الْمَسْكُوتِ لِلْمَنْطُوقِ نَشَأَ خِلَافٌ فِي أَنَّ الدَّلَالَةَ عَلَى الْمَسْكُوتِ قِيَاسِيَّةٌ أَوْ لَفْظِيَّةٌ وَكَأَنَّ الْقَيْدَ لَمْ يُذْكَرْ حَكَاهُ فِي قَوْلِهِ (وَلَا يَمْنَعُ) أَيْ مَا يَقْتَضِي التَّخْصِيصَ بِالذِّكْرِ (قِيَاسُ الْمَسْكُوتِ بِالْمَنْطُوقِ) بِأَنْ كَانَ بَيْنَهُمَا عِلَّةٌ جَامِعَةٌ لِعَدَمِ مُعَارَضَتِهِ بَلْ قِيلَ يَعُمُّهُ أَيْ الْمَسْكُوتَ الْمُشْتَمِلَ عَلَى الْعِلَّةِ (الْمَعْرُوضُ) لِلْمَذْكُورِ مِنْ صِفَةٍ أَوْ غَيْرِهَا إذَا عَارَضَهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَسْكُوتِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْعِلَّةِ كَأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ (وَقِيلَ لَا يَعُمُّهُ إجْمَاعًا) لِوُجُودِ الْعَارِضِ وَإِنَّمَا يَلْحَقُ بِهِ قِيَاسًا.
وَعَدَمُ الْعُمُومِ هُوَ الْحَقُّ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ لَا سِيَّمَا وَقَدْ ادَّعَى بَعْضُهُمْ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ كَمَا أَفَادَتْهُ الْعِبَارَةُ بِخِلَافِ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ لِأَنَّ الْمَسْكُوتَ هُنَا أَدْوَنُ مِنْ الْمَنْطُوقِ بِخِلَافِهِ هُنَاكَ كَمَا تَقَدَّمَ وَبَلْ هُنَا انْتِقَالِيَّةٌ لَا إبْطَالِيَّةٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: مُوَافَقَةُ الْمَسْكُوتِ لِلْمَنْطُوقِ) أَيْ فِي الْحُكْمِ بِمَعْنَى أَنَّهُ هَلْ يَكْفِي أَخْذُهُ مِنْ اللَّفْظِ مِنْ غَيْرِ قِيَاسٍ أَوْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ قِيَاسٍ
(قَوْلُهُ: وَلَا يَمْنَعُ قِيَاسُ الْمَسْكُوتِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَشَرْطُهُ أَنْ لَا يَكُونَ الْمَسْكُوتُ إلَخْ وَالْمَعْنَى أَنَّ وُجُودَ مَا يَقْتَضِي التَّخْصِيصَ بِالذِّكْرِ مِنْ الْأُمُورِ السَّابِقَةِ كَكَوْنِهِ جَوَابًا لِسُؤَالٍ أَوْ بَيَانًا لِحَادِثَةٍ إلَخْ يَمْنَعُ تَحَقُّقَ الْمَفْهُومِ وَلَا يَمْنَعُ إلْحَاقَ الْمَسْكُوتِ الْمَنْطُوقَ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ عِنْدَ وُجُودِ شَرْطِهِ وَقَوْلُهُ مَا يَقْتَضِي إلَخْ فَاعِلٌ يَمْنَعُ وَقِيَاسُ الْمَسْكُوتِ مَفْعُولُهُ وَبَاءُ بِالْمَنْطُوقِ بِمَعْنَى عَلَى أَوْ ضَمَّنَ الْقِيَاسَ مَعْنَى الرَّبْطِ فَعَدَّاهُ بِالْبَاءِ إذْ الْفَرْعُ مَرْبُوطٌ بِالْأَصْلِ قَالَ الشَّيْخُ خَالِدٌ فِي شَرْحِهِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى اسْتِبْعَادِ مَنْعِ الْقِيَاسِ الْمَذْكُورِ بَلْ قِيلَ يَعُمُّهُ إلَخْ يَعْنِي كَيْفَ يَمْتَنِعُ هَذَا الْقِيَاسُ مَعَ أَنَّ لَنَا قَائِلًا بِأَنَّ الْمَفْرُوضَ لَهُ الْقَيْدُ الْمَذْكُورُ يَعُمُّ الْمَسْكُوتَ عَنْهُ بِدُونِ قِيَاسٍ كَمَا فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ زَكَاةٌ فَلَفْظُ الْغَنَمِ عِنْدَهُ عَامٌّ يَشْمَلُ الْمَعْلُوفَةَ وَالسَّائِمَةَ وَالْعِبَارَةَ وَالسَّدِيدَةَ وَلَا يَمْتَنِعُ قِيَاسُ الْمَسْكُوتِ بِالْمَنْطُوقِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَعْرُوضَ لَا يَعُمُّ الْمَسْكُوتَ وَقِيلَ يَعُمُّهُ فَيَمْتَنِعُ قِيَاسُهُ عَلَيْهِ. اهـ.
قَالَ بَعْضٌ وَشُمُولُ الْغَنَمِ لِلْمَعْلُوفَةِ فِي الْحُكْمِ جَارٍ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ بِأَنَّ الْمَعْلُوفَةَ فِيهَا الزَّكَاةُ
(قَوْلُهُ: لِعَدَمِ مُعَارَضَتِهِ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ وَلَا يَمْنَعُ وَضَمِيرُهُ يَعُودُ لِمَا يَقْتَضِي وَضَمِيرُ لَهُ لِلْقِيَاسِ (قَوْلُهُ: بَلْ قِيلَ يَعُمُّهُ) هَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ لَفْظِيَّةٌ (قَوْلُهُ: الْمَعْرُوضُ) فَاعِلُ يَعُمُّ وَالْمَعْرُوضُ هُوَ اللَّفْظُ الْمُفِيدُ بِصِفَةٍ وَنَحْوِهَا، وَالْعَارِضُ هُوَ الْقَيْدُ عَبَّرَ بِالْمَعْرُوضِ دُونَ الْمَوْصُوفِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمَعْنَى مَوْصُوفًا لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ اخْتِصَاصُ ذَلِكَ بِالصِّفَةِ وَقَوْلُهُ لِلْمَذْكُورِ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَعْرُوضِ وَقَوْلُهُ مِنْ صِفَةٍ أَوْ غَيْرِهَا بَيَانٌ لِلْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ: إذَا عَارَضَهُ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ يَعُمُّهُ (قَوْلُهُ: كَأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ) فَهُوَ كَالْمَعْدُومِ وَكَأَنَّ الْمَعْرُوضَ شَامِلٌ لِلْمَوْصُوفِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: لَا يَعُمُّهُ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ اقْتِرَانَ مَا يَقْتَضِي التَّخْصِيصَ بِالذِّكْرِ هَلْ يَدُلُّ عَلَى إلْغَاءِ الْمَذْكُورِ مِنْ صِفَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا وَجَعْلُهُ كَالْعَدَمِ بِالنِّسْبَةِ إلَى إفَادَةِ حُكْمِ الْمَسْكُوتِ أَوْ لَا يَدُلُّ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَصِيرُ الْمَعْرُوضُ إذَا كَانَ عَامًّا شَامِلًا لِلْمَذْكُورِ وَالْمَسْكُوتِ فَيَمْتَنِعُ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ إلَّا عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُ وُجُودَ دَلِيلَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ نَقْلُهُ عَنْ شَرْحِ الْمُصَنِّفِ لِلْمُخْتَصَرِ وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ غَيْرُ الْمَذْكُورِ مَسْكُوتًا عَنْ حُكْمِهِ فَيُجَوِّزُ حِينَئِذٍ الْقِيَاسَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ
(قَوْلُهُ: لِوُجُودِ الْعَارِضِ) أَيْ فِي اللَّفْظِ (قَوْلُهُ: لَا سِيَّمَا وَقَدْ ادَّعَى إلَخْ) أَيْ فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْحَقَّ فَهَذَا تَأْكِيدٌ لِلْأَحَقِّيَّةِ
(قَوْلُهُ: كَمَا أَفَادَتْهُ الْعِبَارَةُ) حَيْثُ جَزَمَ بِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ قِيَاسُ الْمَسْكُوتِ بِالْمَنْطُوقِ وَحُكِيَ الْعُمُومُ بِقِيلَ الْمُشْعِرَةِ بِالتَّضْعِيفِ وَقَوِيَ ذَلِكَ الضَّعْفُ بِحِكَايَةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ الْعُمُومِ، وَإِنْ سِيقَتْ بِقِيلِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ) أَيْ فَلَا يُقَالُ فِيهِ: إنَّ عَدَمَ الْعُمُومِ هُوَ الْحَقُّ بَلْ هُوَ مُحْتَمَلٌ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ مَا فِي الْمَتْنِ تَرْجِيحَ مُقَابِلِهِ لِذِكْرِهِ مُقَدَّمًا بِدُونِ صِيغَةِ تَمْرِيضٍ وَذَكَرَ الْآخَرَ مُؤَخَّرًا بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَسْكُوتَ هُنَا) أَيْ فِي مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ أَدْوَنَ أَيْ فَيَكُونُ الْمَنْطُوقُ أَوْلَى، وَوَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ أَنَّ قِيَاسَ الْمَسْكُوتِ عَارَضَهُ ظَاهِرُ التَّقْيِيدِ وَصَرْفُ مَا يَقْتَضِي التَّخْصِيصَ بِالذِّكْرِ عَنْ هَذَا الظَّاهِرِ مَوْضِعُ نِزَاعٍ فِي الْجُمْلَةِ بِدَلِيلِ الْخِلَافِ فِي الرَّبِيبَةِ الَّتِي لَيْسَتْ فِي حِجْرِ الزَّوْجِ، وَإِنْ كَانَ الرَّاجِحُ الصَّرْفَ عَنْ هَذَا الظَّاهِرِ ثُمَّ الْمُرَادُ الْأَدْنَوِيَّةُ فِي الْحُكْمِ لَا فِي الْعِلَّةِ الْجَامِعَةِ؛ لِأَنَّهُ مَقِيسٌ، وَشَرْطُهُ أَنْ يُسَاوِيَ الْأَصْلَ فِي تَمَامِ الْعِلَّةِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ مَقِيسًا قِيَاسَ الْأَدْوَنِ وَهُوَ مَا كَانَتْ الْعِلَّةُ فِيهِ ظَنِّيَّةً بِخِلَافِ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ وَهُوَ مَا كَانَتْ الْعِلَّةُ فِيهِ قَطْعِيَّةً (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ هُنَاكَ) أَيْ فِي مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ، فَإِنَّ الْمَسْكُوتَ أَوْلَى أَوْ