراء جبال الشمال؛ لتجهز على ما بقي من قوة المسلمين, فقد فات المسلمون أن يطهروا هذه الجبال مِمَّنْ قبع وراءها من فلول الأسبان, فتقدموا غداة ضعف الدولة وانهيارها؛ ليتلَّمسوا طليطلة من ملكها التافه العاجز المسمَّى خطأ بالقادر "سنة 1086"؛ لتكون هذه أول حملة صليبية يعقبها بثلاثة عشر عامًا نزول الصليبيين في بيت المقدس سنة 1099هـ.
وهكذا المسلمون جسد واحد؛ إذا أصيب في جانب صار عرضة لِأَنْ يُصَابَ في بقية الجوانب، أو هم كالبناء الواحد إذا تداعى في ناحية أمْكَنَ أن يسقط في أخرى.