وَقَدْ وَقَعَ الْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ فَنُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ فَهَذَا مَنْسُوخُ التِّلَاوَةِ وَالْحُكْمِ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَوْلَا أَنْ يَقُولَ النَّاسُ زَادَ عُمَرُ فِي كِتَابِ اللَّهِ لَكَتَبْتهَا الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ، فَإِنَّا قَدْ قَرَأْنَاهَا فَهَذَا مَنْسُوخُ التِّلَاوَةِ دُونَ الْحُكْمِ لِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَجْمِ الْمُحْصَنَيْنِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَهُمَا الْمُرَادُ بِالشَّيْخِ وَالشَّيْخَةِ، وَمَنْسُوخُ الْحُكْمِ دُونَ التِّلَاوَةِ كَثِيرٌ مِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] لِتَأَخُّرِهِ فِي النُّزُولِ عَنْ الْأَوَّلِ كَمَا قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ، وَإِنْ تَقَدَّمَهُ فِي التِّلَاوَةِ.

(وَ) يَجُوزُ عَلَى الصَّحِيحِ (نَسْخُ الْفِعْلِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ) مِنْهُ بِأَنْ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهُ أَوْ دَخَلَ وَلَمْ يَمْضِ مِنْهُ مَا يَسْعَهُ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ التَّكْلِيفِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْكَلَامُ فِي الْقَصْدِيَّةِ، وَهِيَ تَزُولُ كَمَا هُوَ مُفَادُ قَوْمٍ فَإِنَّ بَقَاءَ الْحُكْمِ دُونَ اللَّفْظِ إلَخْ فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ الدَّلَالَةَ قَدْ زَالَتْ، وَالْوَضْعِيَّةُ لَا تَزُولُ إلَّا أَنْ يُقَالَ: جَعَلَ - أَوَّلًا - الدَّلَالَةَ زَائِلَةً لِزَوَالِ دَالِّهَا وَهُوَ اللَّفْظُ، وَثُبُوتُ الْحُكْمِ لِدَلِيلٍ آخَرَ بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنَّ الدَّالَّ لَمْ يَزُلْ فَقِيلَ بِعَدَمِ زَوَالِ الدَّلَالَةِ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَعْمُولٍ بِهَا

(قَوْلُهُ: وَقَدْ وَقَعَ) أَيْ فَضْلًا عَنْ الْجَوَازِ (قَوْلُهُ: عَشْرُ رَضَعَاتٍ) مُبْتَدًّا خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ يُحَرِّمْنَ وَقَوْلُهُ: بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ أَيْ يُحَرِّمْنَ فَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ أَيْضًا ثُمَّ نُسِخَتْ الْخَمْسُ أَيْضًا لَكِنْ تِلَاوَةً لَا حُكْمًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَمَّا عِنْدَ مَالِكٍ فَنُسِخَتْ تِلَاوَةً وَحُكْمًا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يُحَرِّمُ عِنْدَهُ، وَلَوْ مَصَّةً (قَوْلُهُ: لَوْلَا أَنْ يَقُولَ: النَّاسُ إلَخْ) اُسْتُشْكِلَ بِأَنَّهُ إنْ جَازَ كِتَابَتُهَا فَهِيَ قُرْآنٌ فَتَجِبُ مُبَادَرَةُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِكِتَابَتِهَا؛ لِأَنَّ قَوْلَ النَّاسِ لَا يَصْلُحُ مَانِعًا مِنْ فِعْلِ الْوَاجِبِ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ مُرَادَهُ لَكَتَبْتُهَا مِنْهَا عَلَى أَنَّ تِلَاوَتَهَا نُسِخَتْ لِيَكُونَ فِي كِتَابَتِهَا فِي حَمْلِهَا الْأَمْنُ مِنْ نِسْيَانِهَا لَكِنْ قَدْ تُكْتَبُ بِلَا تَنْبِيهٍ فَيَقُولُ النَّاسُ: زَادَ عُمَرُ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَتُرِكَتْ كِتَابَتُهَا بِالْكُلِّيَّةِ، وَذَلِكَ مِنْ دَفْعِ أَعْظَمِ الْمَفْسَدَتَيْنِ بِأَخَفِّهِمَا اهـ زَكَرِيَّا قَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ} [البقرة: 234] الْآيَةُ قَالَ الْبِقَاعِيُّ وَفَائِدَةُ بَقَائِهَا مَعَ نَسْخِ حُكْمِهِمَا التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - خَفَّفَ عَلَيْنَا.

(قَوْلُهُ: قَبْلَ التَّمَكُّنِ) خَرَجَ بِهِ مَا بَعْدَهُ فَلَا خِلَافَ فِيهِ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ (قَوْلُهُ: بِأَنْ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهُ أَوْ دَخَلَ) قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي شَرْحِ الْمَحْصُولِ الْمَسَائِلُ فِي هَذَا الْمَعْنَى أَرْبَعَةٌ إحْدَاهُنَّ أَنْ يُوَقَّتَ الْفِعْلُ بِزَمَانٍ مُسْتَقْبَلٍ فَيُنْسَخُ قَبْلَ حُضُورِهِ، وَثَانِيَتُهُنَّ أَنْ يُؤْمَرَ بِهِ عَلَى الْفَوْرِ فَيُنْسَخُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهِ، وَثَالِثَتُهُنَّ أَنْ يُشْرَعَ فِيهِ فَيُنْسَخَ قَبْلَ كَمَالِهِ، وَأَرْبَعَتُهُنَّ إذَا كَانَ الْفِعْلُ يَتَكَرَّرُ فَيُفْعَلُ مِرَارًا ثُمَّ يُنْسَخُ وَالثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ فِي الْفِعْلِ الْوَاحِدِ غَيْرِ الْمُتَكَرِّرِ أَمَّا الرَّابِعَةُ فَوَافَقُونَا عَلَيْهَا الْمُعْتَزِلَةُ لِحُصُولِ مَصْلَحَةِ الْفِعْلِ بِتِلْكَ الْمَرَّاتِ الْوَاقِعَةِ فِي الْأَزْمِنَةِ الْمَاضِيَةِ، وَمِنْهُ نَسْخُ الْقِبْلَةِ وَغَيْرِهَا وَمَنَعُوا قَبْلَ الْوَقْتِ وَقَبْلَ الشُّرُوعِ لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَصْلَحَةِ مِنْ الْفِعْلِ، وَتَرْكُ الْمَصْلَحَةِ عِنْدَهُمْ يَمْنَعُهُ قَاعِدَةُ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ، وَالنَّقْلُ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ قَدْ نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ، وَأَمَّا بَعْدَ الشُّرُوعِ وَقَبْلَ الْكَمَالِ فَلَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا، وَمُقْتَضَى مَذْهَبِنَا جَوَازُ النَّسْخِ مُطْلَقًا فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ، وَمُقْتَضَى مَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّفْصِيلِ قَالَهُ سم فِيمَا كَتَبَهُ بِهَامِشِ حَاشِيَةِ الْكَمَالِ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ التَّكْلِيفِ) اسْتِقْرَارُهُ هُوَ حُصُولُ التَّعَلُّقِ التَّنْجِيزِيِّ، وَبَحَثَ فِيهِ النَّاصِرُ بِأَنَّ الِاسْتِقْرَارَ يَتَحَقَّقُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ، وَإِنْ لَمْ يَمْضِ مَا يَسَعُ الْفِعْلَ فَالدَّلِيلُ لَا يَشْمَلُ الْمُدَّعَى بِقِسْمَيْهِ.

وَأَجَابَ عَنْهُ سم فِيمَا كَتَبَهُ بِهَامِشِ حَاشِيَةِ الْكَمَالِ بِأَنَّ اسْتِقْرَارَ التَّكْلِيفِ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى مُجَرَّدِ التَّكْلِيفِ فَلَا بُدَّ لِحُصُولِهِ مِنْ أَمْرٍ زَائِدٍ عَلَى مَا يَحْصُلُ بِهِ أَصْلُ التَّكْلِيفِ، وَلَوْ صَحَّ الِاسْتِقْرَارُ بِمُجَرَّدِ دُخُولِ الْوَقْتِ فِيمَا إذَا حَصَلَ أَصْلُ التَّكْلِيفِ اهـ.

وَقَالَ الْكَمَالُ التَّكْلِيفُ إنَّمَا يَسْتَقِرُّ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَمُضِيِّ زَمَنٍ يَسَعُ الْفِعْلَ، وَرَفْعُهُ قَبْلَ ذَلِكَ رَفْعٌ لِمَا لَمْ يَسْتَقِرَّ فَلَا يَجُوزُ عَقْلًا وَحَاصِلُ الْجَوَابِ مَنْعُ تَوَقُّفِ الْجَوَازِ الْعَقْلِيِّ عَلَى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015