وَالْعُمُومِ مَجَازًا (وَقِيلَ مُشْتَرَكَةٌ) بَيْنَ الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ لِأَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَالْأَصْلُ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْحَقِيقَةُ (وَقِيلَ بِالْوَقْفِ) أَيْ لَا يُدْرَى أَهِيَ حَقِيقَةٌ فِي الْعُمُومِ أَمْ فِي الْخُصُوصِ أَمْ فِيهِمَا (وَالْجَمْعُ الْمُعَرَّفُ بِاللَّامِ) ، نَحْوُ {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1] (أَوْ الْإِضَافَةِ) ، نَحْوُ {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11] (لِلْعُمُومِ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ عَهْدٌ) لِتَبَادُرِهِ إلَى الذِّهْنِ (خِلَافًا لِأَبِي هَاشِمٍ) فِي نَفْيِهِ الْعُمُومَ عَنْهُ (مُطْلَقًا) فَهُوَ عِنْدَهُ لِلْجِنْسِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: وَالْعُمُومِ مَجَازًا) أَيْ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْأَمْثِلَةِ السَّابِقَةِ مَجَازٌ مِنْ اسْتِعْمَالِ مَا لِلْبَعْضِ لِلْكُلِّ فَهُوَ مِنْ تَتِمَّةِ الْقَوْلِ الثَّانِي وَهُوَ جَوَابُ سُؤَالٍ تَقْدِيرُهُ ظَاهِرٌ. (قَوْلُهُ: مُشْتَرَكَةٌ) أَيْ اشْتِرَاكًا لَفْظِيًّا. (قَوْلُهُ: لِكُلٍّ مِنْهُمَا) أَيْ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ بِالْوَقْفِ) اُخْتُلِفَ فِي مَحَلِّهِ عَلَى أَقْوَالٍ فَقِيلَ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَقِيلَ فِي الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ.

(قَوْلُهُ: وَالْجَمْعُ الْمُعَرَّفُ) وَكَذَا الْمُثَنَّى وَمَا فِي مَعْنَاهُ كَشَفْعٍ وَمِثْلُ الْجَمْعِ اسْمُ الْجَمْعِ كَقَوْمٍ وَرَهْطٍ وَاسْمُ الْجِنْسِ الْجَمْعِيِّ كَتَمْرٍ، وَفِي قَوْلِهِ الْمُعَرَّفُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ جَعْل جَمْعِ السَّلَامَةِ مُفِيدًا لِلْعُمُومِ كَمَا مُثِّلَ بِهِ وَبَيْنَ قَوْلِ النُّحَاةِ إنَّ جَمْعَ السَّلَامَةِ جَمْعُ قِلَّةٍ وَمَدْلُولُ جَمْعِ الْقِلَّةِ عَشَرَةٌ فَأَقَلُّ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُمْ فِي الْجَمْعِ الْمُنَكَّرِ وَكَلَامَ الْأُصُولِيِّينَ فِي الْمُعَرَّفِ قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ.

وَقَدْ وَافَقَ الْأُصُولِيُّونَ النُّحَاةَ فِي أَنَّ الْجَمْعَ الْمُنَكَّرَ فِي الْإِثْبَاتِ لَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ كُلَّ أَنْوَاعِ الْعَدَدِ فَإِنَّ رِجَالًا يُمْكِنُ وَصْفُهُ بِأَيِّ عَدَدٍ ثَبَتَ فَوْقَ الِاثْنَيْنِ كَالثَّلَاثَةِ وَالْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمَا عَلَى الْبَدَلِ فَلَا يَكُونُ مُسْتَغْرَقًا وَقَالَ غَيْرُهُ لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَصْلُ وَضْعِهِ لِلْقِلَّةِ وَغَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْعُمُومِ بِعُرْفٍ أَوْ شَرْعٍ فَنَظَرَ النُّحَاةُ إلَى أَصْلِ الْوَضْعِ وَالْأُصُولِيُّونَ إلَى غَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَهَلْ يَشْمَلُ أُلْ الْمَوْصُولَةَ قِيلَ نَعَمْ؛ لِأَنَّهَا نَفْسَهَا عَامَّةٌ كَمَا سَبَقَ فِي ذِكْرِ الْمَوْصُولِ فَالْقَوْلُ فِيهِمَا وَاحِدٌ عَلَى الْقَوْلِ بِعُمُومِ الْمَوْصُولِ عَلَى أَنَّ أَبَا الْحَسَنَ الْأَخْفَشَ يَقُولُ فِي أَلْ الْمَوْصُولَةِ أَنَّهَا لِلتَّعْرِيفِ.

(قَوْلُهُ: فِي أَوْلَادِكُمْ) أَيْ شَأْنِ أَوْلَادِكُمْ. (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ عَهْدٌ) . إلَّا أَنْ يَكُونَ بِاعْتِبَارِ الْمَعْهُودِينَ خَاصَّةً فَيَكُونُ الْعُمُومُ فِيهِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَهُوَ ظَاهِرٌ.

(قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ تَحَقَّقَ عَهْدٌ أَمْ لَا وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّهُ إذَا تَحَقَّقَ عَهْدٌ كَانَ مَحَلَّ اتِّفَاقٍ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ أَمَّا إذَا تَحَقَّقَ عَهْدٌ صُرِفَ إلَيْهِ جَزْمًا وَعِبَارَةُ الْعِرَاقِيِّ قَالَ أَبُو هَاشِمٍ إنَّهُ لَا يُفِيدُ الْعُمُومَ بَلْ الْجِنْسَ مُطْلَقًا سَوَاءٌ اُحْتُمِلَ عَهْدٌ أَمْ لَا وَعَزَاهُ الْمَازِرِيُّ لِأَبِي حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيِّ اهـ وَمَا نُقِلَ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ مُوَافِقٌ لِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ فَقَدْ قَالَ فِي التَّلْوِيحِ قَالَ مَشَايِخُنَا الْجَمْعُ الْمُعَرَّفُ مَجَازٌ عَنْ الْجِنْسِ وَهَذَا مَا ذَكَرَهُ أَئِمَّةُ الْعَرَبِيَّةِ فِي مِثْلِ فُلَانٌ يَرْكَبُ الْخَيْلَ وَيَلْبَسُ الثِّيَابَ الْبِيضَ أَنَّهُ لِلْجِنْسِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ لَيْسَ الْقَصْدُ إلَى عَهْدٍ أَوْ اسْتِغْرَاقٍ فَلَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ أَوْ لَا يَشْتَرِي الْعَبِيدَ أَوْ لَا يُكَلِّمُ النَّاسَ يَحْنَثُ بِالْوَاحِدِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْجِنْسِ حَقِيقَةٌ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ الثَّلَاثَةِ فِي الْجَمْعِ وَالْوَاحِدُ هُوَ الْمُتَيَقَّنُ فَيُعْمَلُ بِهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَعَدَمِ الِاسْتِغْرَاقِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْعُمُومَ فَحِينَئِذٍ لَا يَحْنَثُ قَطُّ وَيُصَدَّقُ دِيَانَةً وَقَضَاءً؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ وَعَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةً لَا تَثْبُتُ إلَّا بِالنِّيَّةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ نَوَى الْمَجَازَ

ثُمَّ هَذَا الْجِنْسُ بِمَنْزِلَةِ النَّكِرَةِ تُخَصُّ فِي الْإِثْبَاتِ كَمَا إذَا حَلَفَ لَيَرْكَبَنَّ الْخَيْلَ يَحْصُلُ الْبِرُّ بِرُكُوبٍ وَاحِدٍ وَيَعُمُّ فِي النَّفْيِ، مِثْلُ {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ} [الأحزاب: 52] أَيْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ وَفِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] يَكُونُ مَعْنَاهُ أَنَّ جِنْسَ الزَّكَاةِ لِجِنْسِ الْفُقَرَاءِ فَيَجُوزُ الصَّرْفُ إلَى وَاحِدٍ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِغْرَاقَ لَيْسَ بِمُسْتَقِيمٍ إذْ يَصِيرُ الْمَعْنَى أَنَّ كُلَّ صَدَقَةٍ لِكُلِّ فَقِيرٍ لَا يُقَالُ بَلْ الْمَعْنَى أَنَّ جَمِيعَ الصَّدَقَاتِ لِجَمِيعِ الْفُقَرَاءِ وَمُقَابَلَةُ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ تَقْتَضِي انْقِسَامَ الْآحَادِ لَا ثُبُوتَ كُلِّ فَرْدٍ مِنْ هَذَا الْجَمْعِ لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ ذَلِكَ الْجَمْعِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَوْ سُلِّمَ أَنَّ هَذَا مَعْنَى الِاسْتِغْرَاقِ فَالْمَطْلُوبُ حَاصِلٌ وَهُوَ جَوَازُ صَرْفِ الزَّكَاةِ إلَى فَقِيرٍ وَاحِدٍ اهـ.

وَفِي التَّوْضِيحِ لَوْ أُرِيدَ الْجَمْعُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لَكَانَ الْمُرَادُ جَمْعًا مُسْتَغْرَقًا فَمَعْنَاهُ أَنَّ جَمِيعَ الصَّدَقَاتِ لِجَمِيعِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَهَذَا غَيْرُ مُرَادٌ إجْمَاعًا إذْ لَيْسَ فِي وُسْعِ أَحَدٍ أَنْ يُوَزِّعَ الصَّدَقَاتِ عَلَى جَمِيعِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ بِحَيْثُ لَا يُحْرِمُ وَاحِدًا عَلَى أَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ هَذَا يَبْطُلُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْجَمْعُ مُرَادًا كَانَ الْمُرَادُ الْجِنْسَ فَيُرَادُ أَنَّ جِنْسَ الصَّدَقَةِ لِجِنْسِ الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ مِنْ غَيْرِ أَنْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015