(إنْ خُصَّ بِقَاطِعٍ) كَالْعَقْلِ لِضَعْفِ دَلَالَتِهِ حِينَئِذٍ بِخِلَافِ مَا لَمْ يُخَصَّ، أَوْ خُصَّ بِظَنِّيٍّ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلٍ تَقَدَّمَ أَنَّ مَا خُصَّ بِاللَّفْظِ حَقِيقَةٌ، قَالَ الْمُصَنِّفُ (: وَعِنْدِي عَكْسُهُ) أَيْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ حَيْثُ فُرِّقَ بَيْنَ الْقَطْعِيِّ وَالظَّنِّيِّ: يَجُوزُ إنْ خُصَّ بِظَنِّيٍّ؛ لِأَنَّ الْمُخَرَّجَ بِالْقَطْعِيِّ لَمَّا لَمْ تَصِحَّ إرَادَتُهُ كَانَ الْعَامُّ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ فَيُلْحَقُ بِمَا لَمْ يُخَصَّ (وَقَالَ الْكَرْخِيُّ) يَجُوزُ إنْ خُصَّ (بِمُنْفَصِلٍ) قَطْعِيٍّ أَوْ ظَنِّيٍّ لِضَعْفِ دَلَالَتِهِ حِينَئِذٍ بِخِلَافِ مَا لَمْ يُخَصَّ أَوْ خُصَّ بِمُتَّصِلٍ فَالْعُمُومُ فِي الْمُتَّصِلِ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ فَقَطْ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلٍ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَخْصُوصَ بِمَا لَا يَسْتَقِلُّ حَقِيقَةٌ (وَتَوَقَّفَ الْقَاضِي) أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ عَنْ الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ وَعَدَمِهِ لَنَا الْوُقُوعُ كَتَخْصِيصِ قَوْله تَعَالَى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11] إلَخْ الشَّامِلِ لِلْوَلَدِ الْكَافِرِ بِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ»
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: إنْ خُصَّ بِقَاطِعٍ) أَيْ قَبْلَ تَخْصِيصِهِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة: 43] فَإِنَّ الْعَقْلَ خَصَّ مِنْ هَذَا الْخِطَابِ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ لِعَدَمِ صِحَّةِ تَوَجُّهِ الْخِطَابِ لَهُمَا فَيَصِحُّ تَخْصِيصُ هَذَا حِينَئِذٍ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ (قَوْلُهُ: لِضَعْفِ دَلَالَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا فَتَحَ بَابَ التَّخْصِيصِ بِالْقَاطِعِ انْجَرَّ الِاحْتِمَالُ إلَى التَّخْصِيصِ بِغَيْرِهِ وَقَالَ الشَّيْخُ خَالِدٌ: إنَّ دَلَالَةَ الْعَامِّ عِنْدَهُ قَبْلَ التَّخْصِيصِ بِالدَّلِيلِ الْقَاطِعِ قَطْعِيَّةٌ، فَإِذَا خُصَّ بِهِ صَارَ ظَنِّيَّ الدَّلَالَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى آحَادِهِ اهـ.
(قَوْلُهُ: أَوْ خُصَّ بِظَنِّيٍّ) أَوْرَدَ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ عِنْدَ ابْنِ أَبَانَ أَنْ يَكُونَ التَّخْصِيصُ بِظَنِّيٍّ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُخَصَّصُ بِهِ إلَّا إذَا خُصَّ بِقَاطِعٍ أَوْ لَا.
وَأَجَابَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ بِأَنَّهُ بِنَاءٌ عَلَى مَذْهَبِ غَيْرِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ إذْ لَا مَعْنًى لِبِنَاءِ كَلَامِهِ عَلَى مَا لَمْ يَقُلْ بِهِ فَالْأَوْلَى الْجَوَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ ظَنِّيٌّ غَيْرُ خَبَرِ الْآحَادِ لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ خَبَرِ الْآحَادِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ مَا خُصَّ بِقَاطِعٍ يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِخَبَرِ الْآحَادِ؛ لِأَنَّ دَلَالَتَهُ صَارَتْ ضَعِيفَةً؛ لِأَنَّهَا مَجَازِيَّةٌ بِخِلَافِ مَا لَمْ يُخَصَّ، أَوْ خُصَّ بِظَنِّيٍّ فَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ؛ لِأَنَّ دَلَالَتَهُ قَوِيَّةٌ؛ لِأَنَّهَا حَقِيقَةٌ، قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ نَظْمِ الْمِنْهَاجِ لِوَالِدِهِ: فَإِنْ قُلْت: كَيْفَ يَجْتَمِعُ هَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ أَبَانَ مِنْ أَنَّ الْعَامَّ الْمَخْصُوصَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، فَإِنَّ تَخْصِيصَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَرْعُ كَوْنِهِ حُجَّةً، قُلْت: إنَّمَا مَنَعَ ابْنُ أَبَانَ حُجِّيَّةَ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَجَازًا، وَلَيْسَ بَعْضُ الْمَحَامِلِ أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ فَيَبْقَى مُجْمَلًا، فَإِذَا وَرَدَ بَعْدَ ذَلِكَ مُخَصِّصٌ جَزَمْنَا بِإِخْرَاجِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ، وَيَبْقَى الْبَاقِي عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِجْمَالِ لَا يُجْزَمُ بِإِرَادَتِهِ، وَلَا بِعَدَمِهَا
(قَوْلُهُ: عَلَى قَوْلٍ) تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَقِيلَ: مَجَازٌ إنْ خُصَّ بِغَيْرِ لَفْظٍ كَالْعَقْلِ (قَوْلُهُ: إنَّ مَا خُصَّ بِاللَّفْظِ حَقِيقَةٌ) فِيهِ قُصُورٌ؛ إذْ اللَّفْظُ قَدْ يَكُونُ قَطْعِيًّا كَمَا يَكُونُ ظَنِّيًّا، وَالْفَرْضُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَطْعِيِّ وَالظَّنِّيِّ لَفْظًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ (قَوْلُهُ: قَالَ الْمُصَنِّفُ) أَيْ مُتَعَقِّبًا عَلَى ابْنِ أَبَانَ (قَوْلُهُ: وَعِنْدِي عَكْسُهُ) لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُخْتَارُ الْعَكْسُ، وَإِلَّا لَنَافَاهُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْجُمْهُورِ بَلْ لَوْ سَلِمَ كَلَامُ ابْنِ أَبَانَ لَكَانَ الْأَوْلَى الْعَكْسَ، وَلِذَلِكَ صَرَّحَ الشَّارِحُ الْعِبَارَةَ عَنْ ظَاهِرِهَا، وَقَالَ أَيْ يَنْبَغِي فَمَحَلُّ عِبَارَةِ الْمَتْنِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ بَحْثٌ مَعَ ابْنِ أَبَانَ عَلَى سَبِيلِ الْقَدْحِ فِي دَلِيلِهِ بِالْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ خِلَافًا لِمَا حَلَّ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ قَوْلُ الْمَتْنِ الْمَذْكُورِ مِنْ أَنَّهُ قَوْلٌ مُسْتَقِلٌّ ارْتَكَبَهُ الْمُصَنِّفُ وَوَجَّهَهُ وَتَعَقَّبَهُ فِي ذَلِكَ التَّوْجِيهِ الْعَلَّامَةُ الْبِرْمَاوِيُّ فِي شَرْحِ أَلْفِيَّتِهِ (قَوْلُهُ: فَيُلْحَقُ بِمَا لَمْ يُخَصَّ) أَيْ فِي قُوَّةِ دَلَالَتِهِ بِخِلَافِ مَا دَخَلَهُ التَّخْصِيصُ لِضَعْفِ دَلَالَتِهِ عَلَى أَفْرَادِهِ حِينَئِذٍ (قَوْلُهُ: بِالنَّظَرِ إلَيْهِ فَقَطْ) أَيْ فَكَأَنَّهُ لَمْ يُخَصَّ (قَوْلُهُ: وَتَوَقَّفَ الْقَاضِي) قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: