ثانيًا: الفردوس المفقود:

كيف ضاعت الأندلس؟

حديث الضياع حديث أليم, خاصَّة إذا كان عن الأندلس فردوس المسلمين وباب الإسلام إلى أوربا والغرب كله، ثُمَّ منارة حضارية إلى العالمين.

لكن تشخيص الداء لازم لسلامة الدواء وسلامة الاستشفاء, ومن ثَمَّ كان لا بُدَّ من هذا الحديث.

والأندلس ضاعت يوم ضاع الإسلام في قلوب أبنائها؛ ففسد الأمراء, وسكت العلماء, وفسد من بعد هؤلاء وأولئك بقية الناس.

- ودَبَّ الترف وسرى في عروق الحاكمين, وامتدَّ من الحاكمين إلى مَنْ يلهم من الطبقات, ومع الترف يكون الفسق ويكون الفجور، وعرفت الأندلس القيان، والغناء, وارتخت أعصاب المترفين، وترهَّلت أجسادهم, ونعمت أطرافهم، فلم تعد صالحةً للجهاد، ومن ثَمَّ توقَّف الجهاد.

وتنافس الحاكمون في اقتناء الإماء، وفي الشتبيب بالنساء، وفي تشييد القصور, وعرفت قرطبة: الزهراء، والكامل، والمجرَّد, والحائر، والروض، والمعشوق، والمبارك، والرستق، والتاج، وقصر السرور، وانهمك "الناصر" في عمارة الزهراء, حتى ترك الجمعات؛ فوقف الإمام منذر بن سعيد ينذر بالهلاك ويقول:

{أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ، وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ، وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ، وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ، أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ، وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الشعراء 128-135] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015