فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ أَوْ زَيْدٌ فِي الْفَرَائِضِ وَنَحْوُهُمَا) أَيْ نَحْوُ مُعَاذٍ وَزَيْدٍ كَعَلِيٍّ فِي الْقَضَاءِ فَلَا يُرَجَّحُ الْمُوَافِقُ لِأَحَدِ الشَّيْخَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُخَالِفَ لَهَا مَيَّزَهُ النَّصُّ فِيمَا ذُكِرَ وَهُوَ حَدِيثُ «أَفْرَضُكُمْ زَيْدٌ وَأَعْلَمُكُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذٌ وَأَقْضَاكُمْ عَلِيٌّ» .
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (وَ) يُرَجَّحُ (مُوَافِقُ زَيْدٍ فِي الْفَرَائِضِ فَمُعَاذٍ) فِيهَا (فَعَلْيٍ) فِيهَا (وَمُعَاذٍ فِي أَحْكَامِ غَيْرِ الْفَرَائِضِ فَعَلْيٍ) فِي تِلْكَ الْأَحْكَامِ يَعْنِي أَنَّ الْخَبَرَيْنِ الْمُتَعَارِضَيْنِ فِي مَسْأَلَةٍ فِي الْفَرَائِضِ يُرَجَّحُ مِنْهُمَا الْمُوَافِقُ لِزَيْدٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهَا قَوْلٌ فَالْمُوَافِقُ لِمُعَاذٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهَا قَوْلٌ فَالْمُوَافِقُ لِعَلِيٍّ وَالْمُتَعَارَضِينَ فِي مَسْأَلَةٍ فِي غَيْرِ الْفَرَائِضِ يُرَجَّحُ مِنْهُمَا الْمُوَافِقُ لِمُعَاذٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهَا قَوْلٌ فَالْمُوَافِقُ لِعَلِيٍّ، وَذَكَرَ الْمُوَافِقَ لِلثَّلَاثَةِ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ لِتَرْتِيبِهِمْ، كَذَلِكَ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْحَدِيثِ السَّابِقِ فَقَوْلُ الصَّادِقِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ «أَفْرَضُكُمْ زَيْدٌ عَلَى عُمُومِهِ» وَقَوْلُهُ «وَأَعْلَمُكُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذٌ» يَعْنِي فِي غَيْرِ الْفَرَائِضِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ «وَأَقْضَاكُمْ عَلِيٌّ» يَعْنِي فِي غَيْرِ الْفَرَائِضِ وَاللَّفْظُ فِي مُعَاذٍ أَصْرَحُ مِنْهُ فِي عَلِيٍّ فَقُدِّمَ عَلَيْهِ فِي الْفَرَائِضِ وَغَيْرِهَا (وَالْإِجْمَاعُ عَلَى النَّصِّ) ؛ لِأَنَّهُ يُؤْمَنُ فِيهِ النَّسْخُ بِخِلَافِ النَّصِّ (وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى) إجْمَاعِ (غَيْرِهِمْ) كَالتَّابِعِينَ؛ لِأَنَّهُمْ أَشْرَفُ مِنْ غَيْرِهِمْ (وَإِجْمَاعُ الْكُلِّ) الشَّامِلُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّهُ فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِي أَنَّ أَحَدَ الْخَبَرَيْنِ وَافَقَهُ صَحَابِيٌّ وَالْآخَرُ يُوَافِقُهُ صَحَابِيٌّ بِدَلِيلِ قَوْلِ الشَّارِحِ عَلَى مَا لَمْ يُوَافِقْ وَاحِدًا مِمَّا ذُكِرَ، وَمُقْتَضَى هَذَا الْقِيلِ الْمَذْكُورِ هُنَا أَنَّ الْأَوَّلَ الصَّحِيحُ تَقْدِيمُ مُوَافِقِ الصَّحَابِيِّ وَإِنْ كَانَ أَحَدَ الشَّيْخَيْنِ، وَقَدْ خَالَفَهُ مُعَاذٌ إلَخْ مَعَ أَنَّهُ إذَا خَالَفَ مُعَاذٌ كَانَ أَعْنِي مُعَاذًا مُوَافِقًا لِلْقَوْلِ الْآخَرِ فَيَكُونُ كُلُّ خَبَرٍ وَافَقَهُ صَحَابِيٌّ، وَذَلِكَ خِلَافُ فَرْضِ الْمَسْأَلَةِ.
وَثَانِيهِمَا: أَنَّهُ لَا إفْصَاحَ فِيهِ بِأَنَّهُ إذَا خَالَفَ أَحَدَ الشَّيْخَيْنِ مُعَاذٌ إلَخْ يَتَعَارَضَانِ أَوْ يُقَدَّمُ مُوَافِقُ مُعَاذٍ إلَخْ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الثَّانِي وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْمُخَالِفَ لَهَا مَيَّزَهُ النَّصُّ لِظُهُورِ أَنَّ الْمُمَيِّزَ رَاجِحٌ، وَالْمُوَافِقُ لِمَا يَأْتِي عَنْ الشَّافِعِيِّ اهـ. سم.
(قَوْلُهُ: أَفْرَضُكُمْ زَيْدٌ) بِالْخِطَابِ رِوَايَةٌ لَهُ بِالْمَعْنَى وَإِلَّا فَلَفْظُ الْحَدِيثِ وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدٌ عَطْفًا عَلَى «أَرْحَمُ أُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ وَأَشَدُّهُمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ عُمَرُ وَأَشَدُّهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ وَأَقْضَاهُمْ عَلِيٌّ وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ» .
(قَوْلُهُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ إلَخْ) أَيْ فِيمَا إذَا وَافَقَ كُلٌّ مِنْ الدَّلِيلَيْنِ صَحَابِيًّا، وَقَدْ مَيَّزَ النَّصُّ أَحَدَ الصَّحَابِيَّيْنِ فِيمَا فِيهِ الْمُوَافَقَةُ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ غَيْرُ الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ اهـ. زَكَرِيَّا.
(قَوْلُهُ: يَعْنِي أَنَّ الْخَبَرَيْنِ الْمُتَعَارِضَيْنِ) تَوْضِيحُ مَا ذَكَرَهُ أَنَّ الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ وَعِلْمَ الْقَضَاءِ الْمُسْتَفَادَ مِنْ قَوْلِهِ أَقْضَاكُمْ عَامٌّ وَالْفَرَائِضَ الْمُسْتَفَادَ مِنْ أَفْرَضُكُمْ خَاصٌّ وَالْخَاصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ فَيُخَصُّ الْعَامُّ بِهِ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ وَقَوْلُ أَصْرَحُ مِنْهُ يَعْنِي أَنَّ الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ عَامٌّ مُصَرَّحٌ بِهِ وَعِلْمَ الْقَضَاءِ غَيْرُ مُصَرَّحٍ بِهِ بَلْ مُسْتَفَادٌ مِنْ أَقْضَاكُمْ عَلِيٌّ كَمَا أَوْضَحَ ذَلِكَ النَّاصِرُ (قَوْلُهُ: الْمُوَافِقُ لِمُعَاذٍ) وَأَمَّا زَيْدٌ فَكَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: يَعْنِي فِي غَيْرِ الْفَرَائِضِ) أَخَذَ هَذَا الْعِنَايَةُ مِنْ الْقَاعِدَةِ وَهِيَ أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ خَاصٌّ وَعَامٌّ يُقَدَّمُ الْخَاصُّ.
(قَوْلُهُ: وَاللَّفْظُ فِي مُعَاذٍ) أَيْ لَفْظُ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ (قَوْلُهُ: وَالْإِجْمَاعُ عَلَى النَّصِّ) فِيهِ أَمْرَانِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّهُ شَامِلٌ لِلْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ وَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ تَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ لِدَلِيلٍ فَكَيْفَ لَا يُقَدَّمُ النَّصُّ عَلَيْهِ فَالْمُتَّجَهُ اسْتِثْنَاؤُهُ وَجَوَازُ مُخَالَفَتِهِ إلَى الْعَمَلِ بِالنَّصِّ، وَالثَّانِي أَنَّهُ شَامِلٌ أَيْضًا لِمَا إذَا عُلِمَ دَلِيلُ الْمُجْمِعِينَ بِعَيْنِهِ، وَأَنَّهُ لَا دَلِيلَ لَهُمْ غَيْرُهُ وَوُجِدَ دَلِيلٌ آخَرُ مُخَالِفٌ لَهُ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ وَهُوَ أَيْضًا مُشْكِلٌ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَلْتَزِمَ النَّصَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَيُقَيِّدُ حُرْمَةَ خَرْقِ الْإِجْمَاعِ بِغَيْرِهَا أَوْ يَلْتَزِمُ امْتِنَاعَ وُقُوعِ مِثْلِهَا عَادَةً لِاسْتِلْزَامِهِ خَطَأَ الْإِجْمَاعِ، وَقَدْ دَلَّ الشَّرْعُ عَلَى انْتِفَائِهِ اهـ. سم.
(قَوْلُهُ: وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى إجْمَاعِ غَيْرِهِمْ) أَيْ وَكَذَا إجْمَاعُ التَّابِعِينَ عَلَى مَنْ دُونَهُمْ وَهَكَذَا قَالَ