نَسْخِ الْأَصْلِ، وَقِيلَ: نَسْخُ الْأَصْلِ لَا يَسْتَلْزِمُ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ كَمَلْزُومٍ بِخِلَافِ نَسْخِ الْفَحْوَى، وَاعْلَمْ أَنَّ اسْتِلْزَامَ نَسْخِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ يُنَافِي مَا صَحَّحَهُ مِنْ جَوَازِ نَسْخِ كُلٍّ مِنْهُمَا دُونَ الْآخَرِ، فَإِنَّ الِامْتِنَاعَ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاسْتِلْزَامِ، وَالْجَوَازُ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِهِ، وَقَدْ اقْتَصَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ عَلَى الْجَوَازِ مَعَ مُقَابِلِهِ وَالْبَيْضَاوِيُّ عَلَى الِاسْتِلْزَامِ وَجَمَعَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَهُمَا كَأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ الْآمِدِيِّ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ نَسْخِ الْأَصْلِ دُونَ الْفَحْوَى، وَالْفَحْوَى دُونَ الْأَصْلِ غَيْرَ أَنَّ الْأَكْثَرَ عَلَى أَنَّ نَسْخَ الْأَصْلِ يُفِيدُ نَسْخَ الْفَحْوَى إلَخْ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْعَكْسِ أَيْضًا فَكَأَنَّهُ سَرَى إلَى ذِهْنِ الْمُصَنِّفِ مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلِ أَنَّ الْخِلَافَ الثَّانِيَ مُفَرَّعٌ عَلَى الْجَوَازِ مِنْ الْأَوَّلِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ بَيَانُ الْمَأْخَذِ الْأَوَّلِ الْمُفِيدِ أَنَّ الْأَكْثَرَ عَلَى الِامْتِنَاعِ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(وَ) يَجُوزُ (نَسْخُ الْمُخَالَفَةِ، وَإِنْ تَجَرَّدَتْ عَنْ أَصْلِهَا) أَيْ يَجُوزُ نَسْخُهَا مَعَ أَصْلِهَا وَبِدُونِهِ (لَا) نَسْخُ (الْأَصْلِ دُونَهَا) أَيْ فَلَا يَجُوزُ (فِي الْأَظْهَرِ) كَمَا قَالَهُ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ مِنْ احْتِمَالَيْنِ لَهُ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لَهُ فَتَرْتَفِعُ بِارْتِفَاعِهِ وَلَا يَرْتَفِعُ هُوَ بِارْتِفَاعِهَا، وَقِيلَ: يَجُوزُ تَبَعِيَّتُهَا لَهُ مِنْ حَيْثُ دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَيْهَا مَعَهُ لَا مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ مِثَالُ نَسْخِهَا دُونَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ نَسْخِ حَدِيثِ «إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» فَإِنَّ الْمَنْسُوخَ وَهُوَ مَفْهُومُهُ وَهُوَ أَنْ لَا غُسْلَ عِنْدَ عَدَمِ الْإِنْزَالِ، وَمِثَالُ نَسْخِهِمَا مَعًا
ـــــــــــــــــــــــــــــQالَّذِي وَعَدَ بِهِ وَهُوَ عَكْسُ الثَّالِثِ (قَوْلُهُ: وَاعْلَمْ) أَيْ يَا مَنْ يَأْتِي مِنْهُ الْعِلْمُ، وَغَرَضُ الشَّارِحِ بِذَلِكَ الِاعْتِرَاضُ عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ
(قَوْلُهُ: إنْ اسْتَلْزَمَ إلَخْ) أَيْ وَهُوَ كَلَامُ الْأَكْثَرِ، وَلَمْ يَقُلْ بِهِ الْمُصَنِّفُ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ، وَلَا مُنَافَاةَ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ الِامْتِنَاعَ) أَيْ امْتِنَاعَ نَسْخِ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ الْمُتَقَدِّمِ فِي قَوْلِهِ: وَقِيلَ: لَا فِيهِمَا وَقَوْلُهُ: عَلَى الِاسْتِلْزَامِ أَيْ اسْتِلْزَامِ نَسْخِ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ (قَوْلُهُ: وَالْجَوَازُ) أَيْ جَوَازُ نَسْخِ أَحَدِهِمَا بِدُونِ نَسْخِ الْآخَرِ، وَقَوْلُهُ: عَلَى عَدَمِهِ أَيْ عَدَمِ اسْتِلْزَامِ نَسْخِ أَحَدِهِمَا نَسْخَ الْآخَرِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الِالْتِفَاتَ إلَى الْوُقُوعِ دُونَ الْجَوَازِ خِلَافُ الْوَاقِعِ فِي كَلَامِهِمْ فَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ اقْتَصَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ عَلَى الْجَوَازِ مَعَ مُقَابِلِهِ) أَيْ حَيْثُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلِاسْتِلْزَامِ، وَإِنْ كَانَ مُخْتَارُهُ جَوَازَ نَسْخِ الْأَصْلِ دُونَ الْفَحْوَى كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الشَّارِحُ قَبْلُ (قَوْلُهُ: وَجَمْعُ الْمُصَنِّفِ) مُبْتَدَأٌ وَكَأَنَّهُ مَأْخُوذٌ خَبَرٌ (قَوْلُهُ: الْمُشْتَمِلَ) بِالنَّصْبِ نَعْتٌ لِنَسْخِ الْأَصْلِ أَوْ بِالْجَرِّ نَعْتٌ لِقَوْلِ الْآمِدِيِّ وَهُوَ أَظْهَرُ (قَوْلُهُ: عَلَى الْعَكْسِ أَيْضًا) أَيْ كَمَا يَشْتَمِلُ عَلَى الْقَضِيَّةِ الْأُولَى، وَهِيَ أَنَّ نَسْخَ الْأَصْلِ يُفِيدُ نَسْخَ الْفَحْوَى (قَوْلُهُ: أَنَّ الْخِلَافَ إلَخْ) فَاعِلُ سَرَى، وَالْخِلَافُ الثَّانِي هُوَ أَنَّ نَسْخَ أَحَدِهِمَا هَلْ يَسْتَلْزِمُ نَسْخَ الْآخَرِ أَوْ لَا، وَالْخِلَافُ الْأَوَّلُ هُوَ أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ نَسْخُ الْفَحْوَى دُونَ أَصْلِهِ كَعَكْسِهِ أَوْ يَمْتَنِعُ، وَالِامْتِنَاعُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الْآمِدِيِّ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاسْتِلْزَامِ الَّذِي حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْأَكْثَرِ، وَالْجَوَازُ الَّذِي رَجَّحَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ الِاسْتِلْزَامِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا خِلَافُ قَوْلِ الْأَكْثَرِ هَذَا وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَ مَا اخْتَارَهُ، وَمَا حَكَاهُ عَنْ الْأَكْثَرِ بِأَنَّ الْأَوَّلَ فِيمَا إذَا نَصَّ مَعَ نَسْخِ أَحَدِهِمَا عَلَى بَقَاءِ الْآخَرِ، وَالثَّانِي فِيمَا إذَا أَطْلَقَ اهـ. زَكَرِيَّا.
(قَوْلُهُ: بَلْ هُوَ إلَخْ) أَيْ بَلْ الْخِلَافُ الثَّانِي فِي اسْتِلْزَامِ نَسْخِ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ وَعَدَمِهِ بَيَانٌ لِمَأْخَذِ الْخِلَافِ الْأَوَّلِ فِي جَوَازِ نَسْخِ الْفَحْوَى دُونَ أَصْلِهِ كَعَكْسِهِ وَامْتِنَاعِهِ، وَالِامْتِنَاعُ عَلَى الِاسْتِلْزَامِ الْمَحْكِيِّ عَنْ الْأَكْثَرِ، وَالْجَوَازُ عَلَى عَدَمِهِ (قَوْلُهُ: الْمُقَيَّدُ) نَعْتٌ لِلْمَأْخَذِ (قَوْلُهُ: فَلْيُتَأَمَّلْ) يُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ الْمُصَنِّفِ بَعْدَ التَّأَمُّلِ فِي كَلَامِهِ أَنَّهُ لَمْ يَسُقْ الْخِلَافَ فِي الِاسْتِلْزَامِ عَلَى وَجْهِ التَّفْرِيعِ عَلَى الْجَوَازِ بَلْ سَاقَ قَوْلَ الْأَكْثَرِ بَعْدَ أَنْ مَشَى عَلَى تَصْحِيحِ الْجَوَازِ؛ إذْ الْوَاوُ لَا تَقْتَضِي تَفْرِيعًا فَتَأَمَّلْ اهـ. نَجَّارِيٌّ.
(قَوْلُهُ: الْمُخَالَفَةُ) أَيْ مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ وَقَوْلُهُ: وَإِنْ تَجَرَّدَتْ أَيْ نُسِخَتْ دُونَ أَصْلِهَا وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَبِدُونِهِ فَهُوَ بَيَانٌ لِلْغَايَةِ وَقَوْلُهُ أَيْ يَجُوزُ نَسْخُهَا مَعَ أَصْلِهَا بَيَانٌ لِلْمُغَيَّا (قَوْلُهُ: فِي الْأَظْهَرِ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ لَا الْأَصْلِ دُونَهَا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا) أَيْ الْمُخَالَفَةَ تَابِعَةٌ أَيْ فِي الْوُجُودِ لِأَصْلِهَا وَهُوَ الْمَنْطُوقُ فَتَتَبَّعْهُ فِي الِارْتِفَاعِ، وَلَا يَرْتَفِعُ هُوَ بِارْتِفَاعِهَا؛ إذْ رَفْعُ التَّابِعِ لَا يَسْتَلْزِمُ رَفْعَ الْمَتْبُوعِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ (قَوْلُهُ: لَا مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ) وَالنَّاسِخُ إنَّمَا يَرْفَعُ ذَاتَ الْحُكْمِ مِنْ حَيْثُ التَّعَلُّقِ، وَلَا مَدْخَلَ لَهُ فِي رَفْعِ الدَّلَالَةِ فَدَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَى