{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ} [النساء: 115] الْآيَةَ تَوَعَّدَ فِيهَا عَلَى اتِّبَاعِ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ فَيَجِبُ اتِّبَاعُ سَبِيلِهِمْ وَهُوَ قَوْلُهُمْ أَوْ فِعْلُهُمْ فَيَكُونُ حُجَّةً وَقِيلَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59] اقْتَصَرَ عَلَى

ـــــــــــــــــــــــــــــQكَوْنَهُ حُجَّةً مُفَرَّعٌ عَلَى إمْكَانِهِ وَفِيهِ أَنَّ الْحُجَّةَ فَرْعُ الْوُقُوعِ لَا الْإِمْكَانِ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْإِمْكَانُ الْوُقُوعِيُّ (قَوْلُهُ: مَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ الْآيَةَ) وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهُ تَعَالَى جَمَعَ بَيْنَ مُشَاقَّةِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهِيَ مُخَالَفَتُهُ الْحَرَامُ وَبَيْنَ اتِّبَاعِ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْوَعِيدِ فَتَكُونُ مُتَابَعَةُ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ مُحَرَّمَةً وَإِلَّا لَمَا جَمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُشَاقَّةِ الْمُحَرَّمَةِ فِي تَرَتُّبِ الْوَعِيدِ عَلَيْهِ لِامْتِنَاعِ تَرَتُّبِهِ عَلَى الْمُبَاحِ، وَمُتَابَعَةُ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ مُتَابَعَةُ قَوْلٍ أَوْ فَتْوَى تُخَالِفُ قَوْلَهُمْ وَفَتْوَاهُمْ فَيَجِبُ اتِّبَاعُ سَبِيلِهِمْ أَيْ وَمُتَابَعَةُ قَوْلِهِمْ وَفَتْوَاهُمْ إذْ لَا مَخْرَجَ عَنْ الْقِسْمَيْنِ فَإِذَا حُرِّمَ أَحَدُهُمَا وَهُوَ اتِّبَاعُ غَيْرِ سَبِيلِهِمْ وَجَبَ الْآخَرُ وَهُوَ اتِّبَاعُ سَبِيلِهِمْ وَهُوَ الْمَعْنَى بِالْإِجْمَاعِ وَذَلِكَ لِأَنَّ سَبِيلَهُمْ وَغَيْرَهُ نَقِيضَانِ فَإِذَا تُرِكَا يَلْزَمُ ارْتِفَاعُهُمَا فَلَا خُرُوجَ عَنْهُمَا أَفَادَهُ الْجَارْبُرْدِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ

قَالَ الْبُدَخْشِيُّ، وَقَدْ كَانَ بُرْهَةً يَخْتَلِجُ فِي ذِهْنِي أَنَّ الْمُشَاقَّةَ وَإِنْ اسْتَقَلَّتْ لَكِنْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ حُرْمَةُ مُخَالَفَةِ الْمُؤْمِنِينَ مَشْرُوطَةً بِاجْتِمَاعِهَا مَعَ الْمُشَاقَّةِ، فَتَرَتُّبُ الْوَعِيدِ عَلَى الْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُخَالَفَةَ لَيْسَتْ بِحَرَامٍ إلَّا بِالضَّمِّ إلَى الْمُشَاقَّةِ لَا مِنْ حَيْثُ الْعَكْسُ اهـ.

وَفِي الْبُرْهَانِ أَنَّ مِمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ} [النساء: 115] الْآيَةَ فَإِذَا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى حُكْمٍ فِي قَضِيَّةٍ فَمَنْ خَالَفَهُمْ فَقَدْ شَاقَّهُمْ وَاتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِهِمْ وَتَعَرَّضَ لِلْوَعِيدِ الْمَذْكُورِ فِي سِيَاقِ الْخِطَابِ، وَقَدْ أَكْثَرَ الْمُعْتَرِضُونَ، وَظَنِّي أَنَّ مُعْظَمَ تِلْكَ الِاعْتِرَاضَاتِ الْفَاسِدَةِ تَكَلَّفَهَا الْمُصَنِّفُونَ حَتَّى تَنْتَظِمَ لَهُمْ أَجْوِبَةٌ عَنْهَا وَلَسْتُ لِأَمْثَالِهَا بَلْ أُوَجِّهُ سُؤَالًا وَاحِدًا يُسْقِطُ الِاسْتِدْلَالَ بِالْآيَةِ.

فَأَقُولُ الظَّاهِرُ أَنَّ الرَّبَّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَرَادَ بِذَلِكَ مَنْ أَرَادَ الْكُفْرَ وَتَكْذِيبَ الْمُصْطَفَى صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ وَالْحَيْدَ عَنْ سُنَنِ الْحَقِّ وَتَرْتِيبَ الْمَعْنَى {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 115] الْمُقْتَدِينَ بِهِ {نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى} [النساء: 115] فَإِنْ سُلِّمَ ظُهُورُ ذَلِكَ فَذَلِكَ وَإِلَّا هُوَ وَجْهٌ فِي التَّأْوِيلِ لَائِحٌ وَمَسْلَكٌ لِلْإِمْكَانِ وَاضِحٌ فَلَا يَبْقَى لِلْمُتَمَسِّكِ بِالْآيَةِ إلَّا ظَاهِرٌ مُعْتَرِضٌ لِلتَّأْوِيلِ وَلَا يُسَوَّغُ التَّمَسُّكُ بِالْمُحْتَمَلَاتِ فِي مُطَالَبِ الْقَطْعِ وَلَيْسَ عَلَى الْمُعْتَرِضِ إلَّا أَنْ يُظْهِرَ وَجْهًا فِي الْإِمْكَانِ وَلَا يَقُومُ لِلْمُحَصِّلِ عَنْ هَذَا جَوَابٌ إنْ أَنْصَفَ، وَإِنْ تَمَسَّك مُثْبِتُو الْإِجْمَاعِ بِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى الضَّلَالَةِ»

وَقَدْ رَوَى الرُّوَاةُ هَذَا الْمَعْنَى بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ فَلَسْت أَرَى لِلتَّمَسُّكِ بِذَلِكَ وَجْهًا؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ فَلَا يَجُوزُ التَّعَلُّقُ بِهَا فِي الْقَطْعِيَّاتِ، وَقَدْ تَكَرَّرَ هَذَا مِرَارًا وَلَا حَاصِلَ لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ مُتَلَقَّاةٌ بِالْقَبُولِ فَإِنَّ الْمَقْصِدَ مِنْ ذَلِكَ يُؤَوَّلُ إلَى أَنَّ الْحَدِيثَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَقُصَارَاهُ إثْبَاتُ الْإِجْمَاعِ بِالْإِجْمَاعِ، عَلَى أَنَّهُ لَا تَسْتَتِبُّ هَذِهِ الدَّعْوَى أَيْضًا مَعَ اخْتِلَافِ النَّاسِ فِي الْإِجْمَاعِ، ثُمَّ الْأَحَادِيثُ مُعَرَّضَةٌ لِتَأْوِيلَاتٍ قَرِيبَةِ الْمَأْخَذِ مُمْكِنَةٍ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى الضَّلَالَةِ» إشَارَةٌ مُشْعِرَةٌ بِالْغَيْبِ فِي مُسْتَقْبِلِ الزَّمَانِ مُؤْذِنَةٌ بِأَنَّ أُمَّتَهُ لَا تَرْتَدُّ إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015