لِلْبَعْثِ وَالْحِسَابِ.

وَكَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ الْمُثْبِتِ لِحُجِّيَّةِ الْقِيَاسِ وَخَبَرِ الْوَاحِدِ حَيْثُ عَمِلَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ بِهِمَا مُتَكَرِّرًا شَائِعًا مَعَ سُكُوتِ الْبَاقِينَ الَّذِي هُوَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ مِنْ الْأُصُولِ الْعَامَّةِ وِفَاقَ عَادَةً.

وَفِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْأُصُولِ قَوَاعِدُ قَوَاطِعَ تَغْلِيبٍ فَإِنَّ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ مَا لَيْسَ بِقَطْعِيٍّ كَحُجِّيَّةِ الِاسْتِصْحَابِ وَمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ وَمِنْ أُصُولِ الدِّينِ مَا لَيْسَ بِقَاعِدَةٍ كَعَقِيدَةِ أَنَّ اللَّهَ مَوْجُودٌ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِكَذَا مِمَّا سَيَأْتِي.

(الْبَالِغِ مِنْ الْإِحَاطَةِ بِالْأَصْلَيْنِ) ، لَمْ يَقُلْ الْأُصُولِيِّينَ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ إيثَارًا لِلتَّخْفِيفِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQالصِّنَاعَةِ وَرَدَّهُ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الْحَكِيمِ وَالْتَزَمَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُشْتَرِكَةٌ بَيْنَ أُصُولِ الْفِقْهِ وَأُصُولِ الدِّينِ لَكِنْ جِهَةُ الْبَحْثِ مُخْتَلِفَةٌ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ حَيْثُ إنَّهَا يَتَعَلَّقُ بِهَا إثْبَاتُ الْعَقَائِدِ الدِّينِيَّةِ مِنْ مَسَائِلِ الْكَلَامِ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهَا اسْتِنْبَاطُ الْأَحْكَامِ مِنْ مَسَائِلِ أُصُولِ الْفِقْهِ فَإِنَّ مَوْضُوعَهُ الْأَدِلَّةُ الْأَرْبَعَةُ مِنْ حَيْثُ اسْتِنْبَاطُ الْأَحْكَامِ مِنْهَا.

(قَوْلُهُ: لِلْبَعْثِ وَالْحِسَابِ) قَالَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ الْقَضَايَا فِي هَذِهِ الْأَمْثِلَةِ هِيَ قَوْلُك الْبَعْثُ ثَابِتٌ، الْحِسَابُ ثَابِتٌ الْقِيَاسُ حُجَّةٌ خَبَرُ الْوَاحِدِ حُجَّةٌ اهـ.

قُلْت وَصَرِيحُ كَلَامِ الشَّارِحِ عَدُّ هَذِهِ مِنْ الْقَوَاعِدِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ كُلِّيَّةِ مَوْضُوعِهَا فَكَانَ الْمَعْنَى بَعْثُ كُلِّ أَحَدٍ ثَابِتٌ، حِسَابُ كُلِّ أَحَدٍ ثَابِتٌ؛ أَيْ وَقَدْ خَصَّ مِنْهُ مَنْ لَا يُحَاسَبُ، كُلُّ قِيَاسٍ حُجَّةٌ كُلُّ خَبَرٍ وَاحِدٍ حُجَّةٌ اهـ. سَمِّ وَفِيهِ مَا قَدْ عَلِمْتَ.

(قَوْلُهُ: حَيْثُ عَمِلَ) ظَرْفٌ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَقَوْلُهُ بِهِمَا أَيْ بِالْقِيَاسِ وَخَبَرِ الْوَاحِدِ.

(قَوْلُهُ: الَّذِي هُوَ) صِفَةٌ لِسُكُوتِ الْبَاقِينَ وَهُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ وِفَاقٌ وَاسْمُ الْإِشَارَةِ فِي قَوْلِهِ مِثْلُ ذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى الْقِيَاسِ وَخَبَرُ الْوَاحِدِ مِنْ الْأُصُولِ الْعَامَّةِ وَبَيَانٌ لِمِثْلِ ذَلِكَ أَيْ كَالِاسْتِقْرَاءِ وَالِاسْتِصْحَابِ فَإِنْ قُلْتَ قَوْلُهُ مَعَ سُكُوتِ الْبَاقِينَ يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا الْإِجْمَاعَ سُكُوتِيٌّ وَالْإِجْمَاعُ السُّكُوتِيُّ ظَنِّيٌّ وَلِهَذَا اُخْتُلِفَ فِي حُجِّيَّتِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْإِجْمَاعِ فَكَيْفَ يَصِحُّ التَّمْثِيلُ بِهِ لِلْأَدِلَّةِ الْقَطْعِيَّةِ قُلْت قَدْ أَشَارَ الشَّارِحُ إلَى أَنَّ هَذَا الْإِجْمَاعَ لَيْسَ مِنْ السُّكُوتِ الظَّنِّيِّ لِامْتِيَازِهِ بِتَكَرُّرِ الْعَمَلِ بِهِ وَشُيُوعِهِ وَكَوْنِ الْمَسْكُوتِ عَلَيْهِ مِنْ الْأُصُولِ الْعَامَّةِ وَذَلِكَ يُوجِبُ الْقَطْعِيَّةَ عَادَةً فَقَوْلُهُ وِفَاقٌ عَادَةً أَيْ قَطْعًا أَفَادَهُ سَمِّ.

(قَوْلُهُ: تَغْلِيبٌ) أَيْ نَظَرًا إلَى الدَّلِيلِ كَمَا قَرَّرَهُ أَوَّلًا وَإِلَّا فَلَوْ نَظَرْنَا إلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ أَيْضًا كَانَ مَا جَعَلَهُ ظَنِّيًّا قَطْعِيًّا أَيْضًا إذَا الْقَطْعُ قَدْ يَكُونُ بِالنَّظَرِ إلَى الدَّلِيلِ كَالْمُتَوَاتِرِ وَقَدْ يَكُونُ بِالنَّظَرِ إلَى الدَّلَالَةِ وَإِنْ كَانَ الدَّلِيلُ ظَنِّيًّا وَقَدْ يَكُونُ بِالنَّظَرِ إلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ كَمَظْنُونِ الْمُجْتَهِدِ فَإِنَّهُ قَطْعِيٌّ لِلْعَمَلِ لَا تَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ اهـ.

زَكَرِيَّا ثُمَّ إنَّ التَّغْلِيبَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا أَسْلَفَهُ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ مِنْ فَنِّ الْأُصُولِ بَيَانٌ وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لِلتَّبْعِيضِ حَالًا مِنْ الْقَوَاعِدِ وَالْبَاءُ فِي الْقَوَاعِدِ بِالْمُلَابَسَةِ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ الْآتِي وَالتَّقْدِيرُ الْآتِي حَالَ كَوْنِهِ مُلْتَبِسًا بِالْقَوَاعِدِ الْقَوَاطِعِ حَالَةَ كَوْنِهَا بَعْضَ الْأُصُولِ وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ مَا فِيهِ قَوَاعِدُ قَوَاطِعَ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى دَعْوَى التَّغْلِيبِ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ التَّبْعِيضَ لَا يُنَاسِبُ الْمَقَامَ لِإِيهَامِهِ أَنَّهُ مَا أَتَى بِتَمَامِ الْفَنِّ وَإِنَّمَا أَتَى مِنْهُ بِالْقَاطِعِ.

وَفِي الْبُخَارِيِّ أَنَّ التَّغْلِيبَ بِالنِّسْبَةِ إلَى أُصُولِ الْفِقْهِ فِي الْقَوَاطِعِ خَاصَّةً إذْ كُلُّهُ قَوَاعِدُ كَمَا أَنَّ التَّغْلِيبَ بِالنِّسْبَةِ إلَى أُصُولِ الدِّينِ فِي الْقَوَاعِدِ خَاصَّةً إذْ كُلُّهُ قَوَاطِعُ وَفِيهِ أَنَّ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ مَا يَسْتَنِدُ لِلدَّلَالَةِ الظَّنِّيَّةِ كَالسَّمْعِيَّاتِ وَلِذَلِكَ وَقَعَ خِلَافٌ بَيْنَ الْمُتَكَلِّمِينَ فِيهَا وَلَمْ يُكَفِّرْ بَعْضُهُمْ بَعْضًا.

(قَوْلُهُ: مَا لَيْسَ بِقَطْعِيٍّ) مُوَافِقٌ لِمَا اسْتَظْهَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ فَقَدْ حَكَى فِيهِ خِلَافًا هَلْ جَمِيعُ مَسَائِلِ أُصُولِ الْفِقْهِ كُلِّهَا قَطْعِيَّةٌ أَوْ بَعْضُهَا قَطْعِيٌّ وَبَعْضُهَا ظَنِّيٌّ ثُمَّ قَالَ وَالْأَوَّلُ هُوَ رَأْيُ الْقَاضِي وَأَكْثَرِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالثَّانِي هُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدَنَا.

(قَوْلُهُ: كَعَقِيدَةِ أَنَّ اللَّهَ مَوْجُودٌ) الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ وَالْعَقِيدَةُ بِمَعْنَى الْمُعْتَقَدَةِ؛ لِأَنَّ الَّذِي مِنْ أُصُولِ الدِّينِ الْمَسَائِلُ الْمُعْتَقَدَةُ لَا نَفْسُ الِاعْتِقَادِ.

(قَوْلُهُ: الْبَالِغُ مِنْ الْإِحَاطَةِ) مِنْ بِمَعْنَى فِي كَقَوْلِهِ تَعَالَى {أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ} [فاطر: 40] أَوْ تَبْعِيضِيَّةٌ فَإِنَّ الْإِحَاطَةَ بِالْأَصْلَيْنِ مَقُولَةٌ بِالتَّشْكِيكِ كَأَنَّهَا مَرَاتِبُ مُتَفَاوِتَةٌ فَالْكِتَابُ بَلَغَ مِنْ تِلْكَ الْمَرَاتِبِ بُلُوغَ ذَوِي الْجَدِّ وَالتَّشْمِيرُ فِي تِلْكَ الْمَرَاتِبِ وَمَا بَلَغُوهُ مِنْهَا هُوَ أَقْصَاهَا فَقَدْ بَلَغَ الْكِتَابُ أَقْصَاهَا فَقَدْ تَخَيَّلَ هُنَا مَا تَخَيَّلَ فِي قَوْلِ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ فِي وَصْفِ الْبَلَاغَةِ وَلَهَا مَرَاتِبُ شَتَّى إلَخْ وَيُقَالُ نَظِيرُهُ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015