(عُرْفًا) بَدَلًا عَنْ الدَّلَالَةِ عَلَى الْأَخَصِّ لُغَةً فَتَحْرِيمُ ضَرْبِ الْوَالِدَيْنِ وَتَحْرِيمُ إحْرَاقِ مَالِ الْيَتِيمِ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ مِنْ مَنْطُوقِ الْآيَتَيْنِ وَإِنْ كَانَا بِقَرِينَةٍ عَلَى الْأَوَّلِ مِنْهُمَا وَكَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ الْحَنَفِيَّةُ

ـــــــــــــــــــــــــــــQحَاكٍ فَلَا إذْ الْحَاكِي لَا يَجِبُ عَلَيْهِ دَلِيلٌ وَلَا تَوْجِيهٌ بَلْ لَا يَصِحُّ اعْتِرَاضُ الْحِكَايَةِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَحَلِّهِ. اهـ.

وَأَقُولُ: قَدْ انْفَصَلَ بَعْدُ أَنَّ شَنَّ الْغَارَةِ عَلَى الشَّيْخِ بِمَا لَا يُجْدِي نَفْعًا أَمَّا قَوْلُهُ: إنَّ الْمُصَنِّفَ ثِقَةٌ فَهَذَا مِمَّا لَا نِزَاعَ فِيهِ وَلَكِنَّهُ غَيْرُ نَافِعٍ هُنَا، فَإِنَّ الثِّقَةَ غَيْرُ مَعْصُومٍ عَنْ وُقُوعِ الْخَطَأِ.

وَإِنَّمَا النَّافِعُ أَنْ يَنْقُلَ عَنْ الْغَزَالِيِّ مَا نَفَاهُ الْكُورَانِيُّ وَالْغَزَالِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهُ كِتَابَانِ فِي الْأُصُولِ أَحَدُهُمَا الْمَنْخُولُ وَنَصُّ عِبَارَتِهِ، وَأَمَّا فَحَوَى الْخِطَابِ وَهُوَ فَهْمُ تَحْرِيمِ الضَّرْبِ مِنْ آيَةِ التَّأْفِيفِ فَقَالَ قَائِلُونَ: إنَّهُ قِيَاسٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ وَهُوَ مُلْحَقٌ بِالنَّصِّ.

وَقَالَ الْقَاضِي: لَيْسَ بِقِيَاسٍ؛ لِأَنَّهُ مَفْهُومٌ مِنْ فَحَوَى فَهْمِ الْمَنْصُوصِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى تَأَمُّلٍ وَطَلَبٍ جَامِعٍ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ مِنْ الْمَفْهُومِ لَا لِمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي إذْ لَا يَبْعُدُ فِي الْعُرْفِ أَنْ يَقُولَ الْمَلِكُ لِخَادِمِهِ: اُقْتُلْ الْمَلِكَ الْفُلَانِيَّ وَلَا تُوَاجِهْهُ بِكَلِمَةٍ سَيِّئَةٍ فَلَيْسَ فَهْمُ ذَلِكَ مِنْ اللَّفْظِ مِنْ صُورَتِهِ وَلَكِنْ لِسِيَاقِ الْكَلَامِ وَقَرِينَةُ الْحَالِ فَهْمٌ عَلَى الْقَطْعِ إذْ الْغَرَضُ مِنْهُ الِاحْتِرَامُ فَلَا يُعَدُّ قِيَاسًا وَالْخِلَافُ آيِلٌ إلَى عِبَارَةِ اهـ.

وَالثَّانِي الْمُسْتَصْفَى وَلَيْسَ بَيْنَ يَدَيَّ وَأَظُنُّهُ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ إذْ لَوْ ذَكَرَهُ لَكَانَ النَّاقِلُ عَنْهُ فِي رَدِّ كَلَامِ الْكُورَانِيِّ مُتَعَيِّنًا لَا مَا تَمَسَّكَ بِهِ فِي رَدِّهِ مِمَّا تَكَرَّرَ لَهُ كَثِيرًا مِنْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ وَالشَّارِحَ ثِقَةٌ، فَإِنَّهُ غَيْرُ نَافِعٍ فِي مَقَامِ الْمُنَاظَرَةِ إذْ لَوْ قَالَ الْخَصْمُ هُوَ لَيْسَ بِثِقَةٍ عِنْدِي فِي هَذَا النَّقْلِ لَمْ يَرْدَعْهُ إلَّا تَصْحِيحُ النَّقْلِ بَلْ لَوْ فَرَضَ مُشَافَهَةَ الْمُصَنِّفِ بِذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقُولَ: إنِّي ثِقَةٌ فِيمَا أَنْقُلُهُ بَلْ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ تَصْحِيحُ مَا نَقَلَهُ أَمَا دَرَى أَنَّ دَعْوَى الْوَثَاقَةِ الَّتِي بَنَى عَلَيْهَا كَثِيرًا مِنْ دَفْعِ الِاعْتِرَاضَاتِ الْوَارِدَةِ تُبْطِلُ قَاعِدَةً اتَّفَقَ عَلَيْهَا جَمِيعُ عُلَمَاءِ النَّظَرِ وَهِيَ أَنَّ النَّاقِلَ يُطْلَبُ مِنْهُ عِنْدَ الْمُنَاظَرَةِ تَصْحِيحُ النَّقْلِ وَلِاهْتِمَامِهِمْ بِتِلْكَ الْقَاعِدَةِ صَدَّرُوا بِهَا كَثِيرًا مِنْ مُؤَلَّفَاتِهِمْ.

وَأَمَّا تَصْحِيحُ الْمَجَازِ فَقَطْ اعْتَرَفَ هُوَ بِأَنَّ الْقَرِينَةَ غَيْرُ صَارِفَةٍ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِاشْتِرَاطِ الْبَيَانِيِّينَ كَوْنَهَا صَارِفَةً عَنْ إرَادَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَبَنَوْا عَلَيْهِ امْتِنَاعَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ الَّذِي أَشَارَ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ إلَى جَوَازِهِ بَلْ صَرَّحَ بِهِ بِقَوْلِهِ بَلْ يَجُوزُ مَعَهُ إرَادَةُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ عَلَى أَنَّ لَنَا أَنْ نَقُولَ: إنَّ الْمُتَبَادِرَ لِلْفَهْمِ فِي مَقَامِ التَّخَاطُبِ مِنْ الْآيَتَيْنِ هُوَ النَّهْيُ عَنْ التَّأْفِيفِ وَالتَّوَعُّدِ عَلَى أَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ وَهُوَ مِنْ أَمَارَاتِ الْحَقِيقَةِ فَأَيْنَ الْمَجَازُ نَعَمْ مَا جَعَلَاهُ مَعْنًى مَجَازِيًّا مَفْهُومٌ مِنْ عَرْضِ الْكَلَامِ وَنَاحِيَتِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَجَازُ الْعَدَمِ اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ فِيهِ فَلَوْ جَعَلَ الْمَعْنَى الْمَذْكُورَ كِنَايَةً لَمْ يَرِدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوهَا بِالْمَجَازِ، فَإِنَّهُ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى مَا يَشْمَلُهَا فَيُرَادُ بِهِ كُلُّ مَا خَالَفَ الْأَصْلَ وَلَا يَجُوزُ لَنَا أَنْ نَتَمَسَّكَ فِي هَذَا الْمَجَازِ بِمَذْهَبِ الْأُصُولِيِّينَ؛ لِأَنَّهُمْ يَشْتَرِطُونَ الْقَرِينَةَ الصَّارِفَةَ لَكِنْ يُجَوِّزُونَ عَدَمَ مُصَاحَبَتِهَا لِلْمَجَازِ وَهَاهُنَا قَدْ ادَّعَى وُجُودَ الْقَرِينَةِ وَقَوْلُهُ: إنَّ الْمُصَنِّفَ حَاكَ قَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ وَقَوْلُهُ الْحَاكِي لَا يَجِبُ عَلَيْهِ دَلِيلٌ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ مَحَلُّهُ إذْ لَمْ يَلْتَزِمْ صِحَّةَ الْمَحْكِيِّ، فَإِنْ الْتَزَمَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَمَعْلُومٌ أَنَّ نَقْلَ الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ مَعَ عَدَمِ تَعَرُّضِهِ لِرَدِّهِ يَتَضَمَّنُ الْتِزَامَ صِحَّتِهِ، وَقَوْلُهُ لَا يَصِحُّ الِاعْتِرَاضُ عَلَى الْحِكَايَةِ مَمْنُوعٌ بَلْ الَّذِي لَا يَصِحُّ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ الْمَحْكِيُّ كُلُّ ذَلِكَ مُبَيَّنٌ فِي كُتُبِ الْآدَابِ

(قَوْلُهُ: عُرْفًا) أَيْ فَيَكُونُ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً لَا مَجَازًا (قَوْلُهُ: مِنْ مَنْطُوقِ الْآيَتَيْنِ) ؛ لِأَنَّ مَنْطُوقَهُمَا حِينَئِذٍ تَحْرِيمُ الْإِيذَاءِ وَتَحْرِيمُ الْإِتْلَافِ وَمِنْ أَفْرَادِهِمَا الضَّرَرُ وَالْإِحْرَاقُ (قَوْلُهُ: مِنْهُمَا الْحَنَفِيَّةُ) وَيُسَمُّونَهَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015