كَالْإِجْمَاعِ عَلَى أَكْلِ طَعَامٍ وَاحِدٍ، وَقَوْلِ كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا لَا جَامِعَ لَهُمْ عَلَيْهِ لِاخْتِلَافِ شَهَوَاتِهِمْ وَدَوَاعِيهِمْ بِخِلَافِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ إذْ يَجْمَعُهُمْ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ (وَ) الصَّحِيحُ (أَنَّهُ) بَعْدَ إمْكَانِهِ (حُجَّةٌ) فِي الشَّرْعِ قَالَ تَعَالَى
ـــــــــــــــــــــــــــــQإحْضَارُ سَائِرِ الْمَمَالِيكِ بِجَوَازِمِ أَوَامِرِهِ الْمُنْفَذَةِ إلَى مُلُوكِ الْأَطْرَافِ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مُمْكِنًا فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَجْمَعَ مِثْلُ هَذَا الْمَلِكِ الْعَظِيمِ عُلَمَاءَ الْعَالَمِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ يُلْقِيَ عَلَيْهِمْ مَا عَنَّ لَهُ مِنْ الْمَسَائِلِ وَيَقِفَ عَلَى وِفَاقِهِمْ وَخِلَافِهِمْ فَهَذَا وَجْهٌ فِي الصُّورَتَيْنِ لَا يَتَوَقَّفُ تَصَوُّرُهُ عَلَى فَرْضِ خَرْقِ الْعَادَةِ فَهَذَا مُنْتَهَى كَلَامِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَنَحْنُ نُفَصِّلُ الْآنَ الْقَوْلَ مِنْ ذَلِكَ قَائِلِينَ لَا يَمْتَنِعُ الْإِجْمَاعُ عِنْدَ ظُهُورِ دَوَاعٍ مُسْتَحِثَّةٍ عَلَيْهِ دَاعِيَةٍ إلَيْهِ وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ كُلُّ أَمْرٍ كُلِّيٍّ يَتَعَلَّقُ بِقَوَاعِدِ الْعَقَائِدِ فِي الْمِلَلِ فَإِنَّ عَلَى الْقُلُوبِ رَوَابِطَ فِي أَمْثَالِهَا حَتَّى كَانَ نَوَاصِي الْعُقَلَاءِ تَحْتَ رِبْقَةِ الْأُمُورِ الْعَظِيمَةِ الدِّينِيَّةِ وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي إجْمَاعِ جَمْعِ الْكُفَّارِ عَلَى أَدْيَانِهِمْ وَمِنْهُ اجْتِمَاعُ اتِّبَاعِ الْإِمَامِ عَلَى مَذْهَبِهِ فَإِنَّ كُلَّ مَنْ رَأَّسَهُ الزَّمَانُ تُصْرَفُ إلَيْهِ قُلُوبُ الْأَتْبَاعِ وَبِذَلِكَ يَتَّصِلُ النِّظَامُ وَهُوَ مُتَبَيِّنٌ فِي الْخَفِيِّ وَالْجَلِيِّ وَمَا صَوَّرَهُ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ إحْضَارِ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ لَيْسَ مُنْكَرًا فَقَدْ تَكُونُ أَطْرَافُ الْمَمَالِكِ فِي حَقِّ الْمَلِكِ الْمُعَظَّمِ كَأَنَّهَا بِمَرْأًى مِنْهُ وَمُسْتَمَعٍ فَلَا يَبْعُدُ مَا قَالَهُ عَلَى مَا صَوَّرَهُ.
وَأَمَّا فَرْضُ اجْتِمَاعٍ عَلَى حُكْمٍ مَظْنُونٍ فِي مَسْأَلَةٍ فَرْدَةٍ لَيْسَتْ مِنْ كُلِّيَّاتِ الدِّينِ مَعَ تَفَرُّقِ الْعُلَمَاءِ وَاسْتِقْرَارِهِمْ فِي أَمَاكِنِهِمْ وَانْتِفَاءِ دَاعِيَةٍ تَقْتَضِي جَمْعَهُمْ فَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ مَعَ اطِّرَادِ الْعَادَةِ أَفَادَ أَنَّ مَنْ أَطْلَقَ التَّصَوُّرَ وَعَدَمَ التَّصَوُّرِ فَهُوَ زَالٌّ وَالْكَلَامُ الْمُفَصَّلُ إذَا أُطْلِقَ نَفْيُهُ أَوْ إثْبَاتُهُ كَانَ خَلَفًا وَمَنْ ظَنَّ أَنَّ تَصْوِيرَ الْإِجْمَاعِ وُقُوعًا فِي زَمَانِنَا هَذَا فِي آحَادِ الْمَسَائِلِ الْمَظْنُونَةِ مَعَ انْتِفَاءِ الدَّوَاعِي الْجَامِعَةِ هَيِّنٌ فَلَيْسَ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ أَمْرِهِ
نَعَمْ مَسَائِلُ الْإِجْمَاعِ جَرَتْ مِنْ صَحْبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَكْرَمِينَ وَهُمْ مُجْتَمِعُونَ أَوْ مُتَقَارِبُونَ فَهَذَا مُنْتَهَى الْغَرَضِ فِي تَصْوِيرِ الْإِجْمَاعِ، هَذَا كَلَامُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ سُقْنَاهُ بِعِبَارَتِهِ، وَلَمْ نُبَالِ بِالتَّطْوِيلِ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ رُكْنٌ عَظِيمٌ مِنْ أَرْكَانِ الدِّينِ، وَقَدْ كَشَفَ الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْهُ الْغِطَاءَ وَشَفَى بِشَرْحِهِ الصُّدُورَ بِعِبَارَاتِهِ الرَّشِيقَةِ الْجَامِعَةِ لِلْمَعَانِي الْأَنِيقَةِ. (قَوْلُهُ: كَالْإِجْمَاعِ عَلَى أَكْلِ إلَخْ) تَنْظِيرٌ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْإِجْمَاعِ عَلَى الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ (قَوْلُهُ: فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ) يَرْجِعُ لِلِاثْنَيْنِ قَبْلَهُ (قَوْلُهُ: وَلَا جَامِعَ لَهُمْ عَلَيْهِ) أَيْ لَا مُقْتَضَى لِلْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ فَهُوَ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ (قَوْلُهُ: وَأَنَّهُ بَعْدَ إمْكَانِهِ حُجَّةٌ) أَشَارَ إلَى أَنَّ