عَلَى الْمُوجِبِ لَهُ لِمَا فِي الْأَوَّلِ مِنْ الْيُسْرِ وَعَدَمِ الْحَرَجِ الْمُوَافِقِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ} [البقرة: 185] {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] (خِلَافًا لِقَوْمٍ) وَهُمْ الْمُتَكَلِّمُونَ فِي تَرْجِيحِهِمْ الْمُوجِبَ لِإِفَادَتِهِ التَّأْسِيسَ بِخِلَافِ النَّافِي (وَالْمَعْقُولُ مَعْنَاهُ) عَلَى مَا لَمْ يُعْقَلْ مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَدْعَى إلَى الِانْقِيَادِ وَأَفْيَدُ بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ (وَالْوَضْعِيُّ عَلَى التَّكْلِيفِيِّ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْفَهْمِ وَالتَّمَكُّنِ مِنْ الْفِعْلِ بِخِلَافِ الثَّانِي، وَقِيلَ عَكْسُهُ لِتَرَتُّبِ الثَّوَابِ عَلَى التَّكْلِيفِيِّ دُونَ الْوَضْعِيِّ (وَالْمُوَافِقُ دَلِيلًا آخَرَ) عَلَى مَا لَمْ يُوَافِقْهُ؛ لِأَنَّ الظَّنَّ فِي الْمُوَافِقِ أَقْوَى وَهَذَا دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَالْأَصَحُّ التَّرْجِيحُ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ وَذُكِرَ تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهُ، (وَكَذَا) الْمُوَافِقُ (مُرْسَلًا أَوْ صَحَابِيًّا أَوْ أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَوْ الْأَكْثَرَ) مِنْ الْعُلَمَاءِ عَلَى مَا لَمْ يُوَافِقْ وَاحِدًا مِمَّا ذُكِرَ (فِي الْأَصَحِّ) لِقُوَّةِ الظَّنِّ فِي الْمُوَافِقِ، وَقِيلَ لَا يُرَجَّحُ بِوَاحِدٍ مِمَّا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ (وَثَالِثُهَا فِي مُوَافِقِ الصَّحَابِيِّ إنْ كَانَ) أَيْ الصَّحَابِيُّ (حَيْثُ مَيَّزَهُ النَّصُّ) أَيْ فِيمَا مَيَّزَهُ فِيهِ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ (كَزَيْدٍ فِي الْفَرَائِضِ) مُيِّزَ فِيهَا بِحَدِيثِ أَفْرَضُكُمْ زَيْدٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ، (وَرَابِعُهَا إنْ كَانَ) أَيْ الصَّحَابِيُّ (أَحَدَ الشَّيْخَيْنِ) أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ (مُطْلَقًا وَقِيلَ إلَّا أَنْ يُخَالِفَهُمَا مُعَاذٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــQكَالْمُسْتَثْنَى مِنْ تَقْدِيمِ الْمُثْبِتِ وَوُجِّهَ بِأَنَّ الْحَدَّ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ وَالتَّعَارُضُ شُبْهَةٌ وَبِمَا قَالَهُ الشَّارِحُ لِمَا فِي الْأَوَّلِ مِنْ التَّيْسِيرِ، وَاعْتَرَضَهُ الشِّهَابُ عَمِيرَةُ بِأَنَّ هَذَا مَوْجُودٌ فِي الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ لُوحِظَ مَعَ هَذَا الْوَجْهِ نَظَرُ الشَّارِعِ إلَى دَرْءِ الْحُدُودِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَبِأَنَّ مِنْ لَازِمِ الْحَدِّ الْعُسْرُ؛ لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ وَلَا بُدَّ بِخِلَافِ الْحَظْرِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ لَازِمِهِ الْعُسْرُ إذْ قَدْ يَسْهُلُ التَّرْكُ بِلَا مَشَقَّةٍ خُصُوصًا إنْ وَافَقَ التَّرْكُ غَرَضَ النَّفْسِ كَمَا يَتَّفِقُ فِي بَعْضِ الْمَنْهِيَّاتِ اهـ. مِنْ سم.
(قَوْلُهُ: الْمُوجِبُ إلَخْ) هَذَا يَرْجِعُ إلَى تَقْدِيمِ الْإِثْبَاتِ عَلَى النَّفْيِ لِإِفَادَتِهِ التَّأْسِيسَ أَيْ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ غَيْرُ مُسْتَفَادٍ مِنْ الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ بِخِلَافِ النَّفْيِ فَإِنَّهُ مُسْتَفَادٌ مِنْهَا، وَيُجَابُ بِأَنَّ النَّفْيَ الشَّرْعِيَّ غَيْرُ مُسْتَفَادٍ مِنْهَا (قَوْلُهُ: وَالْمَعْقُولُ) أَيْ وَالْخَبَرُ الْمَعْقُولُ مَعْقُولٌ مَعْنَاهُ (قَوْلُهُ: عَلَى مَا لَمْ يُعْقَلْ) لِكَوْنِهِ تَعَبُّدِيًّا (قَوْلُهُ: وَالْوَضْعِيُّ) أَيْ وَالدَّالُّ عَلَى الْحُكْمِ الْوَضْعِيِّ قَالَ سم وَقَدْ يُسْتَشْكَلُ تَصْوِيرُ ذَلِكَ أَيْ بِأَنَّ التَّعَارُضَ فَرْعُ اتِّحَادِ الْمُتَعَلِّقِ فَكَيْفَ مَعَ اتِّحَادِهِ يَكُونُ أَحَدُ الْحُكْمَيْنِ وَضْعِيًّا وَالْآخَرُ تَكْلِيفِيًّا، وَقَدْ يُصَوَّرُ بِنَحْوِ أَنْ يَدُلَّ أَحَدُ الْخَبَرَيْنِ مَثَلًا عَلَى كَوْنِ شَيْءٍ شَرْطًا لِكَذَا مَثَلًا، وَالْخَبَرُ الْآخَرُ عَلَى النَّهْيِ عَنْ فِعْلِهِ فِي كُلِّ حَالِهِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ إلَخْ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ يُمْنَعُ بِأَنَّ ذَلِكَ فِيمَا إذَا حَصَلَتْ الْمُوَافَقَةُ لِكُلٍّ مِنْ الدَّلِيلَيْنِ، وَكَانَتْ فِي أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ وَهَذَا فِيمَا إذَا حَصَلَتْ لِأَحَدِهِمَا فَقَطْ بِقَرِينَةِ حِكَايَةِ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ دُونَ هَذَا فَذِكْرُ ذَلِكَ مَقْصُودٌ لَا تَوْطِئَةٌ. اهـ.
وَأَقُولُ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ الْعِبَارَةَ السَّابِقَةَ لَا تَشْمَلُ مَا هُنَا فَمَمْنُوعٌ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا غَيْرُ مَا هُنَا فَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ فَإِنْ اسْتَدَلَّ بِحِكَايَةِ الْخِلَافِ هُنَاكَ لَا هُنَا فَفِيهِ أَنَّ ذَاكَ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ ثُبُوتِهِ هُنَا وَإِنَّمَا تَرَكَهُ؛ لِأَنَّ مَا هُنَا تَوْطِئَةٌ لَا مَقْصُودٌ ثُمَّ رَأَيْت تَقْرِيرَهُمْ فِي الْمَحَلَّيْنِ كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّ الْمُرَادَ فِي الْمَحَلَّيْنِ وَاحِدٌ فَانْظُرْ قَوْلَ الصَّفِيِّ. الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ التَّرْجِيحُ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَذُكِرَ تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهُ) اعْتَرَضَهُ الْكَمَالُ بِأَنَّهُ لَوْ حُذِفَتْ التَّوْطِئَةُ هُنَا لَاسْتُغْنِيَ عَنْهَا بِأَنْ يُقَالَ وَالْمُوَافِقُ مُرْسَلًا إلَخْ اهـ.
وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي التَّوْطِئَةِ التَّوَقُّفُ عَلَيْهَا بَلْ تَكْفِي الْمُنَاسِبُ وَاللِّيَاقَةُ فَإِنَّ ذِكْرَ الشَّيْءِ يُؤْنِسُ بِذِكْرِ مُجَانِسِهِ اهـ. سم.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ) أَيْ مَا ذُكِرَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ (قَوْلُهُ: حَيْثُ مَيَّزَهُ النَّصُّ) حَيْثُ هُنَا لِلْمَكَانِ أَيْ فِي مَكَان مَيَّزَهُ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ إلَّا أَنْ يُخَالِفَهُمَا مُعَاذٌ إلَخْ) فِيهِ أَمْرَانِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّهُ يُوجِبُ صُعُوبَةَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ الَّذِي صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ مَعَ فَرْضِ