مَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ مِنْ لَفْظٍ أَوْ غَيْرِهِ وَبَدَأَ بِالْغَيْرِ لِقِلَّتِهِ فَقَالَ (يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِالْحِسِّ) كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى فِي الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ عَلَى عَادٍ {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} [الأحقاف: 25] أَيْ تُهْلِكُهُ فَإِنَّا نُدْرِكُ بِالْحِسِّ أَيْ الْمُشَاهَدَةِ مَا لَا تَدْمِيرَ فِيهِ كَالسَّمَاءِ (وَالْعَقْلُ) كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر: 62] فَإِنَّا نُدْرِكُ بِالْعَقْلِ ضَرُورَةَ أَنَّهُ - تَعَالَى - لَيْسَ خَالِقًا لِنَفْسِهِ (خِلَافًا لِشُذُوذٍ) مِنْ النَّاسِ فِي مَنْعِهِمْ التَّخْصِيصَ بِالْعَقْلِ قَائِلِينَ إنَّ

ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَلْفَاظِ فَالْمَنْظُورُ لَهُ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ فَلَا وَجْهَ لِتَصْوِيبِ وَالِدِ الْمُصَنِّفِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ عَطْفَ الْبَيَانِ، وَقَدْ أَدْخَلَهُ الْبِرْمَاوِيُّ فِي الصِّفَةِ حَيْثُ قَالَ: وَالْمُرَادُ بِهِ أَيْ بِالْوَصْفِ مَا أَشْعَرَ بِمَعْنًى يَتَّصِفُ بِهِ أَفْرَادُ الْعَامِّ سَوَاءٌ كَانَ نَعْتًا أَوْ عَطْفَ بَيَانٍ أَوْ حَالًا، وَسَوَاءٌ كَانَ مُفْرَدًا أَوْ جُمْلَةً أَوْ شِبْهَهَا، وَهُوَ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ وَالظَّرْفُ اهـ.

بِخَطِّ الْعَلَّامَةِ الْغُنَيْمِيِّ تِلْمِيذِ ابْنِ الْقَاسِمِ هَلْ التَّوْكِيدُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُخَصِّصًا، فَإِنْ قُلْنَا إنَّ أَجْمَعِينَ مَثَلًا يَقْتَضِي الِاتِّحَادَ فِي الْوَقْتِ فَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُخَصِّصًا، وَنَقَلَ لَنَا بَعْضُ الْأَفَاضِلِ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ الْمُصَرَّحَ بِهِ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي أَنْفُسِهِمْ اخْتَصَّ بِأَوْلَادِ الصُّلْبِ، وَلَا يَشْمَلُ أَوْلَادَ الْأَوْلَادِ.

(قَوْلُهُ: مَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ) بِأَنْ لَا يَحْتَاجَ إلَى ذِكْرِ الْعَامِّ مَعَهُ (قَوْلُهُ: لَقُلْته) أَيْ لِيَتَفَرَّغَ لِمَا يَطُولُ الْكَلَامُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: بِالْحِسِّ) قَدَّمَهُ عَلَى الْعَقْلِ لِمَا قَالَ الْإِمَامُ فِي أَوَّلِ الْبُرْهَانِ إنَّ اخْتِيَارَ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ الْمُدْرَكَ بِالْحَوَاسِّ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا يُدْرَكُ بِالْعَقْلِ، وَأَنَّ الْقَلَانِسِيَّ مِنْ أَصْحَابِنَا خَالَفَ فِي ذَلِكَ فَقَدَّمَ الْمَعْقُولَاتِ اهـ. فَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ خِلَافٌ فِيمَا إذَا تَعَارَضَ فِي لَفْظٍ عَامٍّ أَنْ يَكُونَ مُخَصَّصًا بِالْعَقْلِ أَوْ بِالْحِسِّ أَيُّهُمَا يَكُونُ هُوَ الْمُخَصَّصَ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.

وَنَازَعَ فِي هَذَا الْمِثَالِ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَمْثِلَةِ بِأَنَّهُ لَا يَتَغَيَّرُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمَخْصُوصِ بِالْحِسِّ فَقَدْ يَدَّعِي أَنَّهُ مِنْ الْعَامِّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى فِي الرِّيحِ) الْأَوْضَحُ أَنَّ التَّخْصِيصَ بِالسِّيَاقِ فَإِنَّ الْمَأْلُوفَ فِي أَمْثَالِ ذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ كُلُّ شَيْءٍ مِمَّا أُرِيدَ تَدْمِيرُهُ (قَوْلُهُ: فَإِنَّا نُدْرِكُ بِالْحِسِّ) الْمُرَادُ أَيَّ حِسٍّ كَانَ قِيلَ: وَمِنْهُ الدَّلِيلُ السَّمْعِيُّ؛ لِأَنَّهُ مُدْرَكٌ بِحَاسَّةِ السَّمْعِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْمُرَادَ أَنْ يَكُونَ الْحِسُّ نَفْسُهُ مَانِعًا مِنْ التَّنَاوُلِ وَالسَّمْعُ لَوْ خُلِّيَ، وَنَفْسُهُ لَا يَمْنَعُ فَالْحَقُّ أَنَّ الدَّلِيلَ السَّمْعِيَّ مِنْ الْمُخَصِّصِ بِاللَّفْظِيِّ (قَوْلُهُ: أَيْ الْمُشَاهَدَةُ) تَفْسِيرُ الْحِسِّ بِالْمُشَاهَدَةِ نَظَرًا لِلْآيَةِ، وَإِلَّا فَالْحِسُّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ شَامِلٌ لِلْحَوَاسِّ الْخَمْسَةِ الظَّاهِرَةِ مَعَ أَنَّ الْحَاكِمَ فِيهَا هُوَ الْعَقْلُ بِوَاسِطَتِهَا فَيَرْجِعُ ذَلِكَ إلَى التَّخْصِيصِ بِالْعَقْلِ، وَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ ابْنُ الْحَاجِبِ عَلَى الْعَقْلِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَالْعَقْلُ) أَيْ بِدُونِ وَاسِطَةٍ وَإِلَّا فَالْمَانِعُ فِي الْحِسِّ الْعَقْلُ فَإِنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِخُرُوجِ بَعْضِ أَفْرَادِ الْعَامِّ بِوَاسِطَةِ الْمُشَاهَدَةِ فَهُوَ مِنْ التَّخْصِيصِ بِالْعَقْلِ وَإِنَّمَا لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى الْعَقْلِ كَابْنِ الْحَاجِبِ وَالْآمِدِيِّ وَيُرَادُ مَا هُوَ أَعَمُّ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْهُ مَا كَانَ بِدُونِ وَاسِطَةٍ ثُمَّ إنَّ التَّخْصِيصَ بِالْعَقْلِ تَارَةً يَكُونُ ضَرُورِيًّا كَمَا مُثِّلَ أَوْ نَظَرِيًّا قَالَ الْعَلَّامَةُ الْبِرْمَاوِيُّ: كَتَخْصِيصِ قَوْله تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] فَإِنَّ الْعَقْلَ بِنَظَرِهِ اقْتَضَى عَدَمَ دُخُولِ الطِّفْلِ وَالْمَجْنُونِ فِي التَّكْلِيفِ بِالْحَجِّ لِعَدَمِ فَهْمِهِمَا بَلْ هُمَا فِي جُمْلَةِ الْغَافِلِ الَّذِي هُوَ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِخِطَابِ التَّكْلِيفِ كَمَا سَبَقَ، وَإِنَّمَا جَازَ التَّخْصِيصُ بِالْعَقْلِ، وَلَمْ يَجُزْ النَّسْخُ بِهِ خِلَافًا لِلْإِمَامِ؛ لِأَنَّ النَّسْخَ رَفْعٌ، أَوْ يَتَضَمَّنُهُ، وَالْعَقْلُ لَا يَسْتَقِلُّ بِذَاتِهِ، وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُمْ: النَّسْخُ بَيَانٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا هُوَ بَيَانٌ لِانْتِهَاءِ الْمُدَّةِ (قَوْلُهُ: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) التَّمْثِيلُ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ يَدْخُلُ فِي عُمُومِ كَلَامِهِ، وَعَلَى أَنَّ لَفْظَ شَيْءٍ يُطْلَقُ عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى، وَفِي كِلَيْهِمَا خِلَافٌ (قَوْلُهُ: ضَرُورَةً جَعَلَهُ) ضَرُورَةً بَعْدَ اتِّضَاحِهِ الْآتِي فَلَا يُنَافِي أَنَّ أَصْلَهُ نَظَرِيٌّ (قَوْلُهُ: لِشُذُوذِ) مَصْدَرٌ بِمَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ (قَوْلُهُ: فِي مَنْعِهِمْ التَّخْصِيصَ بِالْعَقْلِ) لَمْ يَذْكُرْ الْحِسَّ مَعَ أَنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفُ تَشْمَلُهُ إمَّا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْهُ، وَإِمَّا؛ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ بِهِ تَخْصِيصٌ بِالْعَقْلِ بِوَاسِطَةٍ كَمَا مَرَّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015