الْمُوَافَقَةِ بِقِسْمَيْهِ الْأَوَّلِيِّ وَالْمُسَاوِي (دُونَ أَصْلِهِ) أَيْ الْمَنْطُوقِ (كَعَكْسِهِ) أَيْ نَسْخِ أَصْلِ الْفَحْوَى دُونَهُ (عَلَى الصَّحِيحِ) فِيهِمَا؛ لِأَنَّ الْفَحْوَى وَأَصْلَهُ مَدْلُولَانِ مُتَغَايِرَانِ فَجَازَ نَسْخُ كُلٍّ مِنْهُمَا وَحْدَهُ كَنَسْخِ تَحْرِيمِ ضَرْبِ الْوَالِدَيْنِ دُونَ تَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ وَالْعَكْسِ، وَقِيلَ: لَا فِيهِمَا؛ لِأَنَّ الْفَحْوَى لَازِمٌ لِأَصْلِهِ فَلَا يُنْسَخُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِدُونِ الْآخَرِ لِمُنَافَاةِ ذَلِكَ اللُّزُومِ بَيْنَهُمَا، وَقِيلَ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ يَمْتَنِعُ الْأَوَّلُ لِامْتِنَاعِ بَقَاءِ الْمَلْزُومِ مَعَ نَفْيِ اللَّازِمِ بِخِلَافِ الثَّانِي لِجَوَازِ بَقَاءِ اللَّازِمِ مَعَ نَفْي الْمَلْزُومِ، وَلِقُوَّةِ جَوَازِ الثَّانِي أَتَى فِيهِ الْمُصَنِّفُ بِكَافٍ التَّشْبِيهِ دُونَ وَاوِ الْعَطْفِ لَكِنْ يُؤْخَذُ مِمَّا سَيَأْتِي حِكَايَةُ قَوْلٍ بِعَكْسِ الثَّالِثِ أَمَّا نَسْخُ الْفَحْوَى مَعَ أَصْلِهِ فَيَجُوزُ اتِّفَاقًا.
(وَ) يَجُوزُ (النَّسْخُ بِهِ) أَيْ بِالْفَحْوَى قَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَالْآمِدِيُّ اتِّفَاقًا، وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ - كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ - الْمَنْعَ بِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ قِيَاسٌ، وَأَنَّ الْقِيَاسَ لَا يَكُونُ نَاسِخًا (وَالْأَكْثَرُ أَنَّ نَسْخَ أَحَدِهِمَا) أَيْ الْفَحْوَى وَأَصْلِهِ أَيًّا كَانَ (يَسْتَلْزِمُ الْآخَرَ) أَيْ نَسْخَهُ؛ لِأَنَّ الْفَحْوَى لَازِمٌ لِأَصْلِهِ وَتَابِعٌ لَهُ وَرَفْعُ اللَّازِمِ يَسْتَلْزِمُ رَفْعَ الْمَلْزُومِ، وَرَفْعُ الْمَتْبُوعِ يَسْتَلْزِمُ رَفْعَ التَّابِعِ وَقِيلَ لَا يَسْتَلْزِمُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا الْآخَرَ؛ لِأَنَّ رَفْعَ التَّابِعِ لَا يَلْزَمُ رَفْعَ الْمَتْبُوعِ، وَرَفْعُ الْمَلْزُومِ لَا يَسْتَلْزِمُ رَفْعَ اللَّازِمِ، وَقِيلَ: نَسْخُ الْفَحْوَى لَا يَسْتَلْزِمُ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ تَابِعٌ بِخِلَافِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ لَا بُدَّ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: دُونَ أَصْلِهِ) كَأَنْ يُقَالَ لَا تَشْتُمْ زَيْدًا وَلَكِنْ اضْرِبْهُ وَهُوَ حَالٌ مِنْ الْفَحْوَى أَيْ حَالَ كَوْنِ الْفَحْوَى مُتَجَاوِزًا أَصْلُهُ (قَوْلُهُ: مَدْلُولَانِ) أَيْ لِلَّفْظِ لَكِنَّ أَحَدَهُمَا بِطَرِيقِ الْمَنْطُوقِ، وَالْآخَرُ بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا فِيهِمَا) أَيْ لَا يَجُوزُ نَسْخُ الْفَحْوَى دُونَ أَصْلِهِ وَعَكْسِهِ أَيْ لَا يَجُوزُ نَسْخُ أَحَدِهِمَا عَلَى انْفِرَادِهِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يَجُوزُ نَسْخُهُمَا مَعًا كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ، وَأَمَّا نَسْخُ الْفَحْوَى (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْفَحْوَى لَازِمٌ) أَيْ مُسَاوٍ (قَوْلُهُ: لِمُنَافَاةِ ذَلِكَ لِلُّزُومِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي اللَّازِمِ أَنْ يَكُونَ مُسَاوِيًا فِي الثُّبُوتِ وَالنَّفْي وَلِأَنَّ اللَّازِمَ مِنْ حَيْثُ هُوَ لَازِمٌ لَا يُوجَدُ بِدُونِ مَلْزُومِهِ (قَوْلُهُ: لِجَوَازِ بَقَاءِ اللَّازِمِ إلَخْ) بِأَنْ يَكُونَ لَازِمًا أَعَمَّ، وَالْتَفَتَ فِي هَذَا إلَى مُجَرَّدِ وَصْفِ اللُّزُومِ دُونَ التَّبَعِيَّةِ فَلَا يَرِدُ الْبَحْثُ بِأَنَّ جَوَازَ بَقَاءِ اللَّازِمِ بِدُونِ الْمَلْزُومِ فِي اللَّازِمِ الْعَقْلِيِّ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا التَّابِعُ، وَالتَّابِعُ يَسْتَحِيلُ بَقَاؤُهُ بِدُونِ مَتْبُوعِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَلِقُوَّةٍ إلَخْ) حَقُّهُ التَّفْرِيعُ بِالْفَاءِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ قُوَّتَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ مُسْتَبْعَدًا عِنْدَ الْعَقْلِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: أَتَى فِيهِ الْمُصَنِّفُ بِكَافِ التَّشْبِيهِ) أَيْ الَّتِي تَقْتَضِي قُوَّةَ مَدْخُولِهَا (قَوْلُهُ: لَكِنْ يُؤْخَذُ إلَخْ) هَذَا اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ لِقُوَّةٍ إلَخْ وَقَضِيَّةُ هَذَا الِاسْتِدْرَاكِ الْمُعَارَضَةُ أَيْ كَمَا أَنَّ الثَّانِيَ مَحْكِيٌّ فَسَيَأْتِي قَوْلٌ بِخِلَافِهِ (قَوْلُهُ: بِعَكْسِ الثَّالِثِ) أَيْ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ بِنَاءً عَلَى مُلَاحَظَةِ وَصْفِ التَّبَعِيَّةِ، وَالتَّابِعُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَابِعٌ لَا يُوجَدُ بِدُونِ مَتْبُوعِهِ بِخِلَافِ الْمَتْبُوعِ فَإِنَّهُ يُوجَدُ بِدُونِ تَابِعِهِ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ التَّبَعِيَّةِ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي التَّابِعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْهَا؛ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ لَا يَكُونُ إلَّا تَابِعًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: أَمَّا نَسْخُ الْفَحْوَى إلَخْ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ دُونَ أَصْلِهِ.
(قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّهُ قِيَاسٌ) أَيْ لِلْمَفْهُومِ عَلَى الْمَنْطُوقِ فَيَجْرِي فِيهِ مَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: وَالْأَكْثَرُ إلَخْ) هَذَا مِنْ تَعَلُّقَاتِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَهِيَ نَسْخُ الْفَحْوَى لَا الثَّانِيَةِ الَّتِي هِيَ النَّسْخُ بِالْفَحْوَى فَكَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمَ قَوْلِهِ: وَالْأَكْثَرُ إلَخْ عَلَى قَوْلِهِ: وَالنَّسْخُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ تَعَلُّقَاتِهِ كَمَا عَرَفْت إلَّا أَنْ يُقَالَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى النَّسْخِ بِهِ أَيْ الْفَحْوَى أَخَّرَهُ عَنْهُ (قَوْلُهُ: أَيْ الْفَحْوَى وَأَصْلُهُ) هَذَا تَفْسِيرٌ لِلضَّمِيرِ فِي أَحَدِهِمَا وَلِذَلِكَ عَطَفَ بِالْوَاوِ (قَوْلُهُ: وَرَفْعُ اللَّازِمِ إلَخْ) لَمْ يَقُلْ وَرَفْعُ التَّابِعِ يَسْتَلْزِمُ رَفْعَ الْمَتْبُوعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَقَوْلُهُ: وَرَفْعُ الْمَتْبُوعِ إلَخْ لَمْ يَقُلْ الْمَلْزُومُ يَسْتَلْزِمُ رَفْعَ اللَّازِمِ لِعَدَمِ صِحَّتِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ اللَّازِمَ قَدْ يَكُونُ أَعَمَّ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ رَفْعِ الْمَلْزُومِ رَفْعُهُ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يَسْتَلْزِمُ) وَهُوَ الْمُصَحَّحُ فِيمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِ الْمَتْنِ وَنَسْخُ الْفَحْوَى دُونَ أَصْلِهِ عَلَى الصَّحِيحِ وَقَوْلُ الْمَتْنِ هُنَا وَالْأَكْثَرُ أَنَّ نَسْخَ أَحَدِهِمَا يَسْتَلْزِمُ الْآخَرَ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْقَوْلُ بِالِامْتِنَاعِ وَهُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي الْمُتَقَدِّمُ فِي قَوْلِهِ وَقِيلَ لَا فِيهِمَا فَتَعْلِيلُ الشَّارِحِ لَهُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْفَحْوَى لَازِمٌ لِأَصْلِهِ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ الْمَتْنِ هُنَا وَالْأَكْثَرُ أَنَّ نَسْخَ أَحَدِهِمَا يَسْتَلْزِمُ الْآخَرَ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ نَسْخُ الْفَحْوَى) هَذَا هُوَ الرَّابِعُ