لِلْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ الَّذِي لَا يَنْفَكُّ عَنْ الْإِنْسَانِ كَعِلْمِهِ بِوُجُودِ نَفْسِهِ كَمَا يَصْدُقُ لِذَلِكَ عَلَى مَا لَا يَأْتِي مِنْهُ النَّظَرُ كَالْأَبْلَهِ
(فَقِيهُ النَّفْسِ) أَيْ شَدِيدُ الْفَهْمِ بِالطَّبْعِ لِمَقَاصِدِ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ لَا يَتَأَتَّى لَهُ الِاسْتِنْبَاطُ الْمَقْصُودُ بِالِاجْتِهَادِ (وَإِنْ أَنْكَرَ الْقِيَاسَ) فَلَا يَخْرُجُ بِإِنْكَارِهِ عَنْ فَقَاهَةِ النَّفْسِ، وَقِيلَ يَخْرُجُ فَلَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ (وَثَالِثُهَا إلَّا الْجَلِيُّ) فَيَخْرُجُ بِإِنْكَارِهِ لِظُهُورِ جُمُودِهِ (الْعَارِفُ بِالدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ) أَيْ الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ (وَالتَّكْلِيفُ بِهِ) فِي الْحُجِّيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّ اسْتِصْحَابَ الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ حُجَّةٌ فَيَتَمَسَّكُ بِهِ إلَى أَنْ يُصْرَفَ عَنْهُ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ (ذُو الدَّرَجَةِ الْوُسْطَى لُغَةً وَعَرَبِيَّةً) مِنْ نَحْوٍ وَتَصْرِيفٍ (وَأُصُولًا وَبَلَاغَةً) مِنْ مَعَانٍ وَبَيَانٍ (وَمُتَعَلَّقَ الْأَحْكَامِ) بِفَتْحِ اللَّامِ أَيْ مَا تَتَعَلَّقُ هِيَ بِهِ بِدَلَالَتِهِ عَلَيْهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْإِضَافَةِ لِلضَّمِيرِ أَيْ ضَرُورِيُّ الْعِلْمِ أَيْ الْعِلْمُ الضَّرُورِيُّ وَالْمُرَادُ بَعْضُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمْعٌ لِئَلَّا يَلْزَمَ أَنَّ مَنْ فَقَدَ الْعِلْمَ بِمُدْرِكٍ لِعَدَمِ الْإِدْرَاكِ غَيْرُ عَاقِلٍ، وَفَهِمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ ضَرُورِيَّهُ يُقْرَأُ بِالتَّاءِ أَيْ عُلُومٌ ضَرُورِيَّةٌ اهـ. زَكَرِيَّا.
(قَوْلُهُ: لِلْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ) أَيْ مِنْ حَيْثُ اتِّصَافُ الْعَاقِلِ بِالْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ لَا مِنْ حَيْثُ اتِّصَافُهُ بِالْعِلْمِ النَّظَرِيِّ لِصِدْقِ الْعَاقِلِ مَعَ انْتِفَاءِ الْعِلْمِ النَّظَرِيِّ كَمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ كَمَا يَصْدُقُ لِذَلِكَ أَيْ لِأَجَلِ الْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ عَلَى مَنْ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ النَّظَرُ كَالْأَبْلَهِ اهـ. زَكَرِيَّا.
(قَوْلُهُ: بِالطَّبْعِ) أَخَذَهُ مِنْ إضَافَةِ فَقِيهٍ لِلنَّفْسِ أَوْ مِنْ الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ فِقْهٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَفْعَالِ السَّجَايَا وَقَوْلُهُ شَدِيدٌ أَخَذَهُ مِنْ مَادَّةِ فَقِيهٍ وَقَوْلُهُ الْفَهْمُ أَخَذَهُ مِنْ مَعْنَى الْفِقْهِ وَقَوْلُهُ لِمَقَاصِدِ الْكَلَامِ مُتَعَلِّقٌ بِشَدِيدِ الْفَهْمِ، وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ اسْتِخْرَاجَاتِ الصُّوفِيَّةِ وَإِشَارَاتِهِمْ الْمَفْهُومَةِ لَهُمْ فَلَا يُسَمَّى ذَلِكَ فِقْهًا وَاسْتِعْمَالُ الْفَقِيهِ بِمَعْنَى الْعَارِفِ بِالْفِقْهِ عُرْفِيٌّ أَيْضًا فَيَدْخُلُ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْفُقَهَاءِ وَالْوَصِيَّةِ لَهُمْ.
(قَوْلُهُ: وَالتَّكْلِيفُ بِهِ) أَيْ بِالدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ أَيْ بِالتَّمَسُّكِ بِهِ وَقَوْلُهُ كَمَا تَقَدَّمَ إلَخْ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ فِي الْحُجِّيَّةِ أَيْ فِي كَوْنِهِ الدَّلِيلَ الْعَقْلِيَّ وَهُوَ الْبَرَاءَةُ الْأَصْلِيَّةُ حُجِّيَّةٌ أَيْ يُعْلَمُ أَنَّا مُكَلَّفُونَ بِهَا مَا لَمْ يَرِدْ مَا يَصْرِفُ عَنْهَا مِنْ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ اهـ. زَكَرِيَّا.
(قَوْلُهُ: وَعَرَبِيَّةٌ) عَطْفُ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ إذْ اللُّغَةُ مِنْ أَفْرَادِهَا فَإِنَّهَا تَشْمَلُ اثْنَيْ عَشَرَ عَلَمًا جَمَعْتهَا فِي قَوْلِي:
نَحْوٌ وَصَرْفٌ عُرُوضٌ بَعْدَهُ لُغَةٌ ... ثُمَّ اشْتِقَاقٌ وَقَرْضُ الشِّعْرِ إنْشَاءُ
كَذَا الْمَعَانِي بَيَانُ الْخَطِّ قَافِيَّةٌ ... تَارِيخُ هَذَا لِعِلْمِ الْعُرْبِ إحْصَاءُ
وَبُلُوغُهَا إلَى هَذَا الْحَدِّ تَسَامُحٌ فِي الْعَدِّ كَمَا لَا يَخْفَى فَإِنَّ قَرْضَ الشِّعْرِ مِنْ فَوَائِدِ عِلْمِ الْعَرُوضِ وَالْإِنْشَاءَ ثَمَرَةٌ مُتَرَتِّبَةٌ عَلَى مَعْرِفَةِ مَجْمُوعِهِمَا وَالتَّارِيخُ لَيْسَ بِعِلْمٍ بَلْ هُوَ نَقْلٌ مَحْضٌ، وَالِاشْتِقَاقُ دَاخِلٌ فِي عِلْمِ الصَّرْفِ عَلَى مَا تَحَرَّرَ، وَقَدْ بَيَّنْت ذَلِكَ فِي حَوَاشِي لَامِيَّةِ الْأَفْعَالِ وَالْبَلَاغَةُ ثَمَرَةٌ مُتَرَتِّبَةٌ عَلَى مَجْمُوعَيْ عِلْمِ الْمَعَانِي وَالْبَيَانِ مَعَ مُقَدِّمَاتِهَا مِنْ النَّحْوِ وَالصَّرْفِ وَاللُّغَةِ وَاشْتِرَاطُ مَعْرِفَةِ الْبَلَاغَةِ فِي الْمُجْتَهِدِ لَا يَخْلُو عَنْ شَيْءٍ لِرُجُوعِهَا إلَى الْمُخَاطَبَاتِ عَلَى أَنَّ الِاجْتِهَادَ تَحَقَّقَ قَبْلَ تَدْوِينِهَا، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُحْتَاجَ إلَيْهِ فِي الِاجْتِهَادِ هُوَ النَّحْوُ وَالصَّرْفُ وَالْبَيَانُ لَا غَيْرُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَأُصُولًا) الْمُرَادُ أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وَإِنْ كَانَ عِلْمُ الْأُصُولِ قَدْ دُوِّنَ بَعْدَ تَقَدُّمِ نَحْوِ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ (قَوْلُهُ: بِدَلَالَتِهِ عَلَيْهَا) الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ