(فُهِمَتْ) أَيْ الدَّلَالَةُ عَلَيْهِ (مِنْ السِّيَاقِ وَالْقَرَائِنِ) لَا مِنْ مُجَرَّدِ اللَّفْظِ فَلَوْلَا دَلَالَتُهَا فِي آيَةِ الْوَالِدَيْنِ عَلَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ بِهِمَا تَعْظِيمُهُمَا وَاحْتِرَامُهُمَا مَا فُهِمَ مِنْهَا مِنْ مَنْعِ التَّأْفِيفِ مَنْعُ الضَّرْبِ إذْ قَدْ يَقُولُ ذُو الْغَرَضِ الصَّحِيحِ لِعَبْدِهِ: لَا تَشْتُمْ فُلَانًا وَلَكِنْ اضْرِبْهُ وَلَوْلَا دَلَالَتُهُمَا فِي آيَةِ مَالِ الْيَتِيمِ عَلَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ بِهَا حِفْظُهُ وَصِيَانَتُهُ مَا فُهِمَ مِنْهَا مِنْ مَنْعِ أَكْلِهِ مَنْعُ إحْرَاقِهِ إذْ قَدْ يَقُولُ الْقَائِلُ: وَاَللَّهِ مَا أَكَلْت مَالَ فُلَانٍ وَيَكُونُ قَدْ أَحْرَقَهُ فَلَا يَحْنَثُ (وَهِيَ) أَيْ الدَّلَالَةُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ (مَجَازِيَّةٌ مِنْ إطْلَاقِ الْأَخَصِّ عَلَى الْأَعَمِّ) فَأَطْلَقَ الْمَنْعَ مِنْ التَّأْفِيفِ فِي آيَةِ الْوَالِدَيْنِ وَأُرِيدَ الْمَنْعُ مِنْ الْإِيذَاءِ وَأُطْلِقَ الْمَنْعُ مِنْ أَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ فِي آيَتِهِ وَأُرِيدَ الْمَنْعُ مِنْ إتْلَافِهِ (وَقِيلَ نُقِلَ اللَّفْظُ لَهَا) أَيْ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الْأَعَمِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــQبِذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِمَا مَعَ إرَادَتِهِ مَا صَرَّحَا بِهِ اهـ
(قَوْلُهُ: فُهِمَتْ) أَيْ الدَّلَالَةُ وَفِيهِ أَنَّ الدَّلَالَةَ هِيَ الْفَهْمُ وَلَا مَعْنَى لِفَهْمِ الْفَهْمِ وَيُجَابُ بِأَنَّ فِي الْعِبَارَةِ حَذْفُ مُضَافٍ أَيْ مُتَعَلِّقٍ بِالدَّلَالَةِ
(قَوْلُهُ: مِنْ السِّيَاقِ وَالْقَرَائِنِ) أَيْ مَعَ اللَّفْظِ كَمَا يُشِيرُ لِذَلِكَ قَوْلُهُ لَا مِنْ مُجَرَّدِ اللَّفْظِ وَالسِّيَاقُ مَا سِيقَ الْكَلَامُ لِأَجْلِهِ وَهُوَ هُنَا طَلَبُ تَعْظِيمِ الْوَالِدَيْنِ كَمَا أَشَارَ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ فَلَوْلَا دَلَالَتُهُمَا إلَخْ وَالْقَرَائِنُ عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ (قَوْلُهُ: لَا مِنْ مُجَرَّدِ اللَّفْظِ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ دَلَالَةَ اللَّفْظِ لَا بُدَّ مِنْهَا كَمَا قُلْنَا (قَوْلُهُ: فَلَوْلَا دَلَالَتُهُمَا) أَيْ السِّيَاقِ وَالْقَرَائِنِ (قَوْلُهُ: مِنْ مَنْعِ التَّأْفِيفِ) أَيْ مِنْ جُلِّ مَنْعِ التَّأْفِيفِ (قَوْلُهُ: ذُو الْغَرَضِ الصَّحِيحِ) احْتِرَازًا عَنْ الْأَحْمَقِ (قَوْلُهُ: وَلَكِنْ ضَرَبَهُ) أَيْ لِكَوْنِ الشَّتْمِ بِمُجَرَّدِهِ لَا يُجْدِي نَفْعًا لِغِلَظِ طَبْعِهِ وَنَحْوِهِ وَلِلَّهِ دَرُّ الْقَائِلِ
تَكْفِي اللَّبِيبَ إشَارَةٌ مَرْمُوزَةٌ ... وَسِوَاهُ يُدْعَى بِالنِّدَاءِ الْعَالِي
وَسِوَاهُمَا بِالزَّجْرِ مِنْ قِبَلِ الْعَصَا ... ثُمَّ الْعَصَا هِيَ رَابِعُ الْأَحْوَالِ
(قَوْلُهُ: مِنْ إطْلَاقِ) خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَإِطْلَاقُهُمَا وَهُوَ بَيَانٌ لِعِلَاقَةِ الْمُجَازَةِ قَالَ الْكُورَانِيُّ: لَيْسَ فِي كَلَامِ الْغَزَالِيِّ ذِكْرُ الْمَجَازِ لَا صَرِيحًا وَلَا كِنَايَةً وَمَا زَعَمَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الدَّلَالَةَ الْمَذْكُورَةَ مَجَازِيَّةٌ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ غَايَتُهُ أَنَّهُ عُلِمَ مِنْهُ حُرْمَةُ الضَّرْبِ بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ وَسِيَاقِ الْكَلَامِ، وَاللَّفْظُ لَا يَصِيرُ بِذَلِكَ مَجَازًا فَكَأَنَّهُ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْقَرِينَةِ الْمُفِيدَةِ لِلدَّلَالَةِ وَالْقَرِينَةِ الْمَانِعَةِ عَنْ إرَادَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَالثَّانِيَةُ هِيَ اللَّازِمَةُ لِلْمَجَازِ دُونَ الْأُولَى وَلَمْ يَتَنَبَّهْ الشُّرَّاحُ لِهَذَا مَعَ ظُهُورِهِ اهـ. بِحَذْفٍ.
وَأَجَابَ سم بَعْدَ أَنْ أَقَامَ النَّكِيرَ وَأَكْثَرَ التَّشْنِيعَ عَلَيْهِ بِمَا مُلَخَّصُهُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ ثِقَةٌ خَبِيرٌ بِكَلَامِ الْغَزَالِيِّ وَكُتُبِهِ فَلَا يُرَدُّ نَقْلُهُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَى نَفْيٍ لَمْ يُثْبِتْهَا مَنْقُولٌ وَلَا مَعْقُولٌ.
وَأَمَّا الْمَجَازُ فَلِأَنَّ الْقَوْلَ الْمَذْكُورَ أَخَصُّ مِنْ مُطْلَقِ الْإِيذَاءِ وَأَنَّهُ يَصِحُّ إطْلَاقُ لَفْظِ الْأَخَصِّ عَلَى الْأَعَمِّ لِعَلَاقَةِ الْأَخَصِّيَّةِ وَالْأَعَمِّيَّةِ وَالْقَرِينَةِ الصَّارِفَةِ عَنْ إرَادَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ أَيْ بِخُصُوصِ السِّيَاقِ الْقَاطِعِ بِإِرَادَةِ تَعْظِيمِهَا وَلَيْسَ مِنْ شَرْطٍ قَرِينَةُ الْمَجَازِ أَنْ تَكُونَ قَاطِعَةً بِالصَّرْفِ عَنْ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ بَلْ يَكْفِي صَلَاحِيَّتُهَا لِذَلِكَ فَلَا يُقَالُ: إنَّ كَوْنَ السِّيَاقِ لِلتَّعْظِيمِ لَا يَسْتَلْزِمُ الصَّرْفَ عَنْ إرَادَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ بِخُصُوصِهِ بَلْ يَجُوزُ مَعَهُ إرَادَةُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَلَكِنْ يَثْبُتُ مُوَافَقَةُ غَيْرِهِ لَهُ فِي الْحُكْمِ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ أَوْ بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ فَكُلٌّ مِنْ الطُّرُقِ الثَّلَاثِ مُحْتَمَلٌ فِي الْجُمْلَةِ.
فَقَوْلُهُ وَاللَّفْظُ لَا يَصِيرُ بِذَلِكَ مَجَازًا إنْ أَرَادَ لَا يَصِحُّ أَنْ يَصِيرَ فَهُوَ بَاطِلٌ أَوْ لَا يَتَعَيَّنُ أَنْ يَصِيرَ قُلْنَا لَمْ نَدَعْ التَّعْيِينَ وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى سَبِيلِ التَّنَزُّلِ مَعَهُ مِنْ نِسْبَةِ ذَلِكَ لِلْمُصَنِّفِ، وَأَمَّا عَلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ