ـــــــــــــــــــــــــــــQيُعْلَمْ أَنَّهُ سَمِعَهُ فَلَيْتَ شِعْرِي أَيُّ إجْمَاعٍ بَعْدَ ذَلِكَ اهـ.
وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ فُرُوعًا جَلِيلَةً مُتَفَرِّعَةً عَلَى اعْتِمَادِ الْكِتَابَةِ مِنْهَا أَنَّ عَمَلَ النَّاسِ الْيَوْمَ عَلَى النَّقْلِ مِنْ الْكُتُبِ وَنِسْبَةِ مَا فِيهَا إلَى مُصَنِّفِيهَا قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ لَا يَقُولُ قَالَ فُلَانٌ إلَّا إذَا وَثِقَ بِصِحَّةِ النُّسْخَةِ وَإِلَّا فَلْيَقُلْ بَلَغَنِي عَنْ فُلَانٍ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ وَمِنْ ثَمَّ بَعَثَ الْقَاضِي بَكَّارَ شَاهِدَيْنِ إلَى الْمُزَنِيّ لِيَشْهَدَا عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ فِي كَلَامٍ رَآهُ فِي الْمُخْتَصَرُ فَلَمَّا شَهِدَ قَالَ الْآنَ وَثَّقْت نَفْسِي قَالَ الْمُصَنِّفُ وَهَذَا كَانَ مِنْهُ وَرَعًا، وَإِنْ كَانَ فِي أَوَائِلِ الْحَالِ حَيْثُ لَمْ يَنْتَشِرْ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ انْتِشَارَهُ الْآنَ، وَأَمَّا الْآنَ فَالتَّحَرِّي فِي مِثْلِ ذَلِكَ وَسْوَسَةٌ، وَمِنْهَا إذَا وَلَّى الْإِمَامُ رَجُلًا كَتَبَ لَهُ عَهْدًا أَوْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ عَدْلَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ لَمْ يَلْزَمْ النَّاسَ طَاعَتُهُ إلَّا أَنْ يُصَدِّقُوهُ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فِي الْحَاوِي وَقِيلَ يَكْتَفِي بِالْكِتَابِ قَالَ الْإِمَامُ بِشَرْطِ ظُهُورِ الصِّدْقِ فِي مَخَائِلِهِ، وَقَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ الِاسْتِفَاضَةُ تَكْفِي قَالَ الْمُصَنِّفُ الْأَرْجَحُ الِاكْتِفَاءُ إنْ حَصَلَ بِهِ ظَنُّ الْوِلَايَةِ وَمِنْهَا إذَا وُجِدَ مَعَ اللَّقِيطِ رُقْعَةٌ فِيهَا أَنَّ تَحْتَهُ دَفِينًا وَأَنَّهُ لَهُ فَفِي اعْتِمَادِهَا وَجْهَانِ وَمِنْهَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فِي آخِرِ الضَّمَانِ إذَا كَتَبَ سَفْتَجَةً بِلَفْظِ الْحَوَالَةِ وَرُدَّتْ عَلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ لَزِمَهُ أَدَاؤُهَا إذَا اعْتَرَفَ بِالْكِتَابِ وَالدَّيْنِ اعْتِمَادًا عَلَى الْعُرْفِ وَلِتَعَذُّرِ الْوُصُولِ إلَى الْأَدَاءِ، وَمِنْهَا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ مَنْ كَتَبَ سَلَامًا فِي كِتَابٍ وَجَبَ عَلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ رَدُّ السَّلَامِ إذَا بَلَغَهُ قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَالْوَاحِدِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَزَادَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّهُ يَجِبُ الرَّدُّ عَلَى الْفَوْرِ وَعَزَاهُ إلَى الْمُتَوَلِّي وَالْوَاحِدِيِّ وَالرَّافِعِيِّ، وَمِنْهَا أَنَّهُ يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَى خَطِّ الْمُفْتِي قَالَهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي فَتَاوِيهِ، وَمِنْهَا أَنَّهُ يَجُوزُ اعْتِمَادُ الرَّاوِي عَلَى سَمَاعِ جُزْءٍ وَجَدَ اسْمَهُ مَكْتُوبًا فِيهِ إذَا ظَنَّ ذَلِكَ بِالْمُعَاصَرَةِ وَاللُّقِيِّ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يَغْلِبُ عَلَيْهِ الظَّنُّ، وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَتَوَقَّفَ فِيهِ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي فَتَاوِيهِ وَلَا وَجْهَ لِلتَّوَقُّفِ فَهَذِهِ ظُنُونٌ مُعْتَضَدَةٌ بِالْقَرَائِنِ رُبَّمَا انْتَهَتْ إلَى الْقَطْعِ. اهـ.
(اسْتِطْرَادٌ) وَقَعَ بَيْنَ إمَامِنَا الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَبَيْنَ الْإِمَامِ إِسْحَاقَ بْنَ رَاهْوَيْهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُنَاظَرَةٌ حَكَمَ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّ جِلْدَ الْمَيْتَةِ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ فَطَالَبَهُ إِسْحَاقُ بِالدَّلِيلِ فَقَالَ حَدِيثَ مَيْمُونَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ هَلَّا انْتَفَعْتُمْ بِإِهَابِهَا فَاعْتَرَضَهُ إِسْحَاقُ بِحَدِيثِ ابْنِ عُكَيْمٍ «كَتَبَ إلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ أَنْ لَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ» ، قَالَ وَهَذَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ نَاسِخًا لِحَدِيثِ مَيْمُونَةَ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَهْرٍ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ هَذَا كِتَابٌ وَذَاكَ سَمَاعٌ فَقَالَ إِسْحَاقُ إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ إلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَكُتُبُهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ فَسَكَتَ الشَّافِعِيُّ قِيلَ وَكَانَتْ الْمُنَاظَرَةُ بِمَحْضَرِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فَمِنْ ثَمَّ رَجَعَ إلَى حَدِيثِ ابْنِ عُكَيْمٍ وَأَفْتَى بِهِ وَرَجَعَ إِسْحَاقُ إلَى حَدِيثِ الشَّافِعِيِّ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَشْبَاهِ إنَّ حُجَّةَ الشَّافِعِيِّ بَاقِيَةٌ فَإِنَّ هَذَا كِتَابٌ عَارَضَهُ سَمَاعٌ، وَإِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ أَنَّهُ مَسْبُوقٌ بِالسَّمَاعِ وَإِنَّمَا ظَنَّ ذَلِكَ ظَنًّا لِقُرْبِ التَّارِيخِ فَأَنَّى يَنْهَضُ بِالنَّسْخِ، أَمَّا كُتُبُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ فَلَمْ يُعَارِضْهَا شَيْءٌ بَلْ عَضَّدَتْهَا الْقَرَائِنُ وَسَاعَدَهَا التَّوَاتُرُ الدَّالُّ عَلَى أَنَّ هَذَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَاءَ بِالدَّعْوَةِ إلَى مَا فِي هَذَا الْكِتَابِ وَلَعَلَّ سُكُوتَ الشَّافِعِيِّ تَسْجِيلٌ عَلَى إِسْحَاقَ بِأَنَّ اعْتِرَاضَهُ فَاسِدُ الْوَضْعِ فَلَمْ يَسْتَحِقَّ عِنْدَهُ جَوَابًا وَرُبَّ سُكُوتٍ أَبْلَغُ مِنْ نُطْقٍ وَمِنْ ثَمَّ رَجَعَ إلَيْهِ إِسْحَاقُ وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ السُّكُوتُ لِقِيَامِ الْحُجَّةِ لَأَكَّدَ ذَلِكَ مَا عِنْدَ إِسْحَاقَ اهـ.
[الْكِتَابُ الثَّالِثُ فِي الْإِجْمَاعِ مِنْ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ]
(الْكِتَابُ الثَّالِثُ فِي الْإِجْمَاعِ) .
(قَوْلُهُ: مِنْ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ) مُتَعَلِّقٌ بِالثَّالِثِ وَلَوْ جَعَلَهُ عَقِبَهُ كَانَ أَوْلَى وَيَجُوزُ جَعْلُهُ حَالًا لَازِمَةً مِنْ الْإِجْمَاعِ وَلَا يُنَافِيهِ كَوْنُ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ يَكُونُ شَرْعِيًّا كَحِلِّ النِّكَاحِ وَلُغَوِيًّا كَكَوْنِ الْفَاءِ لِلتَّعْقِيبِ وَعَقْلِيًّا كَحُدُوثِ الْعَالَمِ