الْكِتَابِ إلَّا بِالْكِتَابِ
وَإِنْ كَانَ ثَمَّ سُنَّةٌ نَاسِخَةٌ لَهُ وَلَا نَسْخُ السُّنَّةِ إلَّا بِالسُّنَّةِ، وَإِنْ كَانَ ثَمَّ كِتَابٌ نَاسِخٌ لَهَا أَيْ لَمْ يَقَعْ النَّسْخُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ إلَّا، وَمَعَهُ مِثْلُ الْمَنْسُوخِ عَاضِدٌ لَهُ، وَلَمْ يُبَالِ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الَّذِي فَهِمَهُ، وَحَكَاهُ عَنْهُ بِكَوْنِهِ خِلَافَ مَا حَكَاهُ غَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ عَنْهُ مِنْ أَنَّهُ لَا تُنْسَخُ السُّنَّةُ بِالْكِتَابِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَلَا الْكِتَابُ بِالسُّنَّةِ، قِيلَ جَزْمًا، وَقِيلَ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا هَلْ ذَلِكَ بِالسَّمْعِ فَلَمْ يَقَعْ، أَوْ بِالْعَقْلِ فَلَمْ يَجُزْ؟ وَقَالَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا بَعْضٌ وَبَعْضٌ اسْتَعْظَمَ ذَلِكَ مِنْهُ لِوُقُوعِ نَسْخِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَمَا فَهِمَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ دَافِعٌ لِمَحَلِّ الِاسْتِعْظَامِ وَسَكَتَ عَنْ نَسْخِ السُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ لِلْعِلْمِ بِهِ مِنْ نَسْخِ الْقُرْآنِ بِالْقُرْآنِ فَيَجُوزُ نَسْخُ الْمُتَوَاتِرَةِ بِمِثْلِهَا وَالْآحَادِ بِمِثْلِهَا وَبِالْمُتَوَاتِرَةِ وَكَذَا الْمُتَوَاتِرَةُ بِالْآحَادِ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي نَسْخِ الْقُرْآنِ بِالْآحَادِ وَمِنْ نَسْخِ السُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ نَسْخُ حَدِيثُ مُسْلِمٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِيلَ لَهُ الرَّجُلُ يَعْجَلُ عَنْ امْرَأَتِهِ وَلَمْ يُمْنِ مَاذَا يَجِبُ عَلَيْهِ فَقَالَ إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» بِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «إذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ ثُمَّ جَهَدَهَا فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ» زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ «وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ» لِتَأَخُّرِ هَذَا عَنْ الْأَوَّلِ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ الْفُتْيَا الَّتِي كَانُوا يَقُولُونَ: الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ رُخْصَةٌ رَخَّصَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ أَمَرَ بِالْغُسْلِ بَعْدَهَا» وَمِنْ نَسْخِ الْقُرْآنِ بِالْقُرْآنِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ نَسْخِ قَوْله تَعَالَى {مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ} [البقرة: 240] بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] .
(وَ) يَجُوزُ عَلَى الصَّحِيحِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQنَاسِخًا لِلْكِتَابِ كَوْنُهُ عَاضِدًا لِنَاسِخِهِ بِدَلِيلِ تَفْسِيرِهِ لِهَذَا الْكَلَامِ بِقَوْلِهِ أَيْ لَمْ يَقَعْ إلَخْ وَكَذَا الْكَلَامُ فِي قَوْلِهِ: وَلَا نَسْخُ السُّنَّةِ إلَخْ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ كَلَامِ الشَّارِحِ هُنَا، وَكَلَامِ الْمَتْنِ حَيْثُ صَرَّحَ الشَّارِحُ أَوَّلًا بِأَنَّ الْمُجَانِسَ نَاسِخٌ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمَتْنَ أَنَّهُ عَاضِدٌ مَعَ أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ إطْلَاقِ كَوْنِهِ نَاسِخًا؛ إذْ النَّاسِخُ هُوَ الدَّالُّ عَلَى الرَّفْعِ، وَهَذَا دَالٌّ عَلَيْهِ وَإِنْ سَبَقَهُ دَالٌّ آخَرُ اهـ. سم.
(قَوْلُهُ: إلَّا بِالْكِتَابِ) الْبَاءُ بِمَعْنَى أَيْ إلَّا مَعَ الْكِتَابِ، وَيَكُونُ الْكِتَابُ عَاضِدًا، وَكَذَا الْبَاءُ فِي قَوْلِهِ إلَّا بِالسُّنَّةِ أَيْ إلَّا مَعَ السُّنَّةِ، وَتَكُونُ السُّنَّةُ عَاضِدَةً وَالْوَاوُ فِي وَإِنْ كَانَ ثَمَّ سُنَّةٌ، وَقَوْلِهِ: وَإِنْ كَانَ ثَمَّ كِتَابٌ لِلْحَالِ (قَوْلُهُ: مِثْلُ الْمَنْسُوخِ) أَيْ فِي تَسْمِيَتِهِ قُرْآنًا أَوْ سُنَّةً (قَوْلُهُ: مِنْ أَنَّهُ لَا تُنْسَخُ السُّنَّةُ بِالْكِتَابِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ) هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ اخْتِيَارِ أَكْثَرِ أَصْحَابِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يُبَالِ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِيمَا فَهِمَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَافِيهِ كَمَا لَمْ يُبَالِ بِمَا يُقَالُ: مَا الْفَائِدَةُ فِي جَعْلِ السُّنَّةِ نَاسِخَةً لِلْقُرْآنِ وَالْقُرْآنِ عَاضِدًا لَهَا وَهَلَّا عُكِسَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ أَقْوَى إذْ الْجَمْعُ بَيْنَ مُتَنَافِيَيْنِ مُرْتَكَبٌ فِيهِ مَا يُنَاسِبُهُ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، وَإِنْ خَالَفَ الظَّاهِرَ. اهـ. زَكَرِيَّا
(قَوْلُهُ: هَلْ ذَلِكَ) أَيْ نَفْيُ الْجَوَازِ (قَوْلُهُ: فَلَمْ يَجُزْ) أَيْ عَقْلًا (قَوْلُهُ: وَقَالَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا) أَيْ السَّمْعِ وَالْعَقْلِ بَعْضٌ أَيْ عَلَى أَنَّهُ مَذْهَبٌ لَهُ فِي نَفْسِهِ، وَهَذَا غَيْرُ قَوْلِهِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَإِنَّهُ اخْتِلَافٌ فِي فَهْمِ كَلَامِ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ: اسْتَعْظَمَ ذَلِكَ) أَيْ مَا حَكَاهُ الْأَصْحَابُ مِنْ نَفْيِ الْجَوَازِ، وَقَوْلُهُ مِنْهُ أَيْ مِنْ الشَّافِعِيِّ (قَوْلُهُ: وَمَا فَهِمَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ) أَيْ مِنْ أَنَّ كَلَامَهُ فِي الْوُقُوعِ دُونَ الْجَوَازِ الْعَقْلِيِّ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّاسِخِ مَا يَشْمَلُ الْعَاضِدَ (قَوْلُهُ: لِمَحَلِّ الِاسْتِعْظَامِ) وَمَحَلُّ الِاسْتِعْظَامِ هُوَ إنْكَارُ الْأَصْحَابِ نَسْخَ كُلٍّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ (قَوْلُهُ: وَسَكَتَ) أَيْ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ: بِمِثْلِهَا بِالْمُتَوَاتِرَةِ) فَالْأَقْسَامُ تِسْعَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَنْسُوخَ إمَّا قُرْآنٌ أَوْ سُنَّةٌ مُتَوَاتِرَةٌ أَوْ آحَادٌ، وَالنَّاسِخُ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: يُعْجَلُ عَنْ امْرَأَتِهِ) هُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ أَيْ يُجَامِعُ وَيَعْزِلُ وَضَمَّنَهُ مَعْنَى الْعَزْلِ فَعَدَّاهُ بِعَنْ وَإِنْ أَغْنَى عَنْهُ وَلَمْ يُمْنِ (قَوْلُهُ: شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ) الْيَدَانِ وَالرِّجْلَانِ وَقِيلَ الرِّجْلَانِ وَالْفَخْذَانِ، وَقِيلَ الشَّفْرَانِ وَالرِّجْلَانِ وَقَوْلُهُ: ثُمَّ جَهَدَهَا بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالْهَاءِ أَيْ جَامَعَهَا، وَأَصْلُهُ الْمَشَقَّةُ، وَهِيَ لَازِمَةٌ لِلْجِمَاعِ عَادَةً مِنْ الْحَرَكَةِ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تَشُقَّ، وَالْمُرَادُ بِالْجِمَاعِ مَغِيبُ الْحَشَفَةِ كَمَا فَسَّرَتْهُ الرِّوَايَاتُ الْأُخَرُ (قَوْلُهُ: الَّتِي كَانُوا يَقُولُونَ) أَيْ يَقُولُونَهَا أَيْ تَقُولُهَا الصَّحَابَةُ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَفِيهِ حَذْفُ الْعَائِدِ الْمَنْصُوبِ، وَالْقَوْلُ بِمَعْنَى الِاعْتِقَادِ أَوْ بِمَعْنَى اللَّفْظِ، وَقَوْلُهُ الْمَاءُ إلَخْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَهِيَ الْمَاءُ إلَخْ، أَوْ بَدَلٌ، ثُمَّ الْمُرَادُ بِالْمَاءِ الْأَوَّلِ الْمُطَهِّرُ وَبِالثَّانِي الْمَاءُ الْمَعْهُودُ وَهُوَ خُرُوجُ الْمَنِيِّ، أَيْ إنَّمَا يَجِبُ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ الْمُطَهِّرِ مِنْ خُرُوجِ الْمَاءِ الْمَعْهُودِ.
(قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ عَلَى الصَّحِيحِ إلَخْ) إنْ أَرَادَ بِالْجَوَازِ وَعَدَمِهِ