مَا نَفَى الْعَقْلُ حُكْمَ الْعَامِّ عَنْهُ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْعَامُّ؛ لِأَنَّهُ لَا تَصِحُّ إرَادَتُهُ (وَمَنَعَ الشَّافِعِيُّ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (تَسْمِيَتَهُ تَخْصِيصًا) نَظَرًا إلَى أَنَّ مَا تَخَصَّصَ بِالْعَقْلِ لَا تَصِحُّ إرَادَتُهُ بِالْحُكْمِ (وَهُوَ) أَيْ الْخِلَافُ (لَفْظِيٌّ) أَيْ عَائِدٌ إلَى اللَّفْظِ، وَالتَّسْمِيَةُ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى الرُّجُوعِ إلَى الْعَقْلِ فِيمَا نَفَى عَنْهُ حُكْمَ الْعَامِّ وَهَلْ يُسَمَّى نَفْيُهُ لِذَلِكَ تَخْصِيصًا فَعِنْدَنَا نَعَمْ، وَعِنْدَهُمْ لَا وَيَأْتِي مِثْلُ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي التَّخْصِيصِ بِالْحِسِّ (وَالْأَصَحُّ جَوَازُ تَخْصِيصِ الْكِتَابِ بِهِ) أَيْ بِالْكِتَابِ وَقِيلَ لَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] فَوَّضَ الْبَيَانَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالتَّخْصِيصُ بَيَانٌ فَلَا يَحْصُلُ إلَّا بِقَوْلِهِ لَنَا الْوُقُوعُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: مَا نَفَى الْعَقْلُ) بِالرَّفْعِ فَاعِلُ نَفَى وَمَصْدُوقُ مَا كَالذَّاتِ الْعَلِيَّةِ مَثَلًا فِي الْآيَةِ (قَوْلُهُ: لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْعَامُّ) أَيْ حَتَّى يَصِحَّ إخْرَاجُهُ، وَإِنَّمَا الْعَقْلُ اقْتَضَى عَدَمَ دُخُولِهِ فِي لَفْظِ الْعَامِّ، وَفُرِّقَ بَيْنَ عَدَمِ دُخُولِهِ وَبَيْنَ خُرُوجِهِ بَعْدَ أَنْ دَخَلَ، وَأَوْرَدَ أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِعَدَمِ تَنَاوُلِ الْعَامِّ لَهُ عَدَمَ تَنَاوُلِ اللَّفْظِ فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ وَإِنْ أُرِيدَ مَعْنَاهُ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ فَغَيْرُ مُضِرٍّ؛ لِأَنَّ كُلَّ الْمُخَصِّصَاتِ التَّنَاوُلُ الْحُكْمِيُّ فِيهَا مَنْفِيٌّ.
وَأُجِيبَ بِاخْتِيَارِ الْأَوَّلِ وَالْمَعْنَى عَلَى الْكَائِنَةِ أَيْ كَأَنَّهُ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ اللَّفْظُ لِمَنْعِ الْعَقْلِ لَهُ (قَوْلُهُ: لَا تَصِحُّ إرَادَتُهُ) فِيهِ أَنَّ كُلَّ تَخْصِيصٍ كَذَلِكَ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ لَا تَصِحُّ إرَادَتُهُ بِالْحُكْمِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْلِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّ مَا اسْتَنَدَ لِشَيْءٍ تَصِحُّ إرَادَتُهُ (قَوْلُهُ: تَسْمِيَتُهُ) أَيْ التَّخْصِيصِ بِمَعْنَى الْإِخْرَاجِ بِالْعَقْلِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَوْلِ الشُّذُوذِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ يَمْنَعُ التَّسْمِيَةَ مَعَ قَوْلِهِ بِأَنَّ لَفْظَ الْعَامِّ شَامِلٌ لِمَا نَفَاهُ الْعَقْلُ، وَالشُّذُوذُ يَمْنَعُونَ التَّنَاوُلَ لِمَا نَفَاهُ الْعَقْلُ وَيَلْزَمُ مِنْهُ مَنْعُ التَّسْمِيَةِ فَمَا عَلَّلَ بِهِ الشُّذُوذُ عَدَمَ تَنَاوُلِ الْعَامِّ لَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ إرَادَتُهُ عَلَّلَ بِهِ الشَّافِعِيُّ عَدَمَ التَّسْمِيَةِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا يُقَالُ: لِمَ لَمْ يَقُلْ خِلَافًا لِشُذُوذٍ وَالشَّافِعِيِّ
(قَوْلُهُ: أَيْ عَائِدٌ إلَى اللَّفْظِ) الْمُتَبَادَرِ إلَى أَنَّ مَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ خِلَافٌ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ثَمَرَةٌ فِي الْأَحْكَامِ كَمَا يُشِيرُ لَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى الرُّجُوعِ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَعِنْدَهُمْ لَا) مُسَلَّمَ بِالنِّسْبَةِ لِلشَّافِعِيِّ وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلشُّذُوذِ فَالْحَلِفُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْجُمْهُورِ مَعْنَوِيٌّ؛ لِأَنَّهُمْ يَنْفُونَ التَّنَاوُلَ لَفْظًا وَحُكْمًا (قَوْلُهُ: وَيَأْتِي مِثْلُ ذَلِكَ إلَخْ) فَإِنَّ التَّخْصِيصَ بِالْحِسِّ تَخْصِيصٌ بِالْعَقْلِ (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ جَوَازُ تَخْصِيصِ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي الْمُخَصِّصِ النَّقْلِيِّ قِيلَ: كَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ وَالصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ الْمُقَابِلَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ؛ لِأَنَّهُ لِبَعْضِ الظَّاهِرِيَّةِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ خَالِدٌ (قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ وَأَنْزَلْنَا إلَخْ) وَعَلَيْهِ فَقَوْلُهُ: مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ إظْهَارٌ فِي مَحَلِّ الْإِضْمَارِ (قَوْلُهُ: فَلَا يَحْصُلُ إلَّا بِقَوْلِهِ) أَيْ أَوْ فِعْلِهِ (قَوْلُهُ: لَنَا الْوُقُوعُ) وَهُوَ مِنْ أَقْوَى أَدِلَّةِ الْجَوَازِ