فَإِنَّ الْغَالِبَ كَوْنُ الرَّبَائِبِ فِي حُجُورِ الْأَزْوَاجِ أَيْ تَرْبِيَتُهُمْ (خِلَافًا لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ) فِي نَفْيِهِ هَذَا الشَّرْطَ لِمَا سَيَأْتِي مَعَ دَفْعِهِ (أَوْ) خَرَجَ الْمَذْكُورُ (لِسُؤَالٍ) عَنْهُ (أَوْ حَادِثَةٍ) تَتَعَلَّقُ بِهِ (أَوْ لِلْجَهْلِ بِحُكْمِهِ) دُونَ حُكْمِ الْمَسْكُوتِ.

كَمَا لَوْ سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ زَكَاةٌ أَوْ قِيلَ بِحَضْرَتِهِ لِفُلَانٍ غَنَمٌ سَائِمَةٌ أَوْ خَاطَبَ مَنْ جَهِلَ حُكْمَ الْغَنَمِ السَّائِمَةِ دُونَ الْمَعْلُوفَةِ فَقَالَ فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ زَكَاةٌ (أَوْ غَيْرِهِ) أَيْ خَرَجَ الْمَذْكُورُ لِغَيْرِ مَا ذَكَرَ (مِمَّا يَقْتَضِي التَّخْصِيصَ بِالذِّكْرِ) كَمُوَافَقَةِ الْوَاقِعِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 28] نَزَلَتْ كَمَا قَالَ الْوَاحِدِيُّ وَغَيْرُهُ فِي قَوْمٍ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالَوْا الْيَهُودَ أَيْ دُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِنَّمَا شَرَطُوا لِلْمَفْهُومِ انْتِفَاءَ الْمَذْكُورَاتِ لِأَنَّهَا فَوَائِدُ ظَاهِرَةٌ وَهُوَ فَائِدَةٌ خَفِيَّةٌ فَأُخِّرَ عَنْهَا وَبِذَلِكَ انْدَفَعَ تَوْجِيهُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ لِمَا نَفَاهُ مُخَالِفًا لِلشَّافِعِيِّ

ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ وَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ بِدَلِيلِ تَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ فِي غَيْرِ مَا هُنَا كَشَرْحِ الْمِنْهَاجِ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ وَعَبَّرَ الشَّارِحُ تَارَةً بِالْخُرُوجِ لِلْغَالِبِ وَتَارَةً بِمُوَافَقَةِ الْغَالِبِ مَعَ كَوْنِهِمَا فِي بَيَانِ مَحَلِّ نِزَاعِ الْإِمَامِ فَلِذَلِكَ قَالَ سم: إنَّ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ مُجَرَّدُ اخْتِرَاعٍ لِشَيْءٍ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ

(قَوْلُهُ: {اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء: 23] نَبَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهَذَا عَلَى مَعَالِي الْأُمُورِ وَأَنَّهُ يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يُرَبِّيَ بِنْتَ زَوْجَتِهِ فِي حِجْرِهِ وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»

(قَوْلُهُ: لِمَا سَيَأْتِي) أَيْ مِنْ تَوْجِيهِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ قَالَ سم: فَإِنْ قِيلَ لِمَ خَالَفَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي هَذَا الشَّرْطِ دُونَ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ مَعَ أَنَّ تَوْجِيهَهُ يُمْكِنُ أَنْ يَجْرِيَ فِي الْجَمِيعِ قُلْت لِظُهُورِ الْفَرْقِ بِأَنَّ التَّقْيِيدَ فِي غَيْرِ هَذَا مُضْطَرٌّ إلَيْهِ كَمَا فِي صُورَةِ الْجَهْلِ أَوْ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ كَمَا فِي صُورَةِ قَصْدِ الِامْتِنَانِ وَكَمَا فِي صُورَةِ جَهْلِ الْمُخَاطَبِ بِحُكْمِ الْمَنْطُوقِ دُونَ الْمَسْكُوتِ، فَإِنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى التَّقْيِيدِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْعَبَثِ أَوْ مَا هُوَ فِي حُكْمِ الْعَبَثِ وَهُوَ إخْبَارُ الْمُخَاطَبِ بِمَا يَعْلَمُهُ أَوْ عَنْ الْإِبْهَامِ عَلَى الْمُخَاطَبِ وَإِيقَاعِهِ فِي حُكْمِ الشَّكِّ، فَإِنَّهُ لَوْ أُطْلِقَ تَرَدُّدٌ فِي عُمُومِ الْحُكْمِ وَتَخْصِيصِهِ بِأَحَدِ الْقِسْمَيْنِ وَلَا كَذَلِكَ مُوَافَقَةُ الْغَالِبِ، فَإِنَّهُ لَا ضَرُورَةَ وَلَا حَاجَةَ وَلَا فَائِدَةَ مُقَيَّدًا بِهَا فِي التَّقْيِيدِ فَكَانَ الْحَمْلُ عَلَى أَنَّ الْقَيْدَ لِمُوَافَقَةِ الْغَالِبِ بَعِيدًا ضَعِيفًا وَكَانَ الْأَظْهَرُ عِنْدَهُ حَمْلٌ عَلَى أَنَّهُ لِنَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَا الْمَذْكُورَ فَلْيُتَأَمَّلْ

(قَوْلُهُ: لِسُؤَالٍ) أَيْ لِجَوَابِ سُؤَالٍ وَقَوْلُهُ أَوْ حَادِثَةٍ أَيْ لِبَيَانِ حُكْمِ حَادِثَةٍ تَتَعَلَّقُ بِالْمَذْكُورِ وَتُضْعِفُ الْمَفْهُومَ عَنْ الْمَنْطُوقِ فِي الدَّلَالَةِ كَانَ السُّؤَالُ وَالْحَادِثَةُ مَثَلًا صَارِفَيْنِ لَهُ عَنْ مُقْتَضَاهُ بَلْ مَانِعَيْنِ مِنْ وُجُودِهِ بِخِلَافِ الْعَامِّ الْوَارِدِ عَلَيْهَا لَا يَصْرِفَانِهِ عَنْ مُقْتَضَاهُ لِقُوَّةِ دَلَالَتِهِ بَلْ اُعْتُبِرَ فِيهِ عُمُومُ اللَّفْظِ لَا خُصُوصُ السَّبَبِ اهـ. زَكَرِيَّا

(قَوْلُهُ: أَوْ لِلْجَهْلِ) أَيْ مِنْ الْمُخَاطَبِ فَخَالَفَ مَا مَرَّ (قَوْلُهُ: فَقَالَ) أَيْ فِي كُلٍّ مِنْ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ (قَوْلُهُ: لِغَيْرِ مَا ذَكَرَ) إشَارَةٌ إلَى نُكْتَةِ إفْرَادِ الضَّمِيرِ

(قَوْلُهُ: مِمَّا يَقْتَضِي التَّخْصِيصَ إلَخْ) نَبَّهَ بِهِ عَلَى أَنَّ ضَابِطَ الْعَمَلِ بِالْمَفْهُومِ أَنْ لَا يَظْهَرَ لِتَخْصِيصِ الْمَنْطُوقِ بِالذِّكْرِ فَائِدَةٌ غَيْرُ نَفْيِ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ بِخِلَافِ مَا إذَا ظَهَرَتْ لَهُ فَائِدَةٌ كَالْأَمْثِلَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا وَكَانَ بِسِيَاقِ الْمَذْكُورِ لِلتَّفْخِيمِ وَالتَّأْكِيدِ لِلنَّهْيِ كَخَبَرٍ لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَلَا يَحِلُّ ذَلِكَ لِلْكَافِرَةِ أَيْضًا وَكَزِيَادَةِ الِامْتِنَانِ كَقَوْلِهِ {لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا} [النحل: 14] فَلَا يَمْتَنِعُ أَكْلُ الْقَدِيدِ

(قَوْلُهُ: كَمُوَافَقَةِ الْوَاقِعِ) الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَادِثَةِ أَنَّ الْحَادِثَةَ يُقْصَدُ فِيهَا الْحُكْمُ عَلَى خُصُوصِ الْمَخْصُوصِ بِخِلَافِ مُوَافَقَةِ الْوَاقِعِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ الْحُكْمُ الْعَامُّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا) أَيْ الْمَذْكُورَاتِ (قَوْلُهُ: فَوَائِدُ ظَاهِرَةٌ) لِاقْتِضَاءِ الْمَقَامِ وَالْقَرَائِنِ لَهَا (قَوْلُهُ: وَهُوَ فَائِدَةٌ خَفِيَّةٌ) ؛ لِأَنَّ اسْتِفَادَتَهُ بِوَاسِطَةِ أَنَّ التَّخْصِيصَ بِالذِّكْرِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ فَائِدَةٍ وَغَيْرَ التَّخْصِيصِ بِالْحُكْمِ مُنْتَفٍ فَتَعَيَّنَ التَّخْصِيصُ

(قَوْلُهُ: فِي تَوْجِيهِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ) لِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الرِّسَالَةِ كَلَامٌ آخَرُ يَنْدَفِعُ بِهِ أَيْضًا تَوْجِيهُ الْإِمَامِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا ظَهَرَ لِتَخْصِيصِ الْمَنْطُوقِ فَائِدَةٌ غَيْرُ نَفْيِ الْحُكْمِ بِطَرِيقِ الِاحْتِمَالِ إلَى الْمَفْهُومِ فَيَصِيرُ الْكَلَامُ مُجْمَلًا حَتَّى لَا يُقْضَى فِيهِ بِمُوَافَقَةٍ أَوْ مُخَالَفَةٍ اهـ. زَكَرِيَّا.

(قَوْلُهُ: لِمَا نَفَاهُ) أَيْ مِنْ بَعْضِ الشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ وَهُوَ أَنْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015