بِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ اللَّفْظِ فَلَا تُسْقِطُهُ مُوَافَقَةُ الْغَالِبِ.

وَقَدْ مَشَى فِي النِّهَايَةِ فِي آيَةِ الرَّبِيبَةِ عَلَى مَا نَقَلَهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّ الْقَيْدَ فِيهَا لِمُوَافَقَةِ الْغَالِبِ لَا مَفْهُومٍ لَهُ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ عَنْ مَالِكٍ الْقَوْلَ بِمَفْهُومِهِ مِنْ أَنَّ الرَّبِيبَةَ الْكَبِيرَةَ وَقْتَ التَّزَوُّجِ بِأُمِّهَا لَا تَحْرُمُ عَلَى الزَّوْجِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي حِجْرِهِ وَتَرْبِيَتِهِ وَهَذَا وَإِنْ لَمْ يَسْتَمِرَّ عَلَيْهِ مَالِكٌ فَقَدْ نَقَلَهُ الْغَزَالِيُّ عَنْ دَاوُد كَمَا نَقَلَ ابْنُ عَطِيَّةَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أَنَّ الْبَعِيدَةَ عَنْ الزَّوْجِ لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي حِجْرِهِ وَرَوَاهُ عَنْهُ بِالسَّنَدِ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ وَمَرْجِعُ ذَلِكَ إلَى أَنَّ الْقَيْدَ لَيْسَ لِمُوَافَقَةِ الْغَالِبِ.

وَالْمَقْصُودُ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا مَفْهُومَ لِلْمَذْكُورِ فِي الْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ وَنَحْوِهَا وَيُعْلَمُ حُكْمُ الْمَسْكُوتِ فِيهَا مِنْ خَارِجٍ بِالْمُخَالَفَةِ كَمَا فِي الْغَنَمِ الْمَعْلُوفَةِ لِمَا سَيَأْتِي أَوْ الْمُوَافَقَةِ كَمَا فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ لِمَا تَقَدَّمَ وَفِي آيَتَيْ الرَّبِيبَةِ وَالْمُوَالَاةِ لِلْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّ الرَّبِيبَةَ حُرِّمَتْ لِئَلَّا يَقَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أُمِّهَا التَّبَاغُضُ لَوْ أُبِيحَتْ بِأَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا فَيُوجَدُ نَظَرًا لِلْعَادَةِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي حِجْرِ الزَّوْجِ أَمْ لَا وَمُوَالَاةُ الْمُؤْمِنِ الْكَافِرَ حُرِّمَتْ لِعَدَاوَةِ الْكَافِرِ لَهُ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ سَوَاءٌ وَالَى الْمُؤْمِنَ أَمْ لَا.

وَقَدْ عَمَّ مَنْ وَالَاهُ وَمَنْ لَمْ يُوَالِهِ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ} [المائدة: 57] إلَى قَوْلِهِ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَمِنْ الْمَعْنَى الْمَعْلُومِ بِهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا تَكُونَ الْمَذْكُورُ خَرَجَ لِلْغَالِبِ قَالَ النَّاصِرُ وَفِيهِ أَنَّ الَّذِي نَفَاهُ هُوَ الشَّرْطُ وَلَيْسَ التَّوْجِيهُ لَهُ بَلْ لِنَفْيِهِ فَالْوَجْهُ أَنَّ مَا وَاقِعُهُ عَلَى النَّفْيِ وَرَدَّهُ سم بِأَنَّهُ يَصِيرُ التَّقْدِيرُ لِلنَّفْيِ الَّذِي نَفَاهُ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الَّذِي نَفَاهُ لَيْسَ هُوَ النَّفْيُ وَلَا وَجْهَ لَهُ وَحِينَئِذٍ تُجْعَلُ مَا بِحَالِهَا وَاقِعَةً عَلَى الِاشْتِرَاطِ وَيُقَدَّرُ مُضَافٌ إلَيْهَا وَالتَّقْدِيرُ لِنَفْيِ الِاشْتِرَاطِ الَّذِي نَفَاهُ (قَوْلُهُ: بِأَنَّ الْمَفْهُومَ) مُتَعَلِّقٌ بِتَوْجِيهِ

(قَوْلُهُ: مِنْ مُقْتَضَيَاتِ اللَّفْظِ) أَيْ مَدْلُولَاتِهِ وَحَاصِلُ دَفْعِهِ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمُقْتَضَيَاتِ إلَّا أَنَّهُ مِنْ الْمُقْتَضَيَاتِ الْخَفِيَّةِ وَالْغَالِبُ مِنْ الْمُقْتَضَيَاتِ الظَّاهِرَةِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: لِمُوَافَقَةِ الْغَالِبِ) لَا مَفْهُومَ لَهُ إنَّمَا ذَكَرَ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ لِلْخِلَافِ فِيهِمَا كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا يَأْتِي وَمَا تَقَدَّمَ

(قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ الْقَوْلُ بِمَفْهُومِهِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَمِرَّ عَلَيْهِ مَالِكٌ إلَخْ وَهُوَ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لَا حَاجَةَ إلَى مَعْنَى هَذَا الشَّرْطِ (قَوْلُهُ: فَقَدْ نَقَلَهُ إلَخْ) أَيْ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ اسْتِمْرَارِ مَالِكٍ عَلَيْهِ بُطْلَانُهُ، فَإِنَّهُ كَثِيرًا مَا يَرْجِعُ الْمُجْتَهِدُ عَنْ شَيْءٍ وَالْفَتْوَى بَيْنَ أَصْحَابِهِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: عَنْ دَاوُد) وَكَذَلِكَ نَقَلَهُ عَنْهُ غَيْرُهُ كَالْمَاوَرْدِيِّ وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَغَيْرِهِمَا فَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْغَزَالِيِّ مُوهِمٌ لِعِزَّةِ النَّقْلِ عَنْ دَاوُد

(قَوْلُهُ: وَرَوَاهُ عَنْهُ بِالسَّنَدِ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ) قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ يَعْنِي ابْنَ يُوسُفَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ حَدَّثَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَوْسِ بْنُ الْحَدَثَانِ قَالَ كَانَتْ عِنْدِي امْرَأَةٌ فَتُوُفِّيَتْ وَقَدْ وَلَدَتْ لِي فَوَجَدْت عَلَيْهَا فَلَقِيَنِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ مَا لَك فَقُلْت تُوُفِّيَتْ الْمَرْأَةُ فَقَالَ عَلِيٌّ: هَلْ لَهَا ابْنَةٌ فَقُلْت نَعَمْ وَهِيَ بِالطَّائِفِ قَالَ كَانَتْ فِي حِجْرِك قُلْت لَا هِيَ بِالطَّائِفِ قَالَ فَانْكِحْهَا قُلْت فَأَيْنَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء: 23] قَالَ: إنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِي حِجْرِك إنَّمَا ذَلِكَ إذَا كَانَتْ فِي حِجْرِك قَالَ الْحَافِظُ الْعِمَادُ بْنُ كَثِيرٍ إسْنَادُهُ قَوِيٌّ ثَابِتٌ إلَى عَلِيٍّ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَهُوَ غَرِيبٌ جِدًّا اهـ كَمَالٌ

(قَوْلُهُ: وَمَرْجِعُ ذَلِكَ) أَيْ مَا نُقِلَ عَنْ دَاوُد وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (قَوْلُهُ: وَالْمَقْصُودُ إلَخْ) أَيْ لَيْسَ الْغَرَضُ الْمَقْصُودُ أَنْ لَا يَعْمَلَ بِمَا يُوَافِقُ الْمَفْهُومَ بِالْكُلِّيَّةِ بَلْ الْمَقْصُودُ عَدَمُ الِاسْتِنَادِ فِي الْعَمَلِ إلَى الْمَفْهُومِ، وَقَدْ يُعْمَلُ عَلَى وَفْقِهِ أَوْ مُخَالَفَتِهِ لِدَلِيلٍ (قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَا مَفْهُومَ لَهُ) وَحُكْمُ الْمَفْهُومِ حِينَئِذٍ مَسْكُوتٌ عَنْهُ

(قَوْلُهُ: لِمَا سَيَأْتِي) أَيْ فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى إنْكَارِ أَبِي حَنِيفَةَ مَفَاهِيمَ الْمُخَالَفَةِ (قَوْلُهُ: الْمِثَالُ الْأَوَّلُ) وَهُوَ قَوْلُ قَرِيبِ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ إلَخْ (قَوْلُهُ: لِمَا تَقَدَّمَ) مِنْ أَنَّهُ يُرِيدُ وَغَيْرَهُمْ

(قَوْلُهُ: لِلْمَعْنَى) أَيْ الْعِلَّةِ وَهَذَا عِلَّةٌ لِلْمُوَافَقَةِ (قَوْلُهُ: بِأَنْ يَتَزَوَّجَ) الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ مُتَعَلِّقَةٌ بِيَقَعُ (قَوْلُهُ: أَوْلِيَاءَ) أَيْ وَلَمْ يَقُلْ إلَّا أَنْ تَوَلَّوْا مَعَهُمْ الْمُؤْمِنِينَ (قَوْلُهُ: وَمِنْ الْمَعْنَى الْمَعْلُومِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ تَشَاءُ وَالْمُرَادُ بِالْمَعْنَى الْعِلَّةُ الْجَامِعَةُ أَيْ مِنْ النَّظَرِ فِيهَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015