كَالْعِلْمِ بِأَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ وَأَنَّهُ يُرَى فِي الْآخِرَةِ وَبِقَيْدِ الْمُكْتَسَبِ عِلْمُ اللَّهِ وَجِبْرِيلَ وَالنَّبِيِّ بِمَا ذُكِرَ وَبِقَيْدِ التَّفْصِيلِيَّةِ الْعِلْمُ بِذَلِكَ الْمُكْتَسَبِ لِلْخِلَافِيِّ مِنْ الْمُقْتَضَى وَالنَّافِي الْمُثْبَتِ بِهِمَا مَا يَأْخُذُهُ مِنْ الْفَقِيهِ لِيَحْفَظَهُ عَنْ إبْطَالِ خَصْمِهِ فَعِلْمُهُ مَثَلًا بِوُجُوبِ النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي أَوْ بِعَدَمِ وُجُوبِ الْوِتْرِ لِوُجُودِ النَّافِي لَيْسَ مِنْ الْفِقْهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَدْخُلُ الِاعْتِقَادَاتُ؛ لِأَنَّ التَّعَلُّقَ فِيهَا بِحُصُولِ الْعِلْمِ فِي الْقَلْبِ لَا بِكَيْفِيَّةِ الْعَمَلِ عَلَى الِاعْتِقَادِيَّاتِ فِي التَّحْقِيقِ مِنْ قَبِيلِ الْعُلُومِ لَا مِنْ قَبِيلِ الْأَفْعَالِ وَإِنْ أُطْلِقَتْ عَلَيْهَا بِنَاءً عَلَى مُتَعَارَفِ اللُّغَةِ.
(قَوْلُهُ: كَالْعِلْمِ بِأَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ إلَخْ) مَثَّلَ بِمِثَالَيْنِ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمَسَائِلَ الِاعْتِقَادِيَّةَ قِسْمَانِ مَا دَلِيلُهُ الْعَقْلُ كَالْمِثَالِ الْأَوَّلِ وَمَا دَلِيلُهُ السَّمْعُ كَالْمِثَالِ الثَّانِي.
(قَوْلُهُ: عِلْمُ اللَّهِ وَجِبْرِيلَ) أَيْ فَلَا يُسَمَّى وَاحِدٌ مِنْهَا فِقْهًا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُنْقَسِمَ إلَى الضَّرُورِيِّ وَالْكَسْبِيِّ هُوَ الْعِلْمُ الْحُصُولِيُّ وَعِلْمُهُ سُبْحَانَهُ حُضُورِيٌّ وَعِلْمُ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مُسْتَنِدٌ لِلْوَحْيِ.
وَأَمَّا عِلْمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَاصِلُ عَنْ اجْتِهَادٍ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ الِاجْتِهَادِ فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ الْكَمَالُ إنَّهُ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ لِلْحُكْمِ يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى مَعْرِفَتِهِ بِنَقْلٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ الِاجْتِهَادِ أَوْ إخْبَارِهِ عَنْهُ وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُقَرُّ عَلَى خَطَأٍ وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ لَا يُعَدُّ فِقْهًا بَلْ هُوَ مِنْ أَدِلَّةِ الْفِقْهِ وَبِاعْتِبَارِ حُصُولِهِ عَنْ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ يَصِحُّ أَنْ يُسَمَّى فِقْهًا بِالْإِصْلَاحِ وَتَسْمِيَتُهُ فِقْهًا هُوَ الَّذِي اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْبِرْمَاوِيُّ فِي شَرْحِ أَلْفِيَّتِهِ اهـ.
وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ عِلْمَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَاصِلَ عَنْ اجْتِهَادٍ لَا يُسَمَّى فِقْهًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عِلْمًا بِجَمِيعِ الْأَحْكَامِ بَلْ بِبَعْضِهَا وَهُوَ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ وَاسْتَشْكَلَ الشِّهَابُ خُرُوجَ عِلْمِ جِبْرِيلَ وَالنَّبِيِّ بِأَنَّهُ حَيْثُ آلَ الْأَمْرُ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِلْمِ التَّهَيُّؤُ لَزِمَ ثُبُوتُ هَذَا الْمَفْهُومِ بِأَسْرِهِ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَذَا جِبْرِيلُ قَالَ سم وَلَا يَخْفَى قُوَّةُ هَذَا الْإِشْكَالِ نَعَمْ قَالَ بَعْضُهُمْ إنْ لَمْ نَقُلْ بِجَوَازِ الِاجْتِهَادِ مِنْ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ وَإِنْ قُلْنَا بِهِ فَحُكْمُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالِاجْتِهَادِ إنْ كَانَ خَطَأً فَلَا يُقَرُّ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ صَوَابًا يَنْقَلِبُ بِوَاسِطَةِ التَّقْرِيرِ إلَى الضَّرُورِيِّ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الثَّابِتِ بِالْوَحْيِ وَمِنْ ثَمَّ جَعَلَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ اجْتِهَادَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّا يُشْبِهُ الْوَحْيَ اهـ.
وَأَقُولُ لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا كُلِّهِ فَإِنَّا لَوْ حَمَلْنَا الْعِلْمَ عَلَى التَّهَيُّؤِ فَالْمُرَادُ التَّهَيُّؤُ الْحَاصِلُ عَنْ مُمَارَسَةِ الْأَدِلَّةِ وَالْقَوَاعِدِ وَهَذَا الْمَعْنَى مِمَّا يَخْتَصُّ بِهِ الْمُجْتَهِدُ وَأَمَّا الرَّسُولُ الْأَكْرَمُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهَذَا الْمَعْنَى فِطْرِيٌّ فِيهِ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ بِطَرِيقِ الْكَسْبِ كَالْمُجْتَهِدِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: الْمُكْتَسَبِ لِلْخِلَافِيِّ) قَالَ الْكَمَالُ هَذَا إنْ قُلْنَا إنَّ الْخِلَافِيَّ يَسْتَفِيدُ عِلْمًا بِثُبُوتِ الْوُجُوبِ وَانْتِفَائِهِ مِنْ مُجَرَّدِ تَسَلُّمِهِ مِنْ الْفَقِيهِ وُجُودُ الْمُقْتَضَى وَالنَّافِي إجْمَالًا وَأَنَّهُ يُمْكِنُهُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ حِفْظُهُ عَنْ إبْطَالِ الْخَصْمِ وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَسْتَفِيدُ عِلْمًا وَلَا يُمْكِنُهُ حِفْظُ الْمَذْكُورِ حَتَّى يَتَعَيَّنَ الْمُقْتَضِي أَوْ النَّافِي فَيَكُونَ هُوَ الدَّلِيلُ الْمُسْتَفَادُ مِنْهُ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ أَهْلًا لِلِاسْتِفَادَةِ مِنْهُ كَانَ فَقِيهًا فَالصَّوَابُ أَنَّ قَيْدَ التَّفْصِيلِيَّةِ لَيْسَ لِإِخْرَاجِ عِلْمِ الْخِلَافِيِّ بَلْ هُوَ تَصْرِيحٌ بِاللَّازِمِ فَهُوَ لِلْبَيَانِ دُونَ الِاحْتِرَازِ كَقَوْلِهِ مِنْ أَدِلَّتِهَا فَإِنَّهُ لِلْبَيَانِ إذْ لَا اكْتِسَابَ إلَّا مِنْ الدَّلِيلِ وَإِلَى ذَلِكَ يُشِيرُ صَنِيعُ الشَّارِحِ حَيْثُ ذَكَرَ الِاحْتِرَازَ بِمَا قَبْلَهُ مِنْ الْقُيُودِ وَمَا بَعْدَهُ وَسَكَتَ عَنْهُ وَقَوْلُهُ وَإِلَى ذَلِكَ يُشِيرُ صَنِيعُ الشَّارِحِ أَيْ إلَى كَوْنِ مِنْ أَدِلَّتِهَا لِلْبَيَانِ دُونَ الِاحْتِرَازِ فَالضَّمَائِرُ فِي قَوْلِهِ وَبَعْدَهُ وَعَنْهُ تَرْجِعُ إلَيْهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ عِلْمَ الْخِلَافِيِّ عِلْمٌ مُدَوَّنٌ يُقَارِبُ مَا ذَكَرَهُ الْأُصُولِيُّونَ فِي بَابِ الْقِيَاسِ وَفَنِّ الْمُنَاظَرَةِ وَدَلَائِلُهُ كُلُّهَا مِنْ قَبِيلِ الْجَدَلِ إذْ الْغَرَضُ مِنْهُ حِفْظُ الْمُدَّعَى