وَعَبَّرُوا عَنْ الْفِقْهِ هُنَا بِالْعِلْمِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِبْطَالُ نَقِيضِهِ الَّذِي هُوَ مُدَّعَى الْخَصْمِ فَالْخِلَافِيُّ مَنْسُوبٌ لِعِلْمِ الْخِلَافِ أَيْ الْمُشْتَغَلِ بِهِ فَلَا تُتَوَهَّمُ مِنْ بَعْضِ الْحَوَاشِي هَاهُنَا وَتَبِعَهُ غَيْرُهُ مِنْ التَّمْثِيلِ بِابْنِ الْقَاسِمِ الْآخِذِ عَنْ أَشْهَبَ وَبِالْمُزَنِيِّ الْآخِذِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْخِلَافِيَّ خَاصٌّ بِمَنْ أَخَذَ الْحُكْمَ عَنْ نَفْسِ الْمُجْتَهِدِ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ كُلُّ حَافِظٍ لِقَوْلِ إمَامِهِ يُرِيدُ تَأْيِيدَهُ وَلَوْ فِي عَصْرِنَا وَقَالَ زَكَرِيَّا الْحَقُّ أَنَّ مِنْ أَدِلَّتِهَا التَّفْصِيلِيَّةِ خَرَجَ بِهِ الْعِلْمُ الْمَذْكُورُ لِلْمُقَلِّدِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَسْتَفِيدُهُ عَنْ الْمُجْتَهِدِ بِوَاسِطَةِ دَلِيلٍ إجْمَالِيٍّ كَمَا مَرَّ اهـ.
وَبَقِيَ هَاهُنَا بَحْثٌ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا طَالَعَ الْمُقَلِّدُ الْمَسَائِلَ مَعَ الدَّلَائِلِ حَصَلَ لَهُ الْعِلْمُ بِأَحْكَامِ تِلْكَ الْمَسَائِلِ عَنْ أَدِلَّتِهَا فَيَكُونُ فَقِيهًا مَعَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْفَقِيهَ هُوَ الْمُجْتَهِدُ وَأَجْمَعُوا أَيْضًا عَلَى عَدَمِ فَقَاهَةِ الْمُقَلِّدِ قَالَ الْخَيَالِيُّ وَغَايَةُ مَا يُقَالُ إنَّهُ كَمَا أَجْمَعَ الْقَوْمُ عَلَى عَدَمِ فَقَاهَةِ الْمُقَلِّدِ كَذَلِكَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْفِقْهَ مِنْ الْعُلُومِ الْمُدَوَّنَةِ وَالتَّوْفِيقُ بَيْنَ هَذَيْنِ الْإِجْمَاعَيْنِ إنَّمَا يَتَأَتَّى بِأَنْ يُجْعَلَ لِلْفِقْهِ مَعْنَيَانِ وَعَدَمُ حُصُولِ أَحَدِهِمَا فِي الْمُقَلِّدِ لَا يُنَافِي حُصُولَ الْآخَرِ فِيهِ. اهـ.
قَالَ عَبْدُ الْحَكِيمِ يَعْنِي أَنَّ بَيْنَ الْإِجْمَاعَيْنِ تَنَافِيًا؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْفِقْهَ مِنْ الْعُلُومِ الْمُدَوَّنَةِ يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ الْمُقَلِّدُ الْغَيْرَ الْمُجْتَهِدُ الْعَالِمُ بِتِلْكَ الْمَسَائِلِ الْمُدَوَّنَةِ فَقِيهًا إذْ لَا مَعْنَى لِلْفَقِيهِ إلَّا الْعَالِمُ بِالْفِقْهِ وَالْفِقْهُ هُوَ الْمَسَائِلُ الْمُدَوَّنَةُ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ فَقَاهَةِ غَيْرِ الْمُجْتَهِدِ يُنَافِيهِ فَوَجَبَ التَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ التَّوْفِيقُ إلَّا بِأَنْ يُجْعَلَ لِلْفِقْهِ مَعْنَيَانِ:
أَحَدُهُمَا: مَا يُمْكِنُ حُصُولُهُ لِلْمُقَلِّدِ وَهُوَ الْعِلْمُ بِالْمَسَائِلِ الْمُدَوَّنَةِ فَبِاعْتِبَارِ حُصُولِهِ يَكُونُ فَقِيهًا.
وَالثَّانِي: مَا لَا يُمْكِنُ حُصُولُهُ وَهُوَ الْعِلْمُ بِمَعْنَى اسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ عَنْ الْأَمَارَاتِ.
فَبِاعْتِبَارِ عَدَمِ حُصُولِهِ لَا يَكُونُ فَقِيهًا (وَعَبَّرُوا عَنْ الْفِقْهِ إلَخْ) إنْ قُلْت هَلَّا أَبْقَاهُ عَلَى مَعْنَاهُ لِإِمْكَانِهِ بِحَمْلِ الْحُكْمِ عَلَى مَا هُوَ حُكْمُ اللَّهِ فِي حَقِّ الْمُجْتَهِدِ وَمُقَلِّدِيهِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُجْتَهِدِ وَمُقَلِّدِيهِ الْعَمَلُ بِمَا يَظُنُّهُ وَإِنْ خَالَفَ الْوَاقِعَ فَإِذَا ظَنَّ حُكْمًا حَصَلَ لَهُ عِلْمٌ قَطْعِيٌّ بِأَنَّ هَذَا حُكْمُ اللَّهِ فِي حَقِّهِ وَحَقِّ مُقَلِّدِيهِ وَالدَّلِيلُ وَإِنْ كَانَ ظَنِّيًّا إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا إنَّ تَحْصِيلَ الْيَقِينِ بِالْأَحْكَامِ عَنْ الْأَدِلَّةِ الظَّنِّيَّةِ مُخْتَصٌّ بِالْمُجْتَهِدِ وَلَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ إذَا نَظَرَ فِي دَلِيلٍ ظَنِّيٍّ