(بِالسُّنَّةِ فَمَعَهَا قُرْآنٌ) عَاضِدٌ لَهَا يُبَيِّنُ تَوَافُقَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ (أَوْ) نَسْخُ السُّنَّةِ (بِالْقُرْآنِ فَمَعَهُ سُنَّةٌ عَاضِدَةٌ لَهُ تُبَيِّنُ تَوَافُقَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ) هَذَا فَهِمَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الرِّسَالَةِ لَا يَنْسَخُ كِتَابَ اللَّهِ إلَّا كِتَابُهُ ثُمَّ قَالَ: وَهَكَذَا سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَنْسَخُهَا إلَّا سُنَنُهُ، وَلَوْ أَحْدَثَ اللَّهُ فِي أَمْرٍ غَيْرَ مَا سَنَّ فِيهِ رَسُولُهُ لَسَنَّ رَسُولُهُ مَا أَحْدَثَ اللَّهُ حَتَّى يُبَيِّنَ لِلنَّاسِ أَنَّ لَهُ سُنَّةً نَاسِخَةً لِسُنَّتِهِ أَيْ مُوَافَقَةً لِلْكِتَابِ النَّاسِخِ لَهَا؛ إذْ لَا شَكَّ فِي مُوَافَقَتِهِ لَهُ كَمَا فِي نَسْخِ التَّوَجُّهِ فِي الصَّلَاةِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ الثَّابِتِ بِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144] وَقَدْ فَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا الْقِسْمُ ظَاهِرٌ فِي الْفَهْمِ وَالْوُجُودِ، وَالْأَوَّلُ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ فِي الْفَهْمِ مُحْتَاجٌ إلَى بَيَانِ وُجُودِهِ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ مِنْ صَدْرِ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ نَسْخُ

ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْكِتَابِ إلَخْ فَإِنَّهَا إذَا كَانَتْ تَابِعَةً لَهُ وَقَدْ فَسَّرَ التَّبَعِيَّةَ بِالتَّفْسِيرِ كَانَ النَّاسِخُ حَقِيقَةً، وَهُوَ الْقُرْآنُ وَحْدَهُ وَلَيْسَتْ السُّنَّةُ عَاضِدَةً كَمَا لَا يَخْفَى ثُمَّ لَمَّا كَانَ صَدْرُ عِبَارَةِ الْإِمَامِ بِمُقْتَضَى مَا فَهِمَهُ الْمُصَنِّفُ مُخَالِفًا لِمَا بَعْدَهُ أَرَادَ الشَّارِحُ أَنْ يُؤَوِّلَهُ لِتَرْتَفِعَ تِلْكَ الْمُخَالَفَةُ فَقَالَ فِيمَا بَعْدُ: وَيَكُونُ الْمُرَادُ إلَخْ فَتَأَمَّلْ الْمَقَامَ، وَعَلَيْك السَّلَامُ (قَوْلُهُ: بِالسُّنَّةِ) بِأَنْ تَقَدَّمَتْ عَلَى الْقُرْآنِ (قَوْلُهُ: تُوَافِقُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ) أَيْ تُوَافِقْهُمَا فِي نَسْخِ الْقُرْآنِ (قَوْلُهُ: هَذَا) أَيْ كَوْنُ الْكَلَامِ فِي الْوُقُوعِ، وَأَنَّ مَا مَعَ النَّاسِخَ عَاضِدٌ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: مَا فَهِمَهُ إلَخْ إلَى أَنَّ الْعِبَارَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ لَيْسَتْ لَفْظَ الشَّافِعِيِّ وَإِنَّمَا هِيَ تَعْبِيرٌ مِنْ عِنْدِ الْمُصَنِّفِ عَنْ مَعْنَاهُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَحْدَثَ اللَّهُ إلَخْ) هُوَ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَآخِرُهُ لِسُنَّتِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْإِحْدَاثِ هُنَا إحْدَاثُ نُزُولِ قُرْآنٍ عَلَى وَجْهٍ يَقْتَضِي رَفْعَ مَا تَقَدَّمَ ثُبُوتُهُ بِالسُّنَّةِ وَقَوْلُهُ: لَسَنَّ رَسُولُهُ أَيْ بَيَّنَ بِسُنَّتِهِ مَا أَحْدَثَ اللَّهُ أَيْ مَا أَنْزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ (قَوْلُهُ: حَتَّى يُبَيِّنَ لِلنَّاسِ) حَتَّى تَعْلِيلِيَّةٌ (قَوْلُهُ: إذْ لَا شَكَّ فِي مُوَافَقَتِهِ) أَيْ مُوَافَقَةِ الرَّسُولِ مِنْ إسْنَادِ الْمَصْدَرِ إلَى الْفَاعِلِ أَيْ مُوَافَقَةِ الرَّسُولِ لِلَّهِ أَوْ مُوَافَقَةِ مَا سَنَّهُ الرَّسُولُ لِلْكِتَابِ فَهَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِالنَّاسِخِ مَا يَشْمَلُ الْعَاضِدَ، وَلَمْ يَقُلْ: وَلَوْ أَحْدَثَ رَسُولُ اللَّهِ فِي أَمْرٍ إلَخْ لَأَحْدَثَ اللَّهُ مَا فَعَلَ لِبَشَاعَةِ ذَلِكَ

(قَوْلُهُ: الثَّابِتُ بِفِعْلِهِ) أَيْ ابْتِدَاءً فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ بَعْدُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ} [البقرة: 143] الْآيَةَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا كَانَ بِمَكَّةَ كَانَ يَتَوَجَّهُ إلَى الْكَعْبَةِ وَلَا يَدْرِي أَنَّهُ كَانَ بِالْكِتَابِ أَوْ بِالسُّنَّةِ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ تَوَجَّهَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَلَيْسَ هَذَا بِالْكِتَابِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144] فَنَسْخُ السُّنَّةِ بِالْكِتَابِ مُتَيَقَّنٌ بِهِ، أَمَّا نَسْخُ الْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ فَمَشْكُوكٌ فِيهِ وَقَوْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مَا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى أَبَاحَ اللَّهُ لَهُ مِنْ النِّسَاءِ مَا شَاءَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ نَاسِخَةٌ لِقَوْلِهِ {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} [الأحزاب: 52] اهـ.

قَالَ فِي التَّلْوِيحِ وَفِيهِ بَحْثٌ لِعَدَمِ النِّزَاعِ فِي أَنَّ الْكِتَابَ لَا يُنْسَخُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَكَيْفَ مُجَرَّدُ إخْبَارِ الرَّاوِيِّ مِنْ غَيْرِ نَقْلِ حَدِيثٍ فِي ذَلِكَ عَلَى أَنَّ قَوْلَهَا حَتَّى أَبَاحَ اللَّهُ لَهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ كَانَ بِالْكِتَابِ حَتَّى قِيلَ: إنَّهُ قَوْله تَعَالَى {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} [الأحزاب: 50] اهـ.

وَأَجَابَ الْفَنَارِيُّ بِأَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَخْبَرَتْ بِأَنَّ الْآيَةَ نُسِخَتْ وَنَسْخُهُ بِالسَّنَةِ بَيِّنٌ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ نَسْخِهِ بِالْكِتَابِ مَحَلُّ شُبْهَةٍ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَهَذَا الْقِسْمُ) أَيْ نَسْخُ السُّنَّةِ بِقُرْآنٍ مَعَهُ عَاضِدٌ مِنْ السُّنَّةِ (قَوْلُهُ: ظَاهِرٌ فِي الْفَهْمِ) أَيْ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ السَّابِقِ أَيْ لَا خَفَاءَ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَالْوُجُودُ) أَيْ وَظَاهِرٌ فِي الْوُجُودِ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ لَهُ نَظِيرٌ.

(قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ) أَيْ نَسْخُ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ مَعَهَا عَاضِدٌ مِنْ الْقُرْآنِ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى الثَّانِي فِي الْفَهْمِ لِكَوْنِ النَّصِّ الْمَذْكُورِ غَيْرَ ظَاهِرٍ فِيهِ، وَإِمَّا بِالنَّظَرِ إلَى وُجُودِهِ فَيَحْتَاجُ إلَى مِثَالٍ عَلَى مَا قَالَهُ الشَّارِحُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَنْسَخَ خَبَرُ «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» الْآيَةَ {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ} [البقرة: 180] الْمُعْتَضَدُ لَك بِآيَةِ {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11] وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الْعَاضِدَ هُوَ الْحَدِيثُ، وَالنَّسْخُ بِالْآيَةِ

(قَوْلُهُ: وَيَكُونُ الْمُرَادُ إلَخْ) لَمَّا كَانَ مَا فَهِمَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ مُخَالِفًا لِصَدْرِ كَلَامِهِ أَوَّلَ صَدْرِهِ بِمَا ذَكَرَهُ (قَوْلُهُ: إنَّهُ لَمْ يَقَعْ إلَخْ) الْمُرَادُ بِكَوْنِ الْكِتَابِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015