الصِّدْقُ) فِيهِ (أَوْ الصِّحَّةُ) لَهُ عَقْلًا أَوْ شَرْعًا (عَلَى إضْمَارٍ) أَيْ تَقْدِيرٍ فِيمَا دَلَّ عَلَيْهِ (فَدَلَالَةُ الِاقْتِضَاءِ) أَيْ فَدَلَالَةُ اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى الْمَنْطُوقِ عَلَى مَعْنَى ذَلِكَ الْمُضْمَرِ الْمَقْصُودِ تُسَمَّى دَلَالَةَ اقْتِضَاءِ الْأَوَّلِ كَمَا فِي مُسْنَدِ أَخِي عَاصِمٍ الْأَتْي فِي مَبْحَثِ الْمُجْمَلِ «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ» أَيْ الْمُؤَاخَذَةُ بِهِمَا لِتَوَقُّفِ صِدْقِهِ عَلَى ذَلِكَ لِوُقُوعِهِمَا.

وَالثَّانِي كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] أَيْ أَهْلَهَا إذْ الْقَرْيَةُ وَهِيَ الْأَبْنِيَةُ الْمُجْتَمِعَةُ لَا يَصِحُّ سُؤَالُهَا عَقْلًا، وَالثَّالِثُ كَمَا فِي قَوْلِك لِمَالِكِ عَبْدٍ اعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي فَفَعَلَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ عَنْك أَيْ مِلْكُهُ لِي فَاعْتِقْهُ عَنِّي لِتَوَقُّفِ صِحَّةِ الْعِتْقِ شَرْعًا عَلَى الْمَالِكِ (وَإِنْ لَمْ يَتَوَقَّفْ) أَيْ الصِّدْقُ فِي الْمَنْطُوقِ وَلَا الصِّحَّةِ لَهُ عَلَى إضْمَارٍ (وَدَلَّ) اللَّفْظُ الْمُفِيدُ لَهُ (عَلَى مَا لَمْ يَقْصِدْ) بِهِ (فَدَلَالَةُ إشَارَةٍ) أَيْ فَدَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي لَمْ يُقْصَدْ بِهِ تُسَمَّى دَلَالَةَ إشَارَةٍ قَوْله تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] عَلَى صِحَّةِ صَوْمِ مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا لِلُزُومِهِ لِلْمَقْصُودِ بِهِ مِنْ جَوَازِ جِمَاعِهِنَّ فِي اللَّيْلِ الصَّادِقِ بِآخِرِ جُزْءٍ مِنْهُ

(وَالْمَفْهُومُ مَا) أَيُّ مَعْنًى (دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ لَا

ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ نَسْتَفِدْ مِنْ سَوْقِ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ وَارْتِكَابِ تِلْكَ التَّأْوِيلَاتِ سِوَى تَشْوِيشِ الْإِفْهَامِ مَعَ سُهُولَةِ الْمَرَامِ وَرَحِمَ اللَّهُ الْفَخْرَ الرَّازِيَّ حَيْثُ يَقُولُ

وَلَمْ نَسْتَفِدْ مِنْ بَحْثِنَا طُولَ عُمُرِنَا ... سِوَى أَنْ جَمَعْنَا فِيهِ قِيلَ

وَقَالُوا

(قَوْلُهُ: الصِّدْقُ فِيهِ) قَدَّرَ الضَّمِيرَ لِرَبْطِ الْجُمْلَةِ الْوَاقِعَةِ خَبَرًا وَإِضَافَةُ الصِّدْقِ لِلْمَنْطُوقِ بِفِي لِأَنَّ الصِّدْقَ صِفَةُ اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَيْهِ لَا صِفَةٌ لَهُ بِخِلَافِ الصِّحَّةِ، فَإِنَّهَا صِفَةٌ لَهُ فَلِذَلِكَ عَدَّاهَا بِاللَّامِ (قَوْلُهُ: عَقْلًا أَوْ شَرْعًا) رَاجِعَانِ لِلصِّحَّةِ (قَوْلُهُ: الْأَوَّلُ) وَهُوَ مَا تَوَقَّفَ عَلَى التَّقْدِيرِ صِدْقُهُ وَالثَّانِي مَا تَوَقَّفَ عَلَى التَّقْدِيرِ صِحَّتُهُ عَقْلًا وَالثَّالِثُ مَا تَوَقَّفَ عَلَيْهِ صِحَّتُهُ شَرْعًا

(قَوْلُهُ: صِدْقُهُ) أَيْ صِدْقُ الْخَبَرِ

(قَوْلُهُ: عَلَى ذَلِكَ) أَيْ عَلَى الْإِضْمَارِ مِنْ حَيْثُ هُوَ، وَأَمَّا تَعْيِينُ الْمُقَدَّرِ فَيَرْجِعُ لِأَدِلَّةٍ أُخَرَ (قَوْلُهُ: لِوُقُوعِهِمَا) أَيْ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ وَهَذَا عِلَّةٌ لِلْعِلَّةِ (قَوْلُهُ: أَيْ أَهْلَهَا) فِيهِ أَنَّ الصِّحَّةَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى إضْمَارِ الْأَهْلِ بَلْ عَلَى أَنَّ السُّؤَالَ لَهُمْ وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ بِالْإِضْمَارِ وَيَجْعَلُ الْقَرْيَةَ مُسْتَعْمَلَةً فِيهِمْ مَجَازًا مِنْ إطْلَاقِ الْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِّ اهـ.

وَهَذَا بَحْثٌ غَيْرُ مُتَّجَهٍ؛ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ لِتَعْيِينِ الطَّرِيقِ إذْ مُحَصِّلُهُ أَنَّ الْكَلَامَ مُحْتَاجٌ لِصَرْفٍ عَنْ الظَّاهِرِ وَذَلِكَ إمَّا بِالْمَجَازِ الْحَذْفِيِّ أَوْ الْمَجَازِ فِي الطَّرَفِ فَأَيُّهُمَا اُعْتُبِرَ لَا يُقَالُ لِمَ اُعْتُبِرَ دُونَ الْآخَرِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ جُعِلَ مَجَازًا فِي الطَّرَفِ فَسَدَ الْمِثَالُ إذْ يَكُونُ حِينَئِذٍ مِنْ قَبِيلِ الْمَنْطُوقِ الصَّرِيحِ لِمَا سَمِعْت أَنَّ دَلَالَةَ اللَّفْظِ عَلَى مَعْنَاهُ الْمَجَازِيِّ مُطَابَقَةٌ وَهُوَ مَنْطُوقٌ صَرِيحٌ (قَوْلُهُ: لَا يَصِحُّ سُؤَالُهَا عَقْلًا) جَرْيًا عَلَى الْعَادَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا الْقَيْدِ إذْ يَجُوزُ سُؤَالُ الْجُدَرَانِ وَنُطْقُهَا بِالْجَوَابِ خَرْقًا لِلْعَادَةِ فَلَا يَتَأَتَّى الْحُكْمُ بَعْدَ الصِّحَّةِ عَقْلًا

(قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَصِحُّ) أَيْ فَإِنَّهُ يَصِحُّ الْعِتْقُ لَك (قَوْلُهُ: وَدَلَّ اللَّفْظُ) أَيْ لَا الْمَنْطُوقُ، فَإِنَّهُ مِنْ الْمَعْنَى فَفِي الْمُصَنِّفِ تَشْتِيتُ الضَّمَائِرِ (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يُقْصَدْ بِهِ) فِي تَقْدِيرٍ بِهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمَعْنَى الْمَذْكُورَ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ مَقْصُودًا بِاللَّفْظِ وَإِلَّا فَاللَّائِقُ أَنَّ كُلَّ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ الْعَزِيزُ مِمَّا وَافَقَ الْوَاقِعَ مَقْصُودٌ

(قَوْلُهُ: الرَّفَثُ) هُوَ الْجِمَاعُ وَعُدِّيَ بِإِلَى لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى الْإِفْضَاءِ وَلَيْلَةَ ظَرْفُ الرَّفَثِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ مِنْ جَوَازِ جِمَاعِهِنَّ فِي اللَّيْلِ (قَوْلُهُ: لِلُزُومِهِ) أَيْ صِحَّةِ صَوْمِ مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا وَذَكَّرَ الضَّمِيرَ؛ لِأَنَّ الصِّحَّةَ اكْتَسَبَتْ التَّذْكِيرَ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَقَوْلُهُ لِلْمَقْصُودِ بِهِ أَيْ لِلْمَنْطُوقِ الْمَقْصُودِ بِاللَّفْظِ أَعْنِي قَوْله تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ} [البقرة: 187]

(قَوْلُهُ: الصَّادِقِ بِآخِرِ جُزْءٍ مِنْهُ) وَهُوَ الْجُزْءُ الْمُلَاصِقُ لِلْفَجْرِ وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَغْتَسِلُ إلَّا بَعْدَهُ وَفِي النَّاصِرِ أَنَّ قَوْلَهُ بِآخِرِ جُزْءٍ مِنْهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ اللَّيْلَ صَادِقٌ بِالْوَقْتِ الْمُمْتَدِّ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَبِإِبْعَاضِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ حَقِيقَتُهُ الْأَوَّلُ فَقَطْ فَلَوْ قَالَ الصَّادِقُ بِالْجِمَاعِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْهُ لَكَانَ صَحِيحًا. اهـ.

وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالصِّدْقِ التَّحَقُّقُ وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّيْلَ مُتَحَقِّقٌ بِآخِرِ جُزْءٍ مِنْهُ أَيْ مَعَ آخِرِ جُزْءٍ إذْ يَصْدُقُ لُغَةً وَعُرْفًا عِنْدَ بَقَاءِ جُزْءٍ مِنْهُ أَنَّ اللَّيْلَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015