لِيُفِيدَ تَأْسِيسًا كَمَا أَفَادَهُ النَّقْلُ فَيَكُونَ نَاسِخًا لَهُ. مِثَالُ ذَلِكَ حَدِيثُ «مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ مَعَ حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَهُ رَجُلٌ مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ أَعَلَيْهِ وُضُوءٌ قَالَ لَا إنَّمَا هُوَ بَضْعَةٌ مِنْك» (وَالْمُثْبِتُ عَلَى النَّافِي) لِاشْتِمَالِهِ عَلَى زِيَادَةِ عِلْمٍ وَقِيلَ عَكْسُهُ لِاعْتِضَادِ النَّافِي بِالْأَصْلِ (وَثَالِثُهَا سَوَاءٌ) لِتَسَاوِي مُرَجِّحَيْهِمَا (وَرَابِعُهَا) يُرَجَّحُ الْمُثْبِتُ (إلَّا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ) .
فَيُرَجَّحُ النَّافِي لَهُمَا عَلَى الْمُثْبِتِ لَهُمَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهَا وَحَكَى ابْنُ الْحَاجِبِ مَعَ هَذَا عَكْسَهُ أَيْ يُرَجَّحَ الْمُثْبِتُ لَهُمَا عَلَى النَّافِي لَهُمَا (وَالنَّهْيُ عَلَى الْإِبَاحَةِ) لِلِاحْتِيَاطِ، (وَالْخَبَرُ) الْمُتَضَمِّنُ لِلتَّكْلِيفِ (عَلَى الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ) ؛ لِأَنَّ الطَّلَبَ بِهِ لِتَحَقُّقِ وُقُوعِهِ أَقْوَى مِنْهُمَا (وَ) خَبَرُ (الْحَظْرِ عَلَى) خَبَرِ (الْإِبَاحَةِ) لِلِاحْتِيَاطِ وَقِيلَ عَكْسُهُ لِاعْتِضَادِ الْإِبَاحَةِ بِالْأَصْلِ مِنْ نَفْيِ الْحَرَجِ (وَثَالِثُهَا سَوَاءٌ) لِتَسَاوِي مُرَجِّحَيْهِمَا (وَالْوُجُوبُ وَالْكَرَاهَةُ عَلَى النَّدْبِ) لِلِاحْتِيَاطِ فِي الْأَوَّلِ وَلِدَفْعِ اللَّوْمِ فِي الثَّانِي (، وَالنَّدْبُ عَلَى الْمُبَاحِ فِي الْأَصَحِّ) لِلِاحْتِيَاطِ بِالطَّلَبِ، وَقِيلَ عَكْسُهُ لِمُوَافَقَةِ الْمُبَاحِ لِلْأَصْلِ مِنْ عَدَمِ الطَّلَبِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا مَعَ قَوْلِهِ قَبْلُ وَالْأَمْرُ فِي الْإِبَاحَةِ تَكْرَارٌ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَمْرِ فِيهِ الْإِيجَابُ لَا الطَّلَبُ وَهُمَا خِلَافٌ فِي حَقِيقَتِهِ تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ جَائِزِ التَّرْكِ (وَنَافِي الْحَدِّ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّانِي (قَوْلُهُ: بَضْعَةٌ مِنْك) بِفَتْحِ الْبَاءِ لَا غَيْرُ أَيْ قِطْعَةُ لَحْمٍ مِنْك جَمْعُهَا بَضْعٌ كَتَمْرَةٍ وَتَمْرٍ (قَوْلُهُ: وَالْمُثْبِتُ عَلَى النَّافِي) قَالَ سم تَمَيُّزُ هَذَا عَمَّا قَبْلَهُ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ حَاصِلَ ذَاكَ أَنَّ حُكْمَ أَحَدِ الْخَبَرَيْنِ مُوَافِقٌ لِلْأَصْلِ وَحُكْمَ الْآخَرِ مُخَالِفٌ لَهُ، وَحَاصِلُ هَذَا أَنَّ أَحَدَ الْخَبَرَيْنِ نَسَبَ صُدُورَ شَيْءٍ كَالصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ إلَى الشَّارِعِ مَثَلًا وَالْآخَرُ فِي صُدُورِهِ عَنْهُ وَالتَّمَايُزُ بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَاصِلَيْنِ فِي غَايَةِ الظُّهُورِ إلَى أَنَّ الْحَاصِلَ الثَّانِيَ صَادِقٌ إذَا كَانَ الْإِثْبَاتُ مُقَرِّرًا لِلْأَصْلِ وَالنَّفْيُ نَاقِلًا عَنْهُ فَيَخُصُّ الْحَاصِلَ الْأَوَّلَ بِهَذَا ثُمَّ رَأَيْت شَيْخَ الْإِسْلَامِ ذَكَرَ مَا يُوَافِقُ هَذَا اهـ.
وَعِبَارَةُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ هَكَذَا لَا يُقَالُ هَذَا يَعْنِي عَمَّا قَبْلَهُ أَوْ بِالْعَكْسِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْمُثْبِتُ قَدْ يَكُونُ مُقَرِّرًا لِلْأَصْلِ كَالْمُثْبِتِ لِلطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَإِنَّهُ مُقَرِّرٌ لِلْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الزَّوْجِيَّةِ وَالرِّقِّيَّةِ فَرَجَعَ ذَلِكَ إلَى هَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ الْأَوَّلِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَثَالِثُهَا سَوَاءٌ) أَيْ يَتَسَاوَى الْمُثْبِتُ وَالنَّافِي (قَوْلُهُ: وَالْعَتَاقِ) بِالْفَتْحِ مَصْدَرٌ وَبِالْكَسْرِ جَمْعُ عَتِيقٍ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ إلَخْ) هَذَا التَّعْلِيلُ لَا يَخُصُّهُمَا فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي كُلِّ شَيْءٍ عَدَمُهُ (قَوْلُهُ: مَعَ هَذَا) أَيْ مَعَ تَرْجِيحِ النَّافِي لَهُمَا عَلَى الْمُثْبِتِ (قَوْلُهُ: وَالنَّهْيُ عَلَى الْأَمْرِ) الْمُرَادُ بِالنَّهْيِ الْحَظْرُ وَبِالْإِيجَابِ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الشَّارِحِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ تَرْجِيحُ الْحَظْرِ عَلَى الْإِبَاحَةِ اهـ. زَكَرِيَّا.
(قَوْلُهُ: لِلِاحْتِيَاطِ بِالطَّلَبِ) أَيْ بِسَبَبِ مُرَاعَاةِ الطَّلَبِ (قَوْلُهُ: وَالْخَبَرُ) نَحْوَ {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} [البقرة: 228] (قَوْلُهُ: عَلَى الْأَمْرِ) نَحْوَ {يَتَرَبَّصْنَ} [البقرة: 228] (قَوْلُهُ: أَقْوَى مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الطَّلَبِ بِهِمَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْخَبَرَ يَقْتَضِي ثُبُوتَ مَدْلُولِهِ فِي الْخَارِجِ، وَيَكُونُ هُوَ حِكَايَةً عَنْهُ (قَوْلُهُ: عَلَى الْمُبَاحِ) الْأَنْسَبُ عَلَى الْإِبَاحَةِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَمْرِ فِيهِ) أَيْ قَوْلَهُ وَالْأَمْرُ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ تَكْرَارٌ عَلَى مَا قَرَّرَهُ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ تَقْدِيمَ الْإِيجَابِ عَلَى الْإِبَاحَةِ مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِهِ وَالْوُجُوبُ إلَى قَوْلِهِ عَلَى الْمُبَاحِ فَفِي ذَلِكَ تَكْرَارٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ اهـ. زَكَرِيَّا.
قَالَ سم يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ عِلْمَهُ مِنْ ذَلِكَ بِطَرِيقِ اللُّزُومِ؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَهُ عَلَى النَّدْبِ الْمُقَدَّمِ عَلَى الْإِبَاحَةِ يُوجِبُ تَقْدِيمَهُ عَلَى الْإِبَاحَةِ؛ لِأَنَّ الْمُقَدَّمَ عَلَى الْمُقَدَّمِ مُقَدَّمٌ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ التَّصْرِيحَ بِاللَّازِمِ مِنْ التَّكْرَارِ الْقَبِيحِ بَلْ فِيهِ تَنْبِيهٌ إذْ قَدْ يَغْفُلُ أَنَّ الْمُقَدَّمَ عَلَى الْمُقَدَّمِ عَلَى شَيْءٍ مُقَدَّمٌ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَنَافِي الْحَدِّ إلَخْ)