فَكَيْفَ تُشْتَرَطُ فِيهِ (وَ) لَا (الذُّكُورَةُ وَالْحُرِّيَّةُ) لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لِبَعْضِ النِّسَاءِ قُوَّةُ الِاجْتِهَادِ وَإِنْ كُنَّ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ عَنْ الرِّجَالِ، وَكَذَا الْبَعْضُ الْعَبِيدُ بِأَنْ يَنْظُرَ حَالَ التَّفَرُّغِ عَنْ خِدْمَةِ السَّيِّدِ (وَكَذَا الْعَدَالَةُ) لَا تُشْتَرَطُ فِيهِ (عَلَى الْأَصَحِّ) لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لِلْفَاسِقِ قُوَّةُ الِاجْتِهَادِ وَقِيلَ تُشْتَرَطُ لِيُعْتَمَدَ عَلَى قَوْلِهِ.
(وَلِيَبْحَثَ عَنْ الْمُعَارِضِ) كَالْمُخَصِّصِ وَالْمُقَيَّدِ وَالنَّاسِخِ (وَ) عَنْ (اللَّفْظِ هَلْ مَعَهُ قَرِينَةٌ) تَصْرِفُهُ عَنْ ظَاهِرِهِ أَيْ عَنْ الْقَرِينَةِ الصَّارِفَةِ لِيَسْلَمَ مَا يَسْتَنْبِطُهُ عَنْ تَطَرُّقِ الْخَدْشِ إلَيْهِ لَوْ لَمْ يَبْحَثْ، وَهَذَا أَوْلَى لَا وَاجِبٌ لِيُوَافِقَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ يَتَمَسَّكُ بِالْعَامِّ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ عَلَى الْأَصَحِّ وَمِنْ حِكَايَةِ هَذَا الْخِلَافِ فِي الْبَحْثِ عَنْ صَارِفِ صِيغَةِ أَفْعَلَ عَنْ الْوُجُوبِ إلَى غَيْرِهِ، وَحَكَاهُ بَعْضُهُمْ فِي كُلِّ مُعَارِضٍ.
(وَدُونَهُ) أَيْ دُونَ الْمُجْتَهِدِ الْمُتَقَدِّمِ وَهُوَ الْمُجْتَهِدُ الْمُطْلَقُ (مُجْتَهِدُ الْمَذْهَبِ وَهُوَ الْمُتَمَكِّنُ مِنْ تَخْرِيجِ الْوُجُوهِ) الَّتِي يُبْدِيهَا (عَلَى نُصُوصِ إمَامِهِ) فِي الْمَسَائِلِ. (وَدُونَهُ) أَيْ دُونَ مُجْتَهِدِ الْمَذْهَبِ (مُجْتَهِدُ الْفُتْيَا وَهُوَ الْمُتَبَحِّرُ) فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ (الْمُتَمَكِّنُ مِنْ تَرْجِيحِ قَوْلٍ) لَهُ (عَلَى آخَرَ) أَطْلَقَهُمَا.
(وَالصَّحِيحُ جَوَازُ تَجَزُّؤِ الِاجْتِهَادِ) بِأَنْ تَحْصُلَ لِبَعْضِ النَّاسِ قُوَّةُ الِاجْتِهَادِ فِي بَعْضِ الْأَبْوَابِ كَالْفَرَائِضِ بِأَنْ يَعْلَمَ أَدِلَّتَهُ بِاسْتِقْرَاءٍ مِنْهُ أَوْ مِنْ مُجْتَهِدٍ كَامِلٍ، وَيَنْظُرَ فِيهَا وَقَوْلُ الْمَانِعِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِيمَا لَمْ يَعْلَمْهُ مِنْ الْأَدِلَّةِ مُعَارِضٌ لِمَا عَلِمَهُ بِخِلَافِ مَا أَحَاطَ بِالْكُلِّ وَنَظَرَ فِيهِ بَعِيدٌ جِدًّا.
(وَ) الصَّحِيحُ (جَوَازُ الِاجْتِهَادِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} [الأنفال: 67]
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْتِبَاسُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ تُشْتَرَطُ لِيَعْتَمِدَ عَلَى قَوْلِهِ) تَبِعَ الزَّرْكَشِيَّ فِي جَعْلِ هَذَا مُقَابِلًا لِلْأَصَحِّ وَتَعَقَّبَهُ الْعِرَاقِيُّ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا تَخَالُفَ بَيْنَهُمَا إذْ اشْتِرَاطُ الْعَدَالَةِ لِاعْتِمَادِ قَوْلِهِ لَا يُنَافِي عَدَمَ اشْتِرَاطِهَا لِاجْتِهَادِهِ إذْ الْفَاسِقُ يَعْمَلُ بِاجْتِهَادِ نَفْسِهِ، وَإِنْ لَمْ يُعْتَمَدْ قَوْلُهُ اتِّفَاقًا أَيْ فَيَرْجِعُ الْخِلَافُ إلَى أَنَّهُ لَفْظِيٌّ اهـ. زَكَرِيَّا.
(قَوْلُهُ: وَالنَّاسِخِ) لَا يُقَالُ يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ: وَالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْكَلَامَ ثَمَّ فِيمَا إذَا كَانَ هُنَاكَ دَلِيلٌ نَاسِخٌ وَمَنْسُوخٌ فَلَا بُدَّ أَنْ يَعْلَمَ عَيْنَ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ وَهُنَا فِيمَا إذَا كَانَ دَلِيلٌ وَاحِدٌ وَاسْتُنْبِطَ مِنْهُ حُكْمٌ فَيُطْلَبُ مِنْ الْمُجْتَهِدِ الْبَحْثُ عَنْ مُعَارِضٍ مِنْ نَاسِخٍ أَوْ غَيْرِهِ اهـ. زَكَرِيَّا.
(قَوْلُهُ: أَيْ عَنْ الْقَرِينَةِ الصَّارِفَةِ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْبَحْثَ فِي الْحَقِيقَةِ عَنْ الْقَرِينَةِ الصَّارِفَةِ لَا عَنْ اللَّفْظِ وَإِلَى هَذَا يُشِيرُ قَوْلُ الْمُصَنِّفُ هَلْ مَعَهُ قَرِينَةٌ إلَخْ فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ الْبَحْثَ عَنْ اللَّفْظِ مِنْ حَيْثُ الْقَرِينَةُ لَا مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ (قَوْلُهُ: وَمِنْ حِكَايَةِ إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ مِنْ أَنَّهُ يَتَمَسَّكُ بِالْعَامِّ وَهُوَ رَاجِعٌ إلَى اللَّفْظِ هَلْ مَعَهُ قَرِينَةٌ تَصْرِفُهُ فَمَجْمُوعُ الْأَمْرَيْنِ بَيَانٌ لِمَا تَقَدَّمَ
(قَوْلُهُ: وَدُونَهُ مُجْتَهِدُ الْمَذْهَبِ) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فَلَا يَرِدُ أَنَّ دُونَ ظَرْفٌ لَا يَتَصَرَّفُ فِي الْمَشْهُورِ فَلَا يَصِحُّ وُقُوعُهُ مُبْتَدَأً.
(قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ تَجَزُّؤُ الِاجْتِهَادِ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يُلَائِمُ مَا مَرَّ فِي تَعْرِيفِ الْفِقْهِ مِنْ أَنَّهُ الْعِلْمُ بِجَمِيعِ الْأَحْكَامِ اهـ. نَجَّارِيٌّ.
وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ تَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: وَيَنْظُرُ إلَخْ) تَصْوِيرٌ لِمَاهِيَّةِ قُوَّةِ الِاجْتِهَادِ وَهُوَ إنَّمَا يَصِحُّ كَوْنُهُ تَصْوِيرًا لِمَاهِيَّةِ الِاجْتِهَادِ أَيْ الِاسْتِفْرَاغِ لَا لِلْقُوَّةِ الَّتِي هِيَ مَلَكَةٌ بِمَعْنَى التَّهَيُّؤِ تَأَمَّلْ. قَالَهُ النَّاصِرُ قَالَ سم وَمَبْنَى هَذَا الِاعْتِرَاضِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ النَّظَرُ لِاسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ بَلْ الْمُرَادُ النَّظَرُ فِي الْآلَاتِ الْمُحَصِّلَةِ لِقُوَّةِ الِاجْتِهَادِ كَمَا يُصَرِّحُ بِذَلِكَ كَوْنُ الْكَلَامِ فِي شُرُوطِ الِاجْتِهَادِ وَمَا يُحَقِّقُهُ.
(قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى إلَخْ) وَلِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {فَاعْتَبِرُوا} [الحشر: 2] فَإِنَّهُ يَعُمُّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرَهُ فَإِنَّهُ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْلَى النَّاسِ بَصِيرَةً وَأَكْثَرَهُمْ اطِّلَاعًا عَلَى شَرَائِطِ الْقِيَاسِ فَيَكُونُ مَأْمُورًا بِهِ فَكَانَ الِاجْتِهَادُ عَلَيْهِ وَاجِبًا فَضْلًا عَنْ الْجَوَازِ، وَلِأَنَّ الِاجْتِهَادَ أَشَقُّ مِنْ الْعَمَلِ بِالنَّصِّ وَالْأَشَقُّ أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ أَحْمَزُهَا» أَيْ أَشَقُّهَا وَالْأَفْضَلُ يَتْرُكُهُ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَفِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتِمُّ وَلَوْ لَمْ يَتَّصِفْ بِمَا هُوَ أَعْلَى مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ النُّبُوَّةُ الَّتِي هِيَ مَعْدِنُ الْوَحْيِ وَسَائِرِ الْفَضَائِلِ، وَاسْتَدَلَّ الْإِمَامُ أَبُو يُوسُفَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء: 105] وَبَيَّنَ الْفَارِسِيُّ وَجْهَ دَلَالَتِهِ فَقَالَ الرُّؤْيَةُ لِلْإِبْصَارِ نَحْوَ رَأَيْت زَيْدًا وَلِلْعِلْمِ نَحْوَ رَأَيْت زَيْدًا قَائِمًا وَلِلرَّأْيِ مِثْلَ أَرَى فِيهِ الْحِلَّ وَالْحُرْمَةَ