(وَكَذَا) يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْكِتَابِ (بِخَبَرِ الْوَاحِدِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ) مُطْلَقًا، وَقِيلَ: لَا مُطْلَقًا، وَإِلَّا لَتَرَكَ الْقَطْعِيَّ بِالظَّنِّيِّ، قُلْنَا: مَحَلُّ التَّخْصِيصِ دَلَالَةُ الْعَامِّ، وَهِيَ ظَنِّيَّةٌ، وَالْعَمَلُ بِالظَّنَّيْنِ أَوْلَى مِنْ إلْغَاءِ أَحَدِهِمَا (وَثَالِثُهَا) قَالَ ابْنُ أَبَانَ يَجُوزُ

ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ: وَكَذَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ) فَإِنْ قِيلَ «قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذَا رُوِيَ عَنِّي حَدِيثٌ فَأَعْرِضُوهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ وَافَقَهُ فَاقْبَلُوهُ، وَإِنْ خَالَفَهُ فَرُدُّوهُ» وَخَبَرُ الْوَاحِدِ الْمُعَارِضُ لِلْكِتَابِ مُخَالِفٌ لَهُ فَيُرَدُّ، وَلَا يُخَصَّصُ بِهِ فَيَمْتَنِعُ تَخْصِيصُ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا الدَّلِيلَ مَنْقُوضٌ بِجَرَيَانِهِ فِي الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ؛ إذْ لَوْ صَحَّ مَا ذُكِرَ لَمَا خُصَّ الْكِتَابُ بِهِ لِمُخَالَفَتِهِ إيَّاهُ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ وَأَيْضًا الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ الْوَاجِبِ عَرْضُهُ عَلَى الْكِتَابِ هُوَ مَا لَمْ يُقْطَعْ بِأَنَّهُ حَدِيثُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْكَلَامِ فَإِنْ قِيلَ خَبَرُ الْوَاحِدِ وَإِنْ كَانَ خَاصًّا ظَنِّيٌّ وَالْكِتَابُ قَطْعِيٌّ وَالظَّنُّ لَا يُعَارِضُ الْقَطْعَ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْعَامَّ الَّذِي هُوَ الْكِتَابُ مَقْطُوعُ الْمَتْنِ وَالسَّنَدِ لِثُبُوتِهِمَا بِالتَّوَاتُرِ، لَكِنَّهُ ظَنِّيُّ الدَّلَالَةِ لِاحْتِمَالِ التَّخْصِيصِ، وَالْخَاصُّ مَقْطُوعُ الدَّلَالَةِ مَظْنُونُ السَّنَدِ فَتَعَادَلَا لِكَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا قَطْعِيًّا مِنْ وَجْهٍ ظَنِّيًّا مِنْ وَجْهٍ فَجَازَ التَّعَارُضُ بَيْنَهُمَا، وَالْقَوْلُ بِالتَّخْصِيصِ الْمُقْتَضِي لِرُجْحَانِ الْخَاصِّ لَا يُنَافِي التَّعَادُلَ؛ إذْ هُوَ بِحَسَبِ الذَّاتِ وَالرَّاجِحُ بِزَائِدٍ، وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ إعْمَالُ الدَّلِيلِ (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) خُصَّ بِقَاطِعٍ أَوَّلًا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْخِلَافُ مَوْضِعُهُ فِي خَبَرِ الْوَاحِدِ الَّذِي لَمْ يُجْمِعُوا عَلَى الْعَمَلِ بِهِ فَإِنْ أَجْمَعُوا عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا مِيرَاثَ لِقَاتِلٍ، وَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ، وَنَهْيُهُ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَأُخْتِهَا» فَيَجُوزُ تَخْصِيصُ الْعُمُومِ بِهِ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَخْبَارَ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَوَاتِرِ لِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى حُكْمِهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَنْعَقِدْ عَلَى رِوَايَتِهَا نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ اهـ.

وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْمُخَصِّصَ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هُوَ الْإِجْمَاعُ، وَكَلَامُنَا فِي خَبَرِ الْوَاحِدِ إذَا اُحْتُفَّ بِالْقَرَائِنِ أَفَادَ الْعِلْمَ كَالْمُتَوَاتِرِ، وَعَلَى ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ، وَفِي التَّحْرِيرِ الِاتِّفَاقُ عَلَى التَّخْصِيصِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لِلْكِتَابِ بَعْدَ تَخْصِيصِ الْكِتَابِ بِالْقَطْعِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ الْمُتَعَارِضَةِ؛ لِأَنَّ إعْمَالَ كُلٍّ مِنْ الدَّلِيلَيْنِ، وَلَوْ فِي الْجُمْلَةِ أَوْلَى مِنْ إهْمَالِ أَحَدِهِمَا بِالْكُلِّيَّةِ، وَهَذِهِ الصُّورَةُ وَارِدَةٌ عَنْ ظَاهِرِ الْمَتْنِ (وَقَوْلُهُ: وَهِيَ ظَنِّيَّةٌ) وَالْقَطْعِيُّ إنَّمَا هُوَ الْمَتْنُ (قَوْلُهُ: بِالظَّنِّيَّيْنِ) وَلَوْ بِاعْتِبَارِ الدَّلَالَةِ (قَوْلُهُ: ابْنُ أَبَانَ) اسْمُهُ عِيسَى مِنْ أَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَمَّا أَبَانُ فَفِيهِ وَجْهَانِ لِأَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ الصَّرْفُ، وَعَدَمُهُ فَمَنْ لَمْ يَصْرِفْهُ جَعَلَهُ فِعْلًا مَاضِيًا، وَالْهَمْزَةُ زَائِدَةٌ فَيَكُونُ أَفْعَلَ، وَمَنْ صَرَفَهُ جَعَلَ الْهَمْزَةَ أَصْلًا فَيَكُونُ فَعَالًا، وَصَرْفُهُ هُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ فِي كِتَابِهِ جَامِعِ اللُّغَةِ وَالْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ السَّيِّدِ الْبَطَلْيُوسِيُّ اهـ. وَقَالَ الْقَرَافِيُّ الْمُحَدِّثُونَ وَالْفُقَهَاءُ عَلَى عَدَمِ صَرْفِ أَبَانَ هَذَا، وَكَذَلِكَ أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -

طور بواسطة نورين ميديا © 2015