(ثُمَّ الْمَنْطُوقُ إنْ تَوَقَّفَ

ـــــــــــــــــــــــــــــQيُكَذِّبُهُ اهـ.

وَهَذَا التَّضْعِيفُ ضَعِيفٌ أَمَّا أَوَّلًا فَمِنْ الْمُقَرَّرِ أَنَّ الْوِجْدَانِيَّاتِ لَا تَقُومُ حُجَّةً عَلَى الْخَصْمِ، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَقُومَ الَّذِي أَجِدُهُ فِي نَفْسِي أَنَا خِلَافَ ذَلِكَ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَمَنْ ادَّعَاهُ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى تَقْدِيمِ الْجُزْءِ فِي الْوُجُودَيْنِ دَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا فَقَدْ قَالَ عَبْدُ الْحَكِيمِ فِي حَوَاشِي شَرْحِ الشَّمْسِيَّةِ أَنَّ فَهْمَ الْجُزْءِ مِنْ اللَّفْظِ مُتَأَخِّرٌ فِي الْوُجُودِ عَنْ فَهْمِ الْكُلِّ، وَإِنْ كَانَ فَهْمُهُ فِي ذَاتِهِ مُتَقَدِّمًا عَلَيْهِ سَوَاءٌ قُلْنَا: إنَّ فَهْمَ الْكُلِّ عَيْنُ فَهْمِ الْجُزْءِ بِالذَّاتِ مُغَايِرٌ لَهُ بِالِاعْتِبَارِ كَمَا فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْأُصُولِ لِلْعَضُدِيِّ أَوْ قُلْنَا بِتَغَايُرِهِمَا بِالذَّاتِ

(قَوْلُهُ: ثُمَّ الْمَنْطُوقُ إلَخْ) قَسَّمَ ابْنُ الْحَاجِبِ الْمَنْطُوقَ إلَى صَرِيحٍ وَغَيْرِ صَرِيحٍ وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِهِ دُونَ تَعَقُّبٍ فَالصَّرِيحُ دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَى مَا وُضِعَ لَهُ مُطَابَقَةً أَوْ تَضَمُّنًا حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا غَيْرُ الصَّرِيحِ دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَى مَا لَمْ يُوضَعْ لَهُ بَلْ يَلْزَمُ مَا وُضِعَ لَهُ فَيَدُلُّ عَلَيْهِ بِالِالْتِزَامِ وَيَنْقَسِمُ غَيْرُ الصَّرِيحِ إلَى دَلَالَةِ اقْتِضَاءٍ وَدَلَالَةِ إشَارَةٍ وَدَلَالَةِ إيمَاءً وَذَكَرَ الْأَوَّلِيَّيْنِ هُنَا وَتَرَكَ ذِكْرَ الثَّالِثَةِ لِذِكْرِهِ إيَّاهَا فِي بَابِ الْقِيَاسِ قَدْ أَخَلَّ الْمَتْنُ بِذِكْرِ الصَّرِيحِ، وَكَأَنَّهُ تَرَكَهُ لِوُضُوحِهِ كَذَا قَرَّرَ الْحَوَاشِي وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّعْرِيفَ السَّابِقَ شَامِلٌ لِلصَّرِيحِ وَغَيْرِهِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِإِخْلَالِ الْمَتْنِ بِذِكْرِهِ عَدَمَ تَعَرُّضِهِ لَهُ فِي التَّقْسِيمِ وَأَشَارَ لِذَلِكَ بِالتَّعْبِيرِ بِالِاسْمِ الظَّاهِرِ مَعَ أَنَّ الْمَقَامَ لِلْإِضْمَارِ وَهَذَا كَلَامُهُ مُتَّجَهٌ.

وَقَدْ تَنَبَّهَ لِذَلِكَ الْكُورَانِيُّ فَقَالَ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ قَاصِرٌ عَنْ إفَادَةِ الْمَرَامِ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ الْإِيمَاءَ وَقَسَّمَ الْمَنْطُوقَ، وَالْمُنْقَسِمُ إنَّمَا هُوَ غَيْرُ الصَّرِيحِ وَالصَّرِيحُ قِسْمٌ وَاحِدٌ.

وَأَمَّا الْعَلَّامَةُ سم فَلَمْ يَرْضَ بِهَذَا الْكَلَامِ الَّذِي هُوَ فِي غَايَةِ الظُّهُورِ وَأَخَذَ يُطِيلُ التَّشْنِيعَ عَلَى النَّاصِرِ وَالْكُورَانِيِّ وَيَتَأَوَّلُ النُّقُولَ بِمَا يَرْجِعُ مُحَصِّلُهُ إلَى أَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ وَغَيْرَهُ إنَّمَا جَعَلُوا الْمُتَوَقِّفَ غَيْرَ الصَّرِيحِ لِتَقْسِيمِهِمْ الْمَنْطُوقَ إلَى صَرِيحٍ وَغَيْرِهِ وَأَنَّ دَلَالَةَ الِاقْتِضَاءِ مِنْ غَيْرِ الصَّرِيحِ وَالْمُصَنِّفُ حَصَرَ الْمَنْطُوقَ فِي الصَّرِيحِ فَلَا مَنْطُوقَ عِنْدَهُ إلَّا الصَّرِيحَ فَالْمُتَوَقِّفُ حِينَئِذٍ هُوَ الصَّرِيحُ فَلَا خِلَافَ إلَّا فِي الْعِبَارَةِ فَالْمُصَنِّفُ لَمَّا جَعَلَ الْمَنْطُوقَ مَحْصُورًا فِي الصَّرِيحِ جَعَلَهُ هُوَ الْمُتَوَقِّفَ وَابْنُ الْحَاجِبِ لَمَّا لَمْ يَحْصُرْهُ فِيهِ جَعَلَ غَيْرَ الصَّرِيحِ مُتَوَقِّفًا عَلَى الصَّرِيحِ فَرَجَعَ الْأَمْرُ فِي الْحَقِيقَةِ إلَى أَنَّ الْمُتَوَقِّفَ هُوَ الْمَنْطُوقُ لَا غَيْرُهُ وَتَقْرِيرُ الشَّارِحِ الْأَمْثِلَةَ الْآتِيَةَ يَدُلُّ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ جَعَلَ الْمَنْطُوقَ فِيهَا هُوَ الْمَعْنَى الْمَذْكُورُ الَّذِي سَمَّى ابْنُ الْحَاجِبِ الدَّلَالَةَ عَلَيْهِ بِالْمَنْطُوقِ الصَّرِيحِ إذْ غَيْرُ الصَّرِيحِ إنَّمَا هُوَ الْمَحْذُوفُ فِيهَا الْمُقَدَّرُ لَا الْمَذْكُورُ وَأَنَّ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمُقَدَّرَ الَّذِي تَوَقَّفَ الصِّدْقُ أَوْ الصِّحَّةُ عَلَيْهِ الَّذِي سَمَّى الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ الدَّلَالَةَ عَلَيْهِ بِالِاقْتِضَاءِ وَغَيْرِهِ هُوَ الَّذِي سَمَّى ابْنُ الْحَاجِبِ الدَّلَالَةَ عَلَيْهِ بِالْمَنْطُوقِ غَيْرِ الصَّرِيحِ وَقَسَّمَهُ إلَى الِاقْتِضَاءِ وَغَيْرِهِ مِمَّا ذَكَرَ وَيُوَضِّحُهُ الْأَمْثِلَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّارِحُ.

أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ لِتَوَقُّفِ صِدْقِهِ أَيْ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ إلَخْ فَجَعَلَ الْمُتَوَقِّفَ صِدْقَ مَضْمُونِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مَنْطُوقٌ صَرِيحٌ إذْ غَيْرُ الصَّرِيحِ هُوَ الْمُقَدَّرُ مَعَهُ وَجَعَلَ الْمُتَوَقِّفَ عَلَيْهِ الْمُؤَاخَذَةَ وَهُوَ غَيْرُ الصَّرِيحِ إلَى آخِرِ الْأَمْثِلَةِ وَأَنْتَ إذَا تَأَمَّلْت مَا ذَكَرْنَاهُ فِي شَرْحِ التَّعْرِيفِ وَمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْحَوَاشِي هُنَا تَعْلَمُ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ لِهَذَا الِاصْطِلَاحِ كُلِّهِ بَعْدَ أَنْ تَبَيَّنَ مَرَامُهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015