أَنْ يَنْسَخَ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي السَّائِمَةِ وَنَفْيَهُ فِي الْمَعْلُوفَةِ الدَّالِ عَلَيْهِمَا الْحَدِيثُ السَّابِقُ فِي الْمَفْهُومِ وَيَرْجِعُ الْأَمْرُ فِي الْمَعْلُوفَةِ إلَى مَا كَانَ قَبْلُ مِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ الْعَامُّ بَعْدَ الشَّرْعِ مِنْ تَحْرِيمٍ لِلْفِعْلِ إنْ كَانَ مَضَرَّةً أَوْ إبَاحَةً لَهُ إنْ كَانَ مَنْفَعَةً كَمَا يَرْجِعُ فِي السَّائِمَةِ إلَى مَا تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ إذَا نُسِخَ الْوُجُوبُ بِنَفْيِ الْجَوَازِ إلَخْ.
(وَلَا) يَجُوزُ (النَّسْخُ بِهَا) أَيْ بِالْمُخَالَفَةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ لِضَعْفِهَا مِنْ مُقَاوَمَةِ النَّصِّ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ: الصَّحِيحُ الْجَوَازُ؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى النُّطْقِ.
(وَ) يَجُوزُ (نَسْخُ الْإِنْشَاءِ وَلَوْ) كَانَ (بِلَفْظِ الْقَضَاءِ) وَخَالَفَ بَعْضُهُمْ فِيهِ لِقَوْلِهِ: إنَّ الْقَضَاءَ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِيمَا لَا يَتَغَيَّرُ نَحْوُ {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ} [الإسراء: 23] أَيْ أَمَرَ (أَوْ) بِلَفْظِ (الْخَبَرِ) نَحْوُ {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] أَيْ لِيَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ، وَخَالَفَ الدَّقَّاقُ فِي ذَلِكَ نَظَرًا إلَى اللَّفْظِ (أَوْ قَيَّدَ بِالتَّأْبِيدِ، وَغَيْرِهِ مِثْلَ صُومُوا أَبَدًا صُومُوا حَتْمًا) وَقِيلَ لَا لِمُنَافَاةِ النَّسْخِ لِلتَّأْبِيدِ وَالتَّحْتِيمِ، قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ وَيَتَبَيَّنُ بِوُرُودِ النَّاسِخِ أَنَّ الْمُرَادَ افْعَلُوا إلَى وُجُودِهِ كَمَا يُقَالُ لَازِمْ غَرِيمَك أَبَدًا أَيْ إلَى أَنْ يُعْطِيَ الْحَقَّ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِلَوْ إلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ (وَكَذَا الصَّوْمُ وَاجِبٌ مُسْتَمِرٌّ أَبَدًا إذَا قَالَهُ إنْشَاءً) فَإِنَّهُ يَجُوزُ نَسْخُهُ (خِلَافًا لِابْنِ الْحَاجِبِ) فِي مَنْعِهِ نَسْخَهُ دُونَ مَا قَبْلَهُ مِنْ صُومُوا أَبَدًا
ـــــــــــــــــــــــــــــQحُكْمِ الْمَنْطُوقِ لَمْ تَرْتَفِعْ وَإِنْ ارْتَفَعَ الْحُكْمُ مِنْ الْحَيْثِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ لِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ.
وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ إذَا ارْتَفَعَ تَعَلُّقُ حُكْمِ الْمَنْطُوقِ سَقَطَ اعْتِبَارُ دَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ فَسَقَطَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى اعْتِبَارِهَا مِنْ حُكْمِ الْمَفْهُومِ (قَوْلُهُ: أَنْ يَنْسَخَ وُجُوبَ الزَّكَاةِ) أَيْ بِرَفْعٍ وَيُزَالُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَيَرْجِعُ الْأَمْرُ، وَهَذَا عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِ وَالتَّقْدِيرِ (قَوْلُهُ: وَنَفْيُهُ) أَيْ وَيَنْسَخُ نَفْيُهُ بِمَعْنَى يُزَالُ (قَوْلُهُ: إلَى مَا كَانَ قَبْلُ) أَيْ قَبْلَ وُرُودِ الدَّلِيلِ الْمَنْسُوخِ (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ مَنْفَعَةً) وَفِي إخْرَاجِ الزَّكَاةِ عَنْ الْمَعْلُوفَةِ مَنْفَعَةٌ (قَوْلُهُ: الْجَوَازُ) أَيْ عَدَمُ الْحَرَجِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْإِبَاحَةَ الشَّرْعِيَّةَ.
(قَوْلُهُ: عَنْ مُقَاوَمَةِ النَّصِّ) أَيْ الَّذِي نُسِخَ مَدْلُولُهُ بِهَا، وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانَ الْمَنْسُوخُ نَصًّا، وَانْظُرْ إذَا كَانَ غَيْرَهُ (قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّيْخُ إلَخْ) نَبَّهَ بِهِ عَلَى أَنَّ جَزْمَ الْمُصَنِّفِ بِمَا قَالَهُ مُنْتَقَدٌ.
(قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ نَسْخُ الْإِنْشَاءِ) ذَكَرَهُ تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهُ، وَإِلَّا فَكَلَامُهُ السَّابِقُ فِيهِ؛ إذْ لَا يَقَعُ النَّسْخُ فِي غَيْرِ الْإِنْشَاءِ أَصْلًا؛ لِأَنَّ النَّسْخَ رَفْعُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، وَهُوَ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ بِلَفْظِ الْإِنْشَاءِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ بِلَفْظِ الْقَضَاءِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ مُقْتَرِنًا بِلَفْظِ الْقَضَاءِ؛ إذْ الْإِنْشَاءُ هُنَا أَلَا تَعْبُدُوا، وَأَمَّا قَضَى فَإِنَّهُ إخْبَارٌ (قَوْلُهُ: وَخَالَفَ بَعْضُهُمْ فِيهِ) أَيْ فِي الْإِنْشَاءِ إذَا كَانَ بِلَفْظِ الْقَضَاءِ (قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ) حَكَى تَعْلِيلَهُ إشَارَةً لِعَدَمِ ارْتِضَائِهِ عِنْدَهُ (قَوْلُهُ: أَوْ بِلَفْظِ الْخَبَرِ) وَهُوَ كَثِيرٌ جِدًّا فَمُخَالَفَةُ الدَّقَّاقِ بَعِيدَةٌ (قَوْلُهُ: نَظَرُ اللَّفْظِ) أَيْ فَإِنَّهُ فِي صُورَةِ الْخَبَرِ وَالصَّوَابُ أَنَّ الْمَنْظُورَ لَهُ الْمَعْنَى فَإِنْ قَالَ مَا عُدِلَ عَنْ صِيغَةِ الْإِنْشَاءِ إلَى لَفْظِ الْخَبَرِ إلَّا لِنُكْتَةٍ، وَهِيَ عَدَمُ نَسْخِ الْخَبَرِ قُلْنَا بِجَوْزِ أَنْ يَكُونَ الْعُدُولُ لِسُرْعَةِ امْتِثَالِ الْمُكَلَّفِ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَرَدَ الْإِنْشَاءُ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ كَانَ أَدْعَى لِلْمُكَلَّفِ فِي قَبُولِ الِامْتِثَالِ (قَوْلُهُ: بِالتَّأْبِيدِ وَغَيْرِهِ) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ (قَوْلُهُ: لِمُنَافَاةِ النَّسْخِ لِلتَّأْبِيدِ إلَخْ) مُنَافَاةُ النَّسْخِ لِلتَّأْبِيدِ ظَاهِرَةٌ فَإِنَّ التَّأْبِيدَ يَقْتَضِي الِاسْتِمْرَارَ وَالنَّسْخَ يُنَافِيهِ، وَأَمَّا مُنَافَاتُهُ لِلتَّحَتُّمِ فَلَيْسَتْ ظَاهِرَةً؛ إذْ الْوَاجِبُ قَبْلَ نَسْخِهِ كَانَ مُتَحَتِّمًا (قَوْلُهُ: إلَى وُجُودِهِ) أَيْ وُجُودِ النَّاسِخِ لِعِلْمِ اللَّهِ بِهِ، وَهَذَا عَلَى النَّسْخِ بَيَانٌ لِانْتِهَاءِ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرَ فَالْأَوْلَى عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ مَا لَوْ لَمْ أَنْهَكُمْ، وَأَوْرَدَ أَنَّ حَمْلَ صُومُوا أَبَدًا عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ صُومُوا إلَى وُرُودِ النَّاسِخِ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ قَرِينَةٍ فَلَا يُفِيدُ ذَلِكَ شَيْئًا فِي رَفْعِ الْمُنَافَاةِ.
وَالْجَوَابُ مَنْعُ ذَلِكَ بَلْ يُفِيدُ إذْ احْتِمَالُهُ لِهَذَا الْمَعْنَى يَمْنَعُ الْمُنَافَاةَ، وَالْقَرِينَةُ ظُهُورُ أَنَّ التَّكْلِيفَ إلَى مَشِيئَةِ الشَّارِعِ، وَأَنَّ لَهُ رَفْعَهُ مَتَى أَرَادَ حَيْثُ ثَبَتَ إمْكَانُ رَفْعِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا حَاجَةَ هُنَا إلَى قَرِينَةٍ فَإِنَّ الْمُكَلَّفَ مُطَالَبٌ بِالْمُكَلَّفِ بِهِ مُطْلَقًا إلَى أَنْ يَعْلَمَ سُقُوطَهُ عَنْهُ
(قَوْلُهُ: وَأُجِيب مُسْتَمِرٌّ) قَالَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ قَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ الْآتِي عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا اهـ. أَيْ فَيَتَأَتَّى مُخَالَفَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ مَعَ أَحَدِهِمَا اهـ. سم.
(قَوْلُهُ: إذَا قَالَهُ إنْشَاءً) وَأَمَّا إذَا قَالَهُ خَبَرًا