وَيُؤَيِّدُهُ صِحَّةُ اسْتِثْنَاءِ الْوَاحِدِ مِنْهُ نَحْوُ جَاءَ الرِّجَالُ إلَّا زَيْدًا، وَلَوْ كَانَ مَعْنَاهُ جَاءَ كُلُّ جَمْعٍ مِنْ جُمُوعِ الرِّجَالِ لَمْ يَصِحَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُنْقَطِعًا نَعَمْ قَدْ تَقُومُ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَةِ الْمَجْمُوعِ نَحْوُ رِجَالُ الْبَلَدِ يَحْمِلُونَ الصَّخْرَةَ الْعَظِيمَةَ أَيْ مَجْمُوعُهُمْ وَالْأَوَّلُ يَقُولُ قَامَتْ قَرِينَةُ الْآحَادِ فِي الْآيَاتِ الْمَذْكُورَاتِ وَنَحْوِهَا.
(وَالْمُفْرَدُ الْمُحَلَّى) بِاللَّامِ (مِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ الْجَمْعِ الْمُعَرَّفِ بِهَا فِي أَنَّهُ لِلْعُمُومِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQزَوَالِ الْجَمْعِيَّةِ وَيَصِيرُ كَالْمُفْرَدِ وَيَكُونُ الْحُكْمُ لِكُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ سَوَاءٌ كَانَتْ الصِّيغَةُ جَمْعًا، أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ وَرُبَّمَا نُقِلَ هَذَا عَنْ الْحَنَفِيَّةِ وَإِلَّا قَالَ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ وَلِهَذَا شَرَطُوا فِي كُلِّ صِنْفٍ مِنْ مُسْتَحَقِّي الزَّكَاةِ ثَلَاثَةً إلَّا لِلْعَامِلَيْنِ وَقَالُوا فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، أَوْ لَا يَشْتَرِي الْعَبِيدَ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِثَلَاثَةٍ وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يَحْنَثُ بِوَاحِدٍ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ مُحَافَظَةً عَلَى الْجَمْعِ نَعَمْ فِي الْحَاوِي لِلْمَاوَرْدِيِّ: لَوْ حَلَفَ لَا يَتَصَدَّقُ عَلَى الْمَسَاكِينِ يَحْنَثُ بِوَاحِدٍ أَوْ لَيَتَصَدَّقُ عَلَى الْمَسَاكِينِ لَا يَبْرَأُ إلَّا بِثَلَاثَةٍ؛ لِأَنَّ نَفْيَ الْجَمْعِ مُمْكِنٌ بِخِلَافِ إثْبَاتِ الْجَمْعِ أَيْ مِنْ عُمُومِهِ قُلْت وَبِهَذَا تَسْتَفِيدُ أَنَّهُمْ إنَّمَا قَالُوا فِي أَصْنَافِ الزَّكَاةِ بِالْجَمْعِ لِتَعَذُّرِ تَعْمِيمِهِمْ فَاقْتَصَرَ عَلَى مَا يَقَعُ عَلَيْهِ لَفْظُ الْجَمْعِ فِي الْأَصْلِ وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ أَنَّ اللَّامَ الدَّاخِلَةَ عَلَى الْجَمْعِ مُعْتَبَرَةٌ كَاسْمِ الْجِنْسِ أَيْ حَتَّى يَصْدُقَ عَلَى الْوَاحِدِ لَكِنَّهُ يُشْكَلُ بِمَسْأَلَةِ أَصْنَافِ الزَّكَاةِ. اهـ.
مَأْخُوذٌ مِنْ الْبِرْمَاوِيِّ (قَوْلُهُ: وَيُؤَيِّدُهُ) لَمْ يَقُلْ يَدُلُّ عَلَيْهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُنْقَطِعٌ كَمَا يَأْتِي أَوْ يُقَالُ يَكْفِي الدُّخُولُ وَلَوْ عَلَى سَبِيلِ الْجُزْئِيَّةِ وَزَيْدٌ دَاخِلٌ عَلَى أَنَّهُ جُزْءٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَّصِلِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَخْرَجُ جُزْئِيًّا، أَوْ جُزْءًا
(قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ مُنْقَطِعًا) أَيْ وَالِانْقِطَاعُ خِلَافُ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ الِاتِّصَالُ وَقَدْ قَالَ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا فِي الْفَرَائِدِ: صِيغَةُ الِاسْتِثْنَاءِ حَقِيقَةٌ فِي الْمُتَّصِلِ وَمَجَازٌ فِي الْمُنْقَطِعِ وَلِذَلِكَ لَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ الْأَوَّلِ.
وَأَمَّا لَفْظُ الِاسْتِثْنَاءِ فَحَقِيقَةٌ فِيهِمَا (قَوْلُهُ: نَعَمْ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلَ الْمُصَنِّفِ لِلْعُمُومِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّمَهُ عَلَى قَوْلِهِ وَعَلَى الْعُمُومِ، أَوْ يُؤَخِّرَهُ عَنْ قَوْلِهِ وَالْأَوْلَى إلَخْ.
(قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ) أَيْ الْقَائِلُ بِأَنَّ أَفْرَادَ الْجُمُوعِ جُمُوعٌ (تَذْيِيلٌ) مِنْ فُرُوعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا لَوْ قَالَ إنْ كَانَ اللَّهُ يُعَذِّبُ الْمُوَحِّدِينَ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ طَلَقَتْ زَوْجَتُهُ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَاسْتَدْرَكَ عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ فَقَالَ هَذَا إذَا قَصَدَ تَعْذِيبَ أَحَدِهِمْ فَإِنْ قَصَدَ تَعْذِيبَ كُلِّهِمْ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّ التَّعْذِيبَ يَخْتَصُّ بِبَعْضِهِمْ، وَمِنْهَا التَّلْقِيبُ بِشَاهٍ شَاهْ أَيْ مَلِكِ الْمُلُوكِ.
وَقَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِبَغْدَادَ لَمَّا لُقِّبَ بِذَلِكَ جَلَالُ الدَّوْلَةِ آخِرُ الْمُلُوكِ الدَّيَالِمَةِ وَخُطِبَ بِهِ عَلَى الْمَنَابِرِ فَأَفْتَى طَائِفَةٌ بِالْجَوَازِ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الصَّيْمَرِيُّ الْحَنَفِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيُّ الْحَنْبَلِيُّ وَطَائِفَةٌ بِالتَّحْرِيمِ مِنْهُمْ الْقَاضِي الْمَاوَرْدِيُّ الشَّافِعِيُّ صَاحِبُ الْحَاوِي وَوَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُجَوِّزِينَ مُنَاقَضَاتٌ فِي ذَلِكَ وَوَافَقَهُ عَلَى التَّحْرِيمِ ابْنُ الصَّلَاحِ وَالنَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَخْنَى رَجُلٍ، أَوْ أَخْنَعُ رَجُلٍ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَخْبَثُهُ رَجُلٌ كَانَ يُسَمَّى مَلِكَ الْأَمْلَاكِ لَا مَلِكَ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى» وَأَخْنَعُ وَأَخْنَى بِمَعْنَى أَذَلَّ وَأَوْضَعُ وَأَرْذَلُ أَقْوَالٌ لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَاجَلَهُ بِالنِّقْمَةِ فَلَمْ يُفْلِحْ بَعْدَ هَذَا اللَّقَبِ وَبِهِ انْقَرَضَتْ دَوْلَتُهُمْ حِينَ ظَهَرَ بَنُو سَلْجُوقٍ كَمَا هُوَ مَسْطُورٌ فِي كُتُبِ التَّارِيخِ.
(قَوْلُهُ: الْمُحَلَّى) شَبَّهَ التَّعْرِيفَ بِالتَّحْلِيَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ إزَالَةِ خِسَّةِ الْإِبْهَامِ وَشَمَلَتْ اللَّامُ الْمَوْصُولَةُ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرَهُ وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْمُثَنَّى وَفِي شَرْحِ الْمَحْصُولِ لِلْقَرَافِيِّ أَنَّهُ كَالْجَمْعِ وَجَعَلَهُ وَارِدًا عَلَى الْإِمَامِ وَلَمْ يُعَبِّرْ بِاسْمِ الْجِنْسِ كَمَا عَبَّرَ ابْنُ الْحَاجِبِ؛ لِأَنَّ بَعْضَ النَّاسِ كَابْنِ التِّلِمْسَانِيِّ يُقَسِّمُ الْمُفْرَدَ إلَى اسْمِ جِنْسٍ وَغَيْرِهِ فَيَخُصُّ بِاسْمِ الْجِنْسِ مَا لَا يَتَغَيَّرُ لَفْظُهُ عِنْدَ تَكَثُّرِ مَدْلُولِهِ كَالْمَاءِ وَالْعَسَلِ وَيَجْعَلُ مَا تَغَيَّرَ لَفْظُهُ عِنْدَ تَكَثُّرِ مَدْلُولِهِ قِسْمًا آخَرَ لَا يُسَمَّى اسْمَ جِنْسٍ فَكَأَنَّهُ بِالتَّعْبِيرِ بِالْمُفْرَدِ تَخَلَّصْ عَنْ إيهَامٍ أَرَادَ اسْمَ الْجِنْسِ بِهَذَا الْمَعْنَى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْفَرْقِ الْمَذْكُورِ أَثَرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعُمُومِ فَإِنَّهُ بِاعْتِبَارِ التَّحْلِيَةِ (قَوْلُهُ: فِي أَنَّهُ لِلْعُمُومِ) فَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَنَزَّهُوا عَنْ الْبَوْلِ» عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْأَبْوَالِ وَلِذَلِكَ اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى نَجَاسَةِ جَمِيعِ الْأَبْوَالِ عِنْدَنَا وَمَنْ قَالَ بِطَهَارَةِ بَوْلِ الْمَأْكُولِ كَالْإِمَامِ مَالِكٍ يَمْنَعُ الْعُمُومَ وَمِثْلُهُ مَا إذَا نَوَى الْجُنُبُ الطَّهَارَةَ لِلصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيَرْتَفِعُ الْأَكْبَرُ وَالْأَصْغَرُ وَفَاءً بِالْقَاعِدَةِ وَلَمْ يُنَزِّلُوا