لِتَوَقُّفِهِمَا عَلَى انْتِقَالِ الذِّهْنِ مِنْ الْمَعْنَى إلَى جُزْئِهِ وَلَازِمِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQثَالِثُهُمَا: أَنَّ الدَّلَالَةَ التَّضَمُّنِيَّةَ لَفْظِيَّةٌ كَالْأُولَى وَالِالْتِزَامِيَّة عَقْلِيَّةٌ؛ لِأَنَّ الْجُزْءَ دَاخِلٌ فِيمَا وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ بِخِلَافِ اللَّازِمِ وَلِأَنَّ الدَّلَالَتَيْنِ التَّضَمُّنِيَّتَيْنِ فِي الْمُرَكَّبِ مِنْ جُزْأَيْنِ مَثَلًا نَفْسُ الدَّلَالَةِ الْمُطَابِقِيَّةِ فَلَا مُغَايَرَةَ بَيْنَهُمَا إلَّا بِاعْتِبَارِ التَّفْصِيلِ فِي التَّضَمُّنِيَّةِ وَالْإِجْمَالِ فِي الْمُطَابِقِيَّةِ وَهَذَا مَا عَلَيْهِ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُمَا اهـ.
قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَهَذَا خِلَافٌ مَشْهُورٌ وَفِي الْحَقِيقَةِ لَا طَائِلَ تَحْتَهُ فَقَوْلُ النَّاصِرِ إنَّ الْمُصَنِّفَ خَالَفَ ابْنَ الْحَاجِبِ وَوَافَقَ الْبَيَانِيِّينَ لَا اتِّجَاهَ لَهُ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ مُخَالِفٌ لِغَيْرِهِ فَلَا يَعْتَرِضُ عَلَيْهِ بِمُخَالَفَتِهِ لَهُ حَيْثُ كَانَ لَهُ وَجْهٌ مَعَ أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِلْأُصُولِيِّينَ أَيْضًا يُؤَيِّدُهُ قَوْلُ صَاحِبِ الْغُرَّةِ الْمُطَابَقَةُ وَضْعِيَّةٌ صَرَفَهُ بِلَا مَدْخَلٍ مِنْ الْعَقْلِ بِخِلَافِ الْأَخِيرَتَيْنِ، فَإِنَّهُمَا لَيْسَ بِمَحْضِ الْوَضْعِ بَلْ بِمَدْخَلٍ مِنْ الْعَقْلِ وَهُوَ أَنَّ فَهْمَ الْكُلِّ مَوْقُوفٌ عَلَى فَهْمِ الْجُزْءِ وَفَهْمَ الْمَلْزُومِ مَوْقُوفٌ عَلَى فَهْمِ اللَّازِمِ فَلِذَلِكَ اتَّفَقَتْ الْكَلِمَةُ عَلَى تَخْصِيصِ الْأُولَى بِالْوَضْعِيَّةِ وَاخْتَلَفَ فِيهِمَا فَعَدَّهُمَا الْمَنْطِقِيُّونَ مِنْ الْوَضْعِيَّةِ وَأَهْلُ الْبَيَانِ وَالْأُصُولُ مِنْ الْعَقْلِيَّةِ اهـ.
عَلَى أَنَّك قَدْ سَمِعْت أَوَّلَ الْمَبْحَثِ أَنَّ مَسْأَلَةَ الدَّلَالَةِ وَتَقْسِيمِ اللَّفْظِ إلَى مُفْرَدٍ وَمُرَكَّبٍ ذُكِرَ مِنْ كُتُبِ الْأُصُولِ اسْتِطْرَادًا أَوْ عَلَى سَبِيلِ الْمَبْدَئِيَّةِ فَلَا ضَرَرَ فِي مُوَافَقَتِهِمْ غَيْرَهُمْ فِي اصْطِلَاحٍ يَخُصُّهُمْ لِمُنَاسَبَةٍ تَتَعَلَّقُ بِفَنِّ الْأُصُولِ وَاصْطِلَاحِ أَهْلِ الْبَيَانِ أَمَسُّ بِهِمْ مِنْ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ بَاحِثُونَ عَنْ بَلَاغَةِ الْكِتَابِ وَالسَّنَدِ وَهُمَا مِمَّا يَبْحَثُ عَنْهُ فِي هَذَا الْفَنِّ مِنْ حَيْثُ الِاسْتِنْبَاطُ وَفِي الْحَقِيقَةِ كَادَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْخَلْفُ لَفْظِيًّا
(قَوْلُهُ: لِتَوَقُّفِهِمَا عَلَى انْتِقَالِ الذِّهْنِ إلَخْ) هَذَا لَا يَصِحُّ فِي التَّضَمُّنِ قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ وَتُسَمَّى الْمُطَابَقَةُ وَالتَّضَمُّنِيَّةُ لَفْظِيَّةً؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَتَا بِتَوَسُّطِ الِانْتِقَالِ مِنْ مَعْنًى بَلْ مِنْ نَفْسِ اللَّفْظِ بِخِلَافِ الِالْتِزَامِ فَلِذَلِكَ حُكِمَ بِأَنَّهُمَا وَاحِدَةٌ بِالذَّاتِ إذْ لَيْسَ هَاهُنَا إلَّا فَهْمٌ وَانْتِقَالٌ وَاحِدٌ يُسَمَّى بِاعْتِبَارِ الْإِضَافَةِ إلَى مَجْمُوعِ الْجُزْأَيْنِ مُطَابَقَةً وَأَحَدُهُمَا تَضَمُّنًا وَلَيْسَ فِي التَّضَمُّنِ انْتِقَالٌ إلَى مَعْنَى الْكُلِّ ثُمَّ مِنْهُ إلَى الْجُزْءِ كَمَا فِي الِالْتِزَامِ يَنْتَقِلُ مِنْ اللَّفْظِ إلَى الْمَلْزُومِ وَمِنْهُ إلَى لَازِمِهِ فَيَتَحَقَّقُ فَهْمَانِ.
وَمَبْنَى هَذَا التَّحْقِيقِ عَلَى أَنَّ التَّضَمُّنَ فَهْمُ الْجُزْءِ فِي ضِمْنِ الْكُلِّ، وَالِالْتِزَامُ فَهْمُ اللَّازِمِ بَعْدَ فَهْمِ الْمَلْزُومِ قَالَهُ النَّاصِرُ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الشَّارِحَ مُوَافَقَةُ التَّفْتَازَانِيِّ وَإِنَّهُ لَا يَعْتَرِضُ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ مُخَالَفَتِهِ لَهُ، فَإِنَّ لَك سَلَفًا فِي ذَلِكَ وَهُوَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيّ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْمَحْصُولِ: وَأَمَّا الْبَاقِيَتَانِ فَعَقْلِيَّتَانِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ إذَا وُضِعَ لِلْمُسَمَّى انْتَقَلَ الذِّهْنُ مِنْ الْمُسَمَّى إلَى لَازِمِهِ، وَلَازِمُهُ إنْ كَانَ دَاخِلًا فِي الْمُسَمَّى فَهُوَ التَّضَمُّنُ، وَإِنْ كَانَ خَارِجًا فَهُوَ الِالْتِزَامُ اهـ.
وَلَمْ يُنَازِعْهُ أَحَدٌ مِنْ شُرَّاحِهِ فِي ذَلِكَ هَذَا مُلَخَّصُ مَا فِي سم مِنْ كَلَامٍ طَوِيلٍ أَكْثَرُهُ تَشْنِيعٌ عَلَى شَيْخِهِ وَفِي الْحَقِيقَةِ السُّؤَالُ، وَالْجَوَابُ لَيْسَا مِمَّا يَمُدُّ فِيهِ الْقَلَمَ نَعَمْ قَدْ ضَعَّفَ الْكَمَالُ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ بِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ تَقَدُّمَ وُجُودِ الْكُلِّ عَلَى وُجُودِ الْجُزْءِ فِي الذِّهْنِ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى تَقْدِيمِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ فِي الْوُجُودَيْنِ أَوْ فَهْمَ الْجُزْءِ عِنْدَ إطْلَاقِ اللَّفْظِ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً فِي ضِمْنِ الْمُرَكَّبِ وَأُخْرَى مُنْفَرِدًا وَالْوِجْدَانُ