(وَمَنَعَ) إبْرَاهِيمُ (الْحَرْبِيُّ وَأَبُو الشَّيْخِ) الْأَصْفَهَانِيُّ (وَالْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَالْمَاوَرْدِيُّ الْإِجَازَةَ) أَقْسَامَهَا السَّابِقَةَ (وَ) مَنَعَ (قَوْمٌ الْعَامَّةَ مِنْهَا) دُونَ الْخَاصَّةِ (وَ) مَنَعَ (الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ) إجَازَةَ (مَنْ يُوجَدُ مِنْ نَسْلِ زَيْدٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى مَنْعِ) إجَازَةِ (مَنْ يُوجَدُ مُطْلَقًا) أَيْ مِنْ غَيْرِ التَّقْيِيدِ بِنَسْلِ فُلَانٍ وَعَطَفَ الْأَقْسَامَ بِالْفَاءِ إشَارَةً إلَى أَنَّ كُلَّ قِسْمٍ دُونَ مَا يَلِيهِ فِي الرُّتْبَةِ وَمِنْ ذَلِكَ مَعَ حِكَايَةِ الْخِلَافِ فِي الْإِجَازَةِ يُسْتَفَادُ حِكَايَةُ خِلَافٍ فِيمَا بَعْدَهَا وَهُوَ الصَّحِيحُ (وَأَلْفَاظُ) الرِّوَايَةُ أَوْ الْأَلْفَاظُ الَّتِي تُؤَدَّى بِهَا الرِّوَايَةُ (مِنْ صِنَاعَةِ الْمُحَدِّثِينَ) فَلْيَطْلُبْهَا مِنْهُمْ مَنْ يُرِيدُهَا مِنْهَا عَلَى تَرْتِيبِ مَا تَقَدَّمَ: أَمْلَى عَلَيَّ، حَدَّثَنِي، قَرَأْت عَلَيْهِ، قُرِئَ عَلَيْهِ، وَأَنَا أَسْمَعُ، أَخْبَرَنِي إجَازَةً وَمُنَاوَلَةً، أَخْبَرَنِي إجَازَةً، أَنْبَأَنِي مُنَاوَلَةً، أَخْبَرَنِي إعْلَامًا، أَوْصَى إلَيَّ، وَجَدْت بِخَطِّهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَمَّا الْعَمَلُ بِهَا فَنُقِلَ عَنْ مُعْظَمِ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ الْمَالِكِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَنُظَّارِ أَصْحَابِهِ جَوَازُهُ وَبَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ الشَّافِعِيَّةِ بِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِهَا عِنْدَ حُصُولِ الثِّقَةِ بِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي لَا يَتَّجِهُ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ غَيْرُهُ وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ إنَّهُ لَوْ تَوَقَّفَ الْعَمَلُ بِهَا عَلَى الرِّوَايَةِ لَانْسَدَّ بَابُ الْعَمَلِ بِالْمَنْقُولِ لِتَعَذُّرِ شُرُوطِهِ، قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ لِلْعَمَلِ بِالْوِجَادَةِ «أَيُّ الْخَلْقِ أَعْجَبُ إيمَانًا؟ قَالُوا الْمَلَائِكَةُ. قَالَ وَكَيْفَ لَا يُؤْمِنُونَ وَهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ؟ قَالُوا الْأَنْبِيَاءُ. قَالَ وَكَيْفَ لَا يُؤْمِنُونَ وَهُمْ يَأْتِيهِمْ الْوَحْيُ؟ قَالُوا فَنَحْنُ. قَالَ وَكَيْفَ لَا تُؤْمِنُونَ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ قَالُوا فَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ قَوْمٌ يَأْتُونَ مِنْ بَعْدِكُمْ يَجِدُونَ صُحُفًا يُؤْمِنُونَ بِمَا فِيهَا» . قَالَ وَهَذَا اسْتِنْبَاطٌ حَسَنٌ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَمَنَعَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ إلَخْ) قَالُوا مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ أَجَزْت لَك أَنْ تَرْوِيَ عَنِّي مَا لَمْ تَسْمَعْ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَجَزْت لَك أَنْ تَكْذِبَ عَلَيَّ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَا يُبِيحُ رِوَايَةَ مَا لَمْ يُسْمَعْ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ إمَامِنَا الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَحَكَاهُ الْآمِدِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَبِي يُوسُفَ نَقَلَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ إنَّهَا بِدْعَةٌ غَيْرُ جَائِزَةٍ، ثُمَّ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِهَا لَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ فَلَوْ وَرَدَ الْمُجَازُ قَالَ السُّيُوطِيّ الَّذِي يَنْقَدِحُ فِي النَّفْسِ الصِّحَّةُ، وَكَذَا لَوْ رَجَعَ الشَّيْخُ عَنْ الْإِجَازَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنْ قُلْنَا الْإِجَازَةُ إخْبَارٌ فَلَمْ يَضُرَّ الرَّدُّ وَلَا الرُّجُوعُ، وَإِنْ قُلْنَا إذْنٌ وَإِبَاحَةٌ ضَرَّ كَالْوَقْفِ وَالْوَكَالَةِ وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الظَّاهِرُ، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ.
(خَاتِمَةٌ مُهِمَّةٌ) قَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ فِي الْأَوْسَطِ ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ كَافَّةً إلَى أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ الْعَمَلُ بِالْحَدِيثِ عَلَى سَمَاعِهِ بَلْ إذَا صَحَّ عِنْدَهُ النُّسْخَةُ جَازَ لَهُ الْعَمَلُ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ، وَحَكَى الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ الْإِجْمَاعَ عَلَى جَوَازِ النَّقْلِ مِنْ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ اتِّصَالُ السَّنَدِ إلَى مُصَنِّفِهَا وَذَلِكَ شَامِلٌ لِكُتُبِ الْأَحَادِيثِ وَالْفِقْهِ، وَقَالَ الطَّبَرِيُّ مَنْ وَجَدَ حَدِيثًا فِي كِتَابٍ صَحِيحٍ جَازَ لَهُ أَنْ يَرْوِيَهُ وَيَحْتَجُّ بِهِ، وَقَالَ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَرْوِيَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ وَهَذَا غَلَطٌ، وَكَذَا حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ عَنْ بَعْضِ الْمُحَدِّثِينَ، وَقَالَ هُمْ عُصْبَةٌ لَا مُبَالَاةَ بِهِمْ اهـ.
وَكَتَبَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ جَوَابًا عَنْ سُؤَالٍ كَتَبَهُ إلَيْهِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَمِيدِ وَأَمَّا الِاعْتِمَادُ عَلَى كُتُبِ الْفِقْهِ الصَّحِيحَةِ الْمَوْثُوقِ بِهَا فَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْعَصْرِ عَلَى جَوَازِ الِاعْتِمَادِ عَلَيْهَا وَالِاسْتِنَادِ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الثِّقَةَ قَدْ حَصَلَتْ بِهَا كَمَا تَحْصُلُ بِالرِّوَايَةِ وَبُعْدُ التَّدْلِيسِ وَمَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ النَّاسَ قَدْ اتَّفَقُوا عَلَى الْخَطَأِ فِي ذَلِكَ فَهُوَ أَوْلَى بِالْخَطَأِ مِنْهُمْ، وَلَوْلَا جَوَازُ الِاعْتِمَادِ عَلَى ذَلِكَ
لَتَعَطَّلَ
كَثِيرٌ مِنْ الْمَصَالِحِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَا، وَقَدْ رَجَعَ الشَّارِعُ إلَى قَوْلِ الْأَطِبَّاءِ فِي صُوَرٍ وَلَيْسَتْ كُتُبُهُمْ مَأْخُوذَةً فِي الْأَصْلِ إلَّا عَنْ قَوْمٍ كُفَّارٍ وَلَكِنْ لَمَّا بَعُدَ التَّدْلِيسُ فِيهَا اُعْتُمِدَ عَلَيْهَا كَمَا اُعْتُمِدَ فِي اللُّغَةِ عَلَى أَشْعَارِ الْعَرَبِ وَهُمْ كُفَّارٌ لِبُعْدِ التَّدْلِيسِ قَالَ وَكُتُبُ الْحَدِيثِ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ وَغَيْرِهَا لِاعْتِنَائِهِمْ بِضَبْطِ النُّسَخِ وَتَحْرِيرِهَا فَمَنْ قَالَ إنَّ شَرْطَ التَّخْرِيجِ مِنْ كِتَابٍ يَتَوَقَّفُ عَلَى اتِّصَالِ السَّنَدِ إلَيْهِ فَقَدْ خَرَقَ الْإِجْمَاعَ وَغَايَةُ الْمُخَرِّجُ أَنْ يَنْقُلَ الْحَدِيثَ مِنْ أَصْلٍ مَوْثُوقٍ بِصِحَّتِهِ وَيَنْسُبَهُ إلَى مَنْ رَوَاهُ وَيَتَكَلَّمَ عَلَى عِلَّتِهِ وَغَرِيبِهِ وَفِقْهِهِ قَالَ وَلَيْسَ النَّاقِلُ لِلْإِجْمَاعِ مَشْهُورًا بِالْعِلْمِ مِثْلَ اشْتِهَارِ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ بَلْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الرِّسَالَةِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُحَدِّثَ بِالْخَبَرِ، وَإِنْ لَمْ