مِنْ غَيْرِ إلْبَاسٍ (مَبْلَغَ ذَوِي الْجِدِّ) بِكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ بُلُوغَ أَصْحَابِ الِاجْتِهَادِ (وَالتَّشْمِيرِ) مِنْ تِلْكَ الْإِحَاطَةِ (الْوَارِدِ) أَيْ الْجَائِي (مِنْ زُهَاءِ مِائَةِ مُصَنَّفٍ) بِضَمِّ الزَّايِ وَالْمَدِّ أَيْ قَدْرِهَا تَقْرِيبًا مِنْ زَهَوْتُهُ بِكَذَا أَيْ حَرَّزْته حَكَاهُ الصَّاغَانِيُّ قُلِبَتْ الْوَاوُ هَمْزَةً لِتَطَرُّقِهَا إثْرَ أَلِفٍ زَائِدَةٍ كَمَا فِي كِسَاءٍ (مَنْهَلًا) حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْوَارِدِ (يُرْوِي) بِضَمِّ أَوَّلِهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ تِلْكَ الْإِحَاطَةِ وَجَعْلُ مِنْ فِي الْمَوْضِعَيْنِ لِلْغَايَةِ كَمَا قَرَّرَهُ الْكَمَالُ وَغَيْرُهُ لَا يُنَاسِبُ الْمَقَامَ إذْ الْغَايَةُ لَا تَقْتَضِي التَّلَبُّسَ بِالْمَجْرُورِ لِاحْتِمَالِ خُرُوجِهَا فَيَفُوتُ الْمَعْنَى الْمَقْصُودُ وَقَدْ يُقَالُ لَا يَضُرُّ هَذَا الِاحْتِمَالُ إذَا كَانَ مَقَامُ الْمَدْحِ قَرِينَةً عَلَى الدُّخُولِ وَجَعْلُهَا لِلْبَيَانِ نَظَرَ فِيهِ الشِّهَابُ وَلَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَ النَّظَرِ وَلَعَلَّهُ لِعَدَمِ ظُهُورِ الْمُبَيَّنِ بِصِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَفْعُولَ الْبُلُوغِ مُقَدَّرٌ أَيْ الْبَالِغُ مَرْتَبَةً هِيَ الْإِحَاطَةُ أَوْ عَلَى أَنَّ الْمُبَيَّنَ هُوَ قَوْلُهُ مَبْلَغُ ذَوِي الْجَدِّ فَهُوَ بَيَانٌ تَقَدَّمَ عَلَى مَبْنِيِّهِ وَقَوْلُ الشَّارِحِ مِنْ تِلْكَ الْإِحَاطَةِ تَكْرَارٌ ذَكَرَهُ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى مَحَلِّهِ إلَّا أَنَّ تَفْسِيرَهُ الْمُبَلَّغُ بِالْبُلُوغِ لَا يُسَاعِدُ هَذَا الْوَجْهَ.

(قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ الْبَاسِّ) أَيْ فِي التَّعْبِيرِ بِالْأَصْلَيْنِ بِخِلَافِ التَّعْبِيرِ بِالْأُصُولِينَ فَإِنَّهُ يَلْتَبِسُ بِجَمْعِ الْأُصُولِيِّ وَفِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ الْأُصُولِينَ بِيَاءٍ وَاحِدَةٍ وَالْجَمْعُ بِيَاءَيْنِ فَأَيْنَ الْإِلْبَاسُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ كَوْنُهُ بِبَاءٍ وَاحِدَةٍ لَا يَمْنَعُ إمْكَانَ اللُّبْسِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُذْهَلُ عَنْ كَوْنِهِ بِيَاءٍ وَاحِدَةٍ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْأَصْلَيْنِ إذْ يُمْكِنُ أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ جَمْعُ أَصْلِيٍّ بِنَاءً عَلَى الذُّهُولِ عَنْ كَوْنِهِ بِيَاءٍ وَاحِدَةٍ وَتُوُهِّمَ أَنَّهُ بِيَاءَيْنِ أَفَادَهُ سَمِّ.

وَأَقُولُ إنَّ أَمْثَالَ هَذِهِ الْمُنَاقَشَاتِ فِي غَايَةِ الْوَهْنِ لِذَلِكَ لَمْ نَرَ وَاحِدًا مِنْ مُحَقِّقِي الْأَعَاجِمِ يَسْطُرُونَهَا فِي كُتُبِهِمْ وَإِنَّمَا شَغَفَ بِأَمْثَالِهَا مَنْ تَعَوَّدَ نَقْدَ الْأَلْفَاظِ فِيمَا قَلَّ وَجَلَّ وَاللَّائِقُ الِالْتِفَاتُ لِجَانِبِ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ وَاللُّبَابُ وَاللَّفْظُ كَالْقِشْرِ نَعَمْ الْأَدَبِيُّونَ يُحَافِظُونَ عَلَى تَحْسِينِ الْأَلْفَاظِ لِغَرَضٍ لَهُمْ يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ إذْ الْمُعَانَى الْمَقْصُودَةُ لَهُمْ تَخَيُّلَاتٌ تُؤَدَّى بِهَا فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الشَّارِحَ لَمْ يَقْصِدْ مَا قَصَدَهُ سَمِّ بَلْ مَقْصُودُهُ بِقَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ الْبَاسِّ دَفَعَ مَا قَدْ يُقَالُ إنَّ التَّعْبِيرَ بِالْأَصْلَيْنِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَخْفِيفٌ فِيهِ إلْبَاسُ لِعَدَمِ تَقَدُّمِ ذِكْرِ الْأَصْلَيْنِ بِهَذَا الْعِنْوَانِ وَوَجْهُ الدَّفْعِ دَلَالَةُ السِّيَاقِ عَلَى أَنَّ أَلْ لِلْعَهْدِ وَالْمَعْهُودِ مَا عَنْوَنَ عَنْهُ سَابِقًا بِقَوْلِهِ فِي الْأُصُولِ فَهُوَ قَرِينَةٌ عَلَى الْمُرَادِ وَلَا الْتِبَاسَ مَعَ الْقَرِينَةِ.

(قَوْلُهُ: أَيْ بُلُوغُ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَبْلَغَ مَصْدَرٌ مُبَيِّنٌ لِلنَّوْعِ بِمَعْنَى بُلُوغٍ وَالْأَصْلُ بُلُوغًا مِثْلُ بُلُوغٍ وَعَطْفُ التَّشْمِيرِ عَلَيْهِ عَطْفُ لَازِمٍ إذْ الْغَالِبُ أَنَّ الْمُجِدَّ يُشَمِّرُ أَثْوَابَهُ وَيَكُفُّ أَذْيَالَهُ وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا إزَالَةُ مَا يَعُوقُ وَيَشْغَلُ عَنْ الْجِدِّ.

(قَوْلُهُ: أَيْ الْجَائِي) تَفْسِيرٌ لِلْوَارِدِ بِالْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَالْمُرَادُ هُنَا مَعْنَاهُ الْمَجَازِيُّ أَيْ الْحَاصِلُ مِنْ إطْلَاقِ الْمَلْزُومِ وَإِرَادَةِ اللَّازِمِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ الْوُرُودِ حُصُولُ الْوَارِدِ وَالْقَرِينَةُ اسْتِحَالَةُ الْوُرُودِ الْحَقِيقِيِّ فَحَاصِلُ الْمَعْنَى الْحَاصِلِ مِنْ قَدْرِ مِائَةِ مُصَنَّفٍ تَقْرِيبًا وَهَذَا مُوَافِقٌ فِي الْمَعْنَى لِمَا كَثُرَ فِي كَلَامِهِمْ مِنْ نَحْوِ قَوْلِهِمْ اخْتَصَرْته أَوْ أَخَذْته أَوْ جَمَعْتُهُ مِنْ كَذَا.

(قَوْلُهُ: تَقْرِيبًا) وَجْهُهُ أَنَّ الزُّهَاءَ اسْمٌ لِلْقَدْرِ الَّذِي يُحْرَزُ بِهِ الشَّيْءُ وَالْحِرْزُ إنَّمَا يُفِيدُ التَّقْرِيبَ فَيَكُونُ الزُّهَاءُ هُوَ الْقَدْرُ التَّقْرِيبِيُّ وَقَوْلُهُ مِنْ زَهَوْته بِكَذَا إلَخْ مَصْدَرُهُ الزَّهْوُ.

وَأَمَّا الزُّهَاءُ فَهُوَ اسْمٌ لِلْقَدْرِ الَّذِي يُحْرَزُ بِهِ الشَّيْءُ وَيُقَدَّرُ بِهِ لَا لِمُطْلَقِ الْقَدْرِ وَقَوْلُهُ قُلِبَتْ الْوَاوُ أَيْ الَّتِي آخِرُ زُهَاءٍ إذْ أَصْلُهُ زَهَاوٌ.

(قَوْلُهُ: حَالٌ) أَعْرَبَهُ حَالًا؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ مِنْ إعْرَابِهِ مَفْعُولًا بِهِ لِلْوَارِدِ؛ لِأَنَّهُ كَوْنُهُ مَنْهَلًا يَقْتَضِي مِنْ كَثْرَةِ فَوَائِدِهِ مَا لَا يَقْتَضِيهِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015