أَيْ كُلَّ عَطْشَانَ إلَى مَا هُوَ فِيهِ (وَيَمِيرُ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ يَعْنِي يُشْبِعُ كُلَّ جَائِعٍ إلَى مَا هُوَ فِيهِ مِنْ مَارَ أَهْلَهُ أَتَاهُمْ بِالْمِيرَةِ أَيْ الطَّعَامِ الَّذِي مِنْ صِفَتِهِ أَنَّهُ يُشْبِعُ فَحَذَفَ مَعْمُولَيْ الْفِعْلَيْنِ لِلتَّعْمِيمِ مَعَ الِاخْتِصَارِ بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ وَالْمَنْهَلُ عَيْنُ مَاءٍ يُورَدُ وَوَصَفَهُ بِالْإِرْوَاءِ وَالْإِشْبَاعِ كَمَاءِ زَمْزَمَ فَإِنَّهُ (يَرْوِي) الْعَطْشَانَ وَيُشْبِعُ الْجَوْعَانَ وَمِنْ اسْتِعْمَالِ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ فِي غَيْرِ مَعْنَاهُمَا الْمَعْرُوفِ كَمَا هُنَا قَوْلُ الْعَرَبِ جُعْت إلَى لِقَائِك أَيْ اشْتَقْت وَعَطِشْت إلَى لِقَائِك أَيْ اشْتَقْت حَكَاهُ الصَّاغَانِيُّ (الْمُحِيطُ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQكَوْنُهُ وَرَدَ الْمَنْهَلَ فَإِنَّ وَصْفَ زَيْدٍ بِأَنَّهُ بَحْرٌ مَثَلًا أَبْلَغُ مِنْ وَصْفِهِ بِأَنَّهُ وَرَدَ الْبَحْرَ بَلْ لَا نِسْبَةَ بَيْنَهُمَا.
وَأَمَّا إذَا جُعِلَ مَفْعُولًا لِوَارِدٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ الْمَعْنَى وَصْفُ جَمْعِ الْجَوَامِعِ بِأَنَّهُ وَرَدَ مَنْهَلًا يَرْوِي وَيَمِيرُ هُوَ قَرِيبٌ مِنْ مِائَةِ مُصَنَّفٍ مِنْ كُتُبِ الْأُصُولِ فَرُوِيَ مِنْهُ وَامْتَارَ وَيَكُونُ قَوْلُهُ مِنْ زُهَاءِ مِائَةِ مُصَنَّفٍ بَيَانًا قُدِّمَ عَلَى الْمُبَيَّنِ إذْ لَوْ أُخِّرَ عَلَى الْمُبَيَّنِ بِهِ مَعَ صِفَتِهِ فَأَتَتْ رِعَايَةً لِلسَّجْعِ وَلَوْ فُصِلَ بِهِ بَيْنَ الْمَوْصُوفِ وَصِفَتِهِ كَانَ فِي مِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ خِلَافُ الْأَوْلَى فَشُبِّهَتْ الْكُتُبُ الَّتِي اسْتَمَدَّ مِنْهَا كِتَابَهُ بِمَنْهَلٍ يُرْوَى وَيَمِيرُ مِنْ وِرْدِهِ وَإِنْ كَانَ الْمَيْرُ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ بَعْضِ الْمَنَاهِلِ كَمَاءِ زَمْزَمَ عَنْ طَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ الْمُصَرِّحَةِ وَشَبَّهَ كِتَابَهُ لِكَثْرَةِ مَا فِيهِ بِمَنْ وَرَدَ ذَلِكَ الْمَنْهَلَ عَلَى طَرِيقِ الْمَكْنِيَّةِ وَإِثْبَاتُ الْوُرُودِ تَخْيِيلٌ وَرَشَّحَ الِاسْتِعَارَتَيْنِ بِذِكْرِ الْإِرْوَاءِ وَالْمَيْرِ وَعَلَى مَا قَدَّرَهُ الشَّارِحُ فَإِنْ بَيَّنَّا عَلَى مَا جَوَّزَهُ السَّعْدُ مِنْ أَنَّ: زَيْدٌ أَسَدٌ اسْتِعَارَةٌ كَانَ فِي الْكَلَامِ الِاسْتِعَارَةُ الْمُصَرِّحَةُ فَقَطْ مُرَشَّحَةً بِذِكْرِ الْإِرْوَاءِ وَالْمَيْرِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ حَمْلُ الشَّارِحِ إيَّاهُمَا عَلَى الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ بِقَوْلِهِ فِيمَا يَأْتِي وَمِنْ اسْتِعْمَالِ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ إلَخْ؛ لِأَنَّ التَّرْشِيحَ يَجُوزُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِي مَعْنًى مَجَازِيٍّ وَحِينَئِذٍ يَنْقَلِبُ تَجْرِيدًا كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ وَإِنْ بَنَيْنَا عَلَى مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ مِنْ أَنَّ: زَيْدٌ أَسَدٌ تَشْبِيهٌ بَلِيغٌ لِوُجُودِ الْجَمْعِ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ فَمَنْهَلٌ تَشْبِيهٌ بَلِيغٌ وَلَا اسْتِعَارَةَ أَصْلًا وَعَلَى الْأَوَّلِ دَرَجَ الشَّارِحُ حَيْثُ جَعَلَ يَرْوِي وَيَمِيرُ مُسْتَعْمَلَيْنِ فِي غَيْرِ مَعْنَاهُمَا الْحَقِيقِيِّ إذْ هُمَا عَلَى أَنَّ مَنْهَلًا تَشْبِيهٌ بَلِيغٌ مُسْتَعْمَلَانِ فِي مَعْنَاهُمَا الْحَقِيقِيِّ أَلْبَتَّةَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ السِّنْدِيُّ وَالْإِنْصَافُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَجْهٌ لَطِيفٌ مَعْنًى، بَعِيدٌ لَفْظًا وَالْأَقْرَبُ بِحَسَبِ اللَّفْظِ أَنَّ مَنْهَلًا مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ فَإِنَّ وَصْفَهُ بِكَوْنِهِ وَارِدًا يَأْبَى اعْتِبَارَ كَوْنِهِ مَنْهَلًا إذَا الْمَنْهَلُ مَوْرُودٌ لَا وَارِدٌ وَأَيْضًا يَتَبَادَرُ مِنْ ذِكْرِ الْمَنْهَلِ بَعْدَ الْوُرُودِ أَنَّهُ مَفْعُولُهُ فَصَرْفُهُ إلَى مَعْنًى آخَرَ حَمْلٌ عَلَى خِلَافِ الْمُتَبَادَرِ.
(قَوْلُهُ: أَيْ كُلَّ عَطْشَانَ) قَدَّرَ الْمَفْعُولَ كُلَّ عَطْشَانَ وَقَدَّرَهُ الْكَمَالُ كُلَّ مَنْ وَرَدَهُ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ذِكْرُ الْمَنْهَلِ وَتَقْدِيرُ الشَّارِحِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَنْسَبُ بِمَعْنَى يُرْوِي فَإِنَّ الْإِرْوَاءَ إزَالَةُ الْعَطَشِ وَتَعْلِيقُهُ بِالْعَطْشَانِ أَوْلَى مِنْ تَعْلِيقِهِ الْوَارِدَ وَأَعَمُّ لِشُمُولِهِ غَيْرَ الْوَارِدِ فَهُوَ أَبْلَغُ فِي إفَادَةِ كَثْرَةِ الِانْتِفَاعِ بِهِ وَكَذَا يُقَالُ فِي تَقْدِيرِ مَفْعُولِ يَمِيرُ.
(قَوْلُهُ: إلَى مَا) أَيْ فَنٍّ هُوَ أَيْ الْكِتَابُ فِيهِ أَيْ فِي ذَلِكَ الْفَنِّ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرْوِي الْعَطْشَانَ إلَى غَيْرِ مَا هُوَ فِيهِ.
(قَوْلُهُ: بِفَتْحِ أَوَّلِهِ) وَيَجُوزُ أَيْضًا ضَمُّهُ مِنْ أَمَارَ.
(قَوْلُهُ: يَعْنِي يُشْبِعُ) عَبَّرَ بِالْعِنَايَةِ؛ لِأَنَّهُ مَعْنًى مَجَازِيٌّ بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ وَقَوْلُهُ الَّذِي مِنْ صِفَتِهِ إلَخْ إشَارَةٌ لِلْعَلَاقَةِ وَهِيَ السَّبَبِيَّةُ فَإِنَّ الْإِتْيَانَ بِالْمَرَّةِ سَبَبٌ فِي الْجُمْلَةِ لِلْإِشْبَاعِ.
(قَوْلُهُ: بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ) أَيْ سِيَاقِ الْمَدْحِ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ لِلتَّعْمِيمِ.
(قَوْلُهُ: يُورَدُ) فَإِنْ لَمْ يُورَدْ لَا يُسَمَّى مَنْهَلًا.
(قَوْلُهُ: وَوَصَفَهُ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ الْمَنْهَلُ الْمَاءُ وَهُوَ لَا يُشْبِعُ وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ مِنْ الْمَاءِ مَا يُشْبِعُ كَمَاءِ زَمْزَمَ، وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَإِنَّهَا تَعْلِيلِيَّةٌ (قَوْلُهُ: وَالْإِشْبَاعِ) عَدَلَ الشَّارِحُ عَنْ التَّعْبِيرِ بِالْمَيْرِ الَّذِي هُوَ مَصْدَرُ يَمِيرُ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ دُونَ الْإِتْيَانِ بِالْمِيرَةِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الْمَيْرِ حَقِيقَةً.
(قَوْلُهُ: أَيْ اُشْتُقَّتْ) إنْ قِيلَ لِمَ أُفْرِدَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالتَّعْبِيرِ وَلِمَ لَمْ يُجْمَعْ بَيْنَهُمَا فِي تَفْسِيرٍ وَاحِدٍ بِأَنْ يُقَالَ عَطِشْتُ وَجُعْتُ إلَى لِقَائِك أَيْ اشْتَقْت مَعَ مُحَافَظَتِهِ عَلَى الِاخْتِصَارِ.
أُجِيبَ بِأَنَّ فَائِدَةَ ذَلِكَ التَّنْصِيصُ عَلَى اسْتِعْمَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي الِاشْتِيَاقِ وَهَذَا إنَّمَا يَحْصُلُ بِمَا ذُكِرَ لَا بِجَمْعِهِمَا فِي تَفْسِيرٍ وَاحِدٍ لِإِيهَامِ ذَلِكَ أَنَّ التَّفْسِيرَ رَاجِعٌ إلَى الْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ