(وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ) وَالِدُ الْمُصَنِّفِ (هُوَ) أَيْ الْمُجْتَهِدُ (مَنْ هَذِهِ الْعُلُومُ مَلَكَةٌ لَهُ، وَأَحَاطَ بِمُعْظَمِ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ وَمَارَسَهَا بِحَيْثُ اكْتَسَبَ قُوَّةً يَفْهَمُ بِهَا مَقْصُودَ الشَّارِعِ) فَلَمْ يَكْتَفِ بِالتَّوَسُّطِ فِي تِلْكَ الْعُلُومِ وَضَمَّ إلَيْهَا مَا ذُكِرَ (وَيُعْتَبَرُ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ) وَالِدُ الْمُصَنِّفِ (لَا يَقَعُ الِاجْتِهَادُ لَا لِكَوْنِهِ صِفَةً فِيهِ بَلْ كَوْنُهُ خَبِيرًا بِمَوَاقِعِ الْإِجْمَاعِ كَيْ لَا يَخْرِقَهُ) فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ خَبِيرًا بِمَوَاقِعِهِ قَدْ يَخْرِقُهُ حَرَامٌ كَمَا تَقَدَّمَ لَا اعْتِبَارَ بِهِ (وَالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ) لِيُقَدِّمَ الْأَوَّلَ عَلَى الثَّانِي فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ خَبِيرًا بِهِمَا قَدْ يَعْكِسُ (وَأَسْبَابِ النُّزُولِ) فَإِنَّ الْخِبْرَةَ بِهَا تُرْشِدُ إلَى فَهْمِ الْمُرَادِ.
(وَشَرْطِ الْمُتَوَاتِرِ وَالْآحَادِ) الْمُحَقِّقِ لَهُمَا الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ الثَّانِي لِيُقَدِّمَ الْأَوَّلَ عَلَى الثَّانِي، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ خَبِيرًا بِهِ قَدْ يَعْكِسُ (وَالصَّحِيحِ وَالضَّعِيفِ) مِنْ الْحَدِيثِ لِيُقَدِّمَ الْأَوَّلَ عَلَى الثَّانِي، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ خَبِيرًا بِهِمَا قَدْ يَعْكِسُ (وَحَالِ الرُّوَاةِ) فِي الْقَبُولِ وَالرَّدِّ لِيُقَدِّمَ الْمَقْبُولَ عَلَى الْمَرْدُودِ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ خَبِيرًا بِذَلِكَ قَدْ يَعْكِسُ وَفِي نُسْخَةٍ وَسِيَرِ الصَّحَابَةِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ بِعَدَالَتِهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَيَكْفِي) فِي الْخِبْرَةِ بِحَالِ الرُّوَاةِ (فِي زَمَانِنَا الرُّجُوعُ إلَى أَئِمَّةِ ذَلِكَ) مِنْ الْمُحَدِّثِينَ كَالْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِمْ فَيُعْتَمَدُ عَلَيْهِمْ فِي التَّعْدِيلِ وَالتَّجْرِيحِ لِتَعَذُّرِهِمَا فِي زَمَانِنَا إلَّا بِوَاسِطَةٍ، وَهُمْ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِمْ فَالْخِبْرَةُ بِهَذِهِ الْأُمُورِ اعْتَبَرُوهَا فِي الْمُجْتَهِدِ لِمَا تَقَدَّمَ، وَبَيَّنَ وَالِدُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهَا شَرْطٌ فِي الِاجْتِهَادِ لَا صِفَةٌ فِيهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ.
(وَلَا يُشْتَرَطُ) فِي الْمُجْتَهِدِ (عِلْمُ الْكَلَامِ) لِإِمْكَانِ الِاسْتِنْبَاطِ لِمَنْ يَجْزِمُ بِعَقِيدَةِ الْإِسْلَامِ تَقْلِيدًا (وَ) لَا (تَفَارِيعُ الْفِقْهِ) ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُمْكِنُ بَعْدَ الِاجْتِهَادِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا إذَا رَاجَعَهُ فَلَمْ يَجِدْ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْوَاقِعَةِ ظَنَّ أَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهَا، وَمَثَّلَ الرَّافِعِيُّ ذَلِكَ الْأَصْلَ بِسُنَنِ أَبِي دَاوُد. (قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مُقَابِلٌ لِمَا قَبْلَهُ مَعَ أَنَّ مَا قَبْلَهُ شَرْطٌ لِتَحَقُّقِ الْمُجْتَهِدِ الْمُفَسِّرِ بِظَانِّ الْحُكْمِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَخْصُوصِ، وَهَذَا تَفْسِيرٌ لِحَقِيقَةِ الْمُجْتَهِدِ بِمَعْنَى الْمُتَهَيِّئِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنَّهُ يَتَحَقَّقُ بِكَوْنِهَا مَلَكَةً لَهُ. (قَوْلُهُ: لِإِيقَاعِ الِاجْتِهَادِ) أَيْ بِالْفِعْلِ (قَوْلُهُ: لَا لِكَوْنِهِ صِفَةً فِيهِ) أَيْ لَا لِكَوْنِ الِاجْتِهَادِ صِفَةً لَهُ بِتَهْيِئَةٍ لَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مُتَهَيِّئًا مَعَ عَدَمِ خِبْرَتِهِ بِمَا ذُكِرَ (قَوْلُهُ: بِمَوَاقِعِ الْإِجْمَاعِ) أَيْ الْحَقِيقِيِّ، وَهُوَ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ مُجْتَهِدُو عَصْرٍ وَاحِدٍ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِمَوَاقِعِ الْإِجْمَاعِ الْمَذَاهِبَ الْأَرْبَعَةَ فَإِنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا بَعْدَ انْقِرَاضِ أَصْحَابِ مُجْتَهِدِيهَا فَطَرِيقُ النَّقْلِ قَدْ انْقَطَعَ وَلَمْ يُجْمِعْ عَلَى هَذِهِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ جَمِيعُ مُجْتَهِدِي الْأُمَّةِ.
(قَوْلُهُ: لَا اعْتِبَارَ بِهِ) إشَارَةً إلَى أَنَّ الْخَرْقَ مَعَ كَوْنِهِ حَرَامًا لَا اعْتِدَادَ بِهِ فِي الِاسْتِنْبَاطِ (قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحِ) الْمُرَادُ بِهِ مَا يَعُمُّ الْحَسَنَ فَيُقَدَّمُ عَلَى الضَّعِيفِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَعْلَمُ مَرَاتِبَ الصَّحِيحِ وَمَرَاتِبَ الْحَسَنِ أَيْ يَعْلَمُ مَاصَدَقَاتِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَالْحَسَنَةِ وَالضَّعِيفَةِ لَا أَنْ يَعْرِفَ مَفَاهِيمَهَا فَإِنَّ ذَلِكَ اصْطِلَاحٌ حَادِثٌ كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ فِي أُصُولِ عِلْمِ الْحَدِيثِ. (فَائِدَةٌ)
قَالَ فِي التَّمْهِيدِ إذَا ظَفِرَ بِحَدِيثٍ يَتَعَلَّقُ بِالْأَحْكَامِ فَإِنْ كَانَ مِنْ الْمُقَلِّدِينَ لَمْ يَلْزَمْهُ السُّؤَالُ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ لَزِمَهُ سَمَاعُهُ لِيَكُونَ أَصْلًا فِي اجْتِهَادِهِ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ قَالَا وَعَلَى مُتَحَمِّلِ السُّنَّةِ أَنْ يَرْوِيَهَا إذَا سُئِلَ عَنْهَا وَلَا يَلْزَمُهُ رِوَايَتُهَا إذْ لَمْ يُسْأَلْ إلَّا أَنْ يَجِدَ النَّاسَ عَلَى خِلَافِهَا اهـ.
(قَوْلُهُ: وَحَالِ الرُّوَاةِ) وَمِنْهُمْ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَإِنَّهُمْ دَاخِلُونَ فِي الرُّوَاةِ وَهُمْ عُدُولٌ كُلُّهُمْ عَلَى الصَّحِيحِ (قَوْلُهُ: عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ بِعَدَالَتِهِمْ) ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا كَانُوا عُدُولًا لَمْ يَتَوَقَّفْ قَبُولُ رِوَايَتِهِمْ عَلَى تَعَرُّفِ أَحْوَالِهِمْ فَلَا مَعْنَى لِتَوَقُّفٍ إيقَاعِ الِاجْتِهَادِ عَلَيْهِ وَمَنْ قَالَ أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ رِوَايَةَ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ لَيْسَتْ كَغَيْرِهِمْ لَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي مَعْرِفَةِ الْمُرَجِّحَاتِ.
(قَوْلُهُ: وَلَا تَفَارِيعُ الْفِقْهِ قَدَّرَ لَا فِي هَذَا وَمَا بَعْدَهُ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ النَّفْيَ مُنْصَبٌّ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ فَرُدَّ عَلَى الْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا إنَّمَا تُمْكِنُ بَعْدَ الِاجْتِهَادِ) أَيْ فَلَوْ جُعِلَتْ شَرْطًا فِيهِ لَزِمَ الدَّوْرُ لِتَوَقُّفِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ قَالَ النَّاصِرُ وَلَوْ قَالَ إنَّمَا تَحْصُلُ كَانَ أَظْهَرَ إذْ الْمُتَوَقِّفُ عَلَى الِاجْتِهَادِ هُوَ الْحُصُولُ لَا الْإِمْكَانُ.
وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الْإِمْكَانَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ إمْكَانٌ وُقُوعِيٌّ وَمَا اعْتَرَضَ بِهِ إمْكَانٌ ذَاتِيٌّ وَفَرْقٌ بَيْنَهُمَا وَمَنْشَأُ الْإِشْكَالِ